ملابسها رثة.. شعرها مجعد ووجها يغطيه السواد.. كل ذلك يتوج جسد نحيل يرتعش من قسوة البرد.. تقف فى على كورنيش البحر بالمنشية تحمل بيمينها علب مناديل وتمد شمالها للقاصى والدانى وتقول " ادينى جنيه الله يخليك "ولا تتعجب أن تسمعها تقول عندما يمر بطريقها شخص أجنبى "give me one dollar ". وبعد يوم طويل يزيد عن 18 ساعة من العمل والإرهاق لا تجد إلا سيارة خردة متهاكلة بلا زجاج تدخلها رياح النوة من كل اتجاه، وبالرغم من ذلك تمكنت الصغيرة التى لم يتجاوز عمرها 9 سنوات أن تحولها إلى سرير مريح يحميها من برد الشتاء.. تنام بجوارها فى السيارة أختها التى لم تختلف ملامحها كثيرا عنها، إلا أنك تستطيع أن تميز ملامحها أكثر نظرا لظهور بعض ملامح الأنوثة لأن عمرها تجاوز ال 13 عاما، فكانت بمثابة الحماية لأختها الصغيرة من "بلاوى الشارع " على حسب توصيفها . عصابة بابا تعود حكاية الأختين كما ترويها الأخت الكبرى م.س إلى 5 سنوات، وذلك بعد أن انفصل والدهما عن الأم وأدمن المخدرات وأصبح يجبر بناته على التسول فى الشارع وبيع المناديل، وإجبارهما على ممارسات جنسية، بالإضافة إلى تعرضهما للضرب المبرح إذا لم يعطوه 150 جنيه يوميا. تروى الأخت الكبرى مأساتها فتقول " كنا بنقف فى الشارع عشان نشحت أنا وأختى وكنا بنشوف بابا قدامنا بيشرب مخدرات، وكان بيعمل حاجات مش كويسة، ولو مكنتش أرجع أنا أو أختى ب 150 جنيه فى اليوم كان بيضربنا قدام الناس.." وتضيف: حاولنا الهرب منه بس هنروح فين..؟ أبويا له عيون فى كل مكان عشان مشغل ولاد من الشارع معاه بيشحتوا ويجيبوا له فلوس ". تكمل " كل يوم كان بيعدى علينا فى الشارع كان بيبقى جوانا خوف عشان إحنا لازم نشحت، حتى لو مش عايزين كان بيضربنا عشان نشحت غصب عنا ، وكمان كان بيعلمنا نشحت بالانجليزى مع إن عمرى لا أنا ولا أختى ولا هو رحنا مدرسة، وكان فى ناس حنينه علينا وناس بتطلب مننا حاجات غريبة ومعظمهم كانوا رجالة، ولما كنت بقول لأبويا كان بيضربنى ويقول المهم أنه هيدفع كويس.. كل هم أبويا إننا نجيب المعلوم كل يوم، وفى الآخر بنام فى أى عربية " . أكدت أنها وأختها حاولا أكثر من مرة الفرار من جحيم الأب، ووجدوا الخلاص عندما قابلتهم أخصائية اجتماعية تدعى "رحمة" حاولت أكثر من مرة إقناع الأب أن يتم تسليمهما إلى إحدى دور الرعاية حفاظاً عليهما، لكن الأب رفض بل وهدد الاخصائية أنه سوف يحرقها ويقتلها لو تعرضت مرة أخرى لبناته . وفى أحد الأيام نجحوا في الفرار بمساعدة أحد أطفال الشوارع من أفراد عصابة الأب، واتصلت الفتاتان بخط نجدة الطفل الذى ساعدهم وسلمهم إلى الاخصائية الاجتماعية، وبالفعل تم وضعهما فى مأوى لضحايا الإتجار بالبشر بإشراف جمعية الحرية بالاسكندرية. هجووووووم ولكن لم تنته الحكاية عند هذا الحد.. فبعد أن تم وضع الفتاتين فى المأوى وبدأت الإدارة عمل الجلسات الاجتماعية والنفسية للأطفال، وبعد أيام قليلة عرف الأب مكان المأوى التى تحرص إدارته على سرية مكانه حفاظا على الفتيات . فتقول "راوية السعدنى" ،مديرة مأوى الفتيات، وهى تستعيد أحداث الواقعة: " بعد أن تمكنا من ضم الطفلتين عرف الأب مكان المأوى وهاجمنا بعصابة من أطفال الشوارع، وتعدى على العاملين بالمأوى، وهددنا بالقتل وحاولنا الاتصال بالنجدة ولكن لم يرد علينا أحد ولم نجد أى حماية حولنا فأقرب قسم على بعد 7 كيلومترات، وأصابتنا حالة من الرعب فالأب فى الأصل مدمن مخدرات وكل أزمته إن البنات يقمن بجلب دخل يزيد عن 15 ألف جنيه فى الشهر، ومقتنع إننا في المركز أخذنا مصدر رزقه، وحاولنا إقناعه لكن بلا فائدة ". وتتابع: فى هذه الأثناء كنت قد قمت بالاتفاق مع مديرية أمن اسكندرية وأرسلت البنات إلى نياية الأحداث حتى يتم تحويلهم للنيابة، وبالتالى يتم تحويلهم إلى المحكمة ويتم استصدار قرار بضمهم، وفى خلال 10 أيام أصدر القاضى حكم محكمة يسمح للمأوى بضم البنات لأن العائل غير مؤتمن وبموجب هذا الحكم تم ضم الفتيات إلى المأوى. واستمرت الحكاية.. فتكمل رواية السعدنى : " أمام المحكمة جاء بلطجية بالسلاح الأبيض وهددونا بالقتل لو أخذنا البنات، وبعد الرعب الذى شاهدناه قررت أن اتكلم مع الأب مرة ثانية في محاولة أخيرة لاستمالته، وعرضت عليه أن أساعده ليكون له دخلا ماديا بعيدا عن البنات، عندها فقط وافق على أن يسلم لنا البنتين .