فى واحدة من أجمل الجداريات الفرعونية، يبدو فيها أحد الملوك يركب عربة حربية تجرها أحد الخيول ويصوب سهمه نحو العدو، تبدأ قصة عشق وحب المصريين للخيل واهتمامهم المفرط بالاعتناء بهذا المخلوق الجميل، حيث تفننوا فى تزيينه وفى عمل السروج الخاصة به وأغطيتها التى زُينت بالذهب والفضة كما أعطى المصريون لخيولهم أسماء حتى لا تشوب أصالتها ويبقى دمها نقيا. ومن أروع وأنفس ما تم الكشف عنه فى مقبرة الملك «توت عنخ آمون» هو غطاء الفرس الخاص به، وكان مصنوعًا من الجلد المذهب والملون، وصورت عليه مناظر بديعة للفرعون نفسه. لتستقر فى مصر و منذ عصور الفراعنة أجمل وأغلى السلالات من الخيول التى حافظوا عليها طيلة قرون عديدة. ويعد الحصان العربى المصرى من أهم وأقوى سلالات الخيول فى العالم وأغلاها ثمنًا كما يعد من أجمل الخيول الموجودة على الإطلاق. فشكل جسمه يعد روعة فى الجمال والتناسق، إذ يتراوح ارتفاعه من 150 إلى 160 سم، ولونه إما رماديًا، أو أشهب، أو بنيًا، أو أسمر، أو أشقر، أو أدهم، وترجع أصوله إلى خمسة أصول هى «الكحيلان» و«العجوز» و«الصقالاوى» و«الحمدانى» و«الهدبان». وقد ساهم فتح المسلمين لمصر عام 20 هجرية فى دخول سلالة الخيول العربية شمال إفريقيا وفقًا للبيانات المتاحة على الموقع الرسمى للهيئة العامة للاستعلامات. كما يعد مصدرًا هامًا من مصادر توليد أفضل وأنقى وأجمل سلالات الخيل فى العالم كله وكذلك اسرعها. فهى تجمع بين جمال الهيئة، وتناسب الأعضاء، ورشاقة الحركة، وسرعة العدو من جهة، وحدة الذكاء، والمقدرة العالية على التكيُّف، وسلاسة القيادة، وعلو الهمة، من جهة أخرى. ويذكر وليم نظير فى كتابه الهام «الثروة الحيوانية عند قدماء المصريين» انه حتى الآن لا يعرف أصل الكلمة التى ظهرت فى اللغة المصرية القديمة واللغات السامية للحصان، فهى فى البابلية (سسو) وفى العبرية سوس وجمعها (سوسيم) واشتق منها الاسم الهيروغليفى (سسم) ومؤنثه (سسمت)، ويرجح أن لفظه (سيسى) و(سايس) اللتين نستعملهما الآن مشتقتين من الاسم القديم. ويزخر الادب المصرى القديم بالعديد من النصوص التى نستطيع من خلالها ان نعرف طبيعة معاملة المصريين لخيولهم بل هناك قصة الأخوين والتى تذكر أن الفلاحين استخدموا الخيل فى جر المحاريث وقد شوهد جواد يجر محراثا فى معبد «خنسو» من عهد الرمامسة. ويذكر الدكتور خالد عزب المشرف العام على ذاكرة مصر المعاصرة : إن تاريخ الحصان العربى المصرى ثرى جدا، وإن كثيرا من الناس لا يعرف عنه شيئا، وأنه وفقا لسجلات ذاكرة مصر التاريخية التى سوف تتاح قريبا على شبكة الإنترنت، فإن تاريخ الحصان العربى فى مصر يرجع إلى عدة قرون، ولكن ومع بداية القرن التاسع عشر استورد محمد على باشا (1769 -1848) مؤسس مصر الحديثة عددا قليلا من أنقى السلالات العربية من شبه الجزيرة العربية وذلك بعد عام 1811، وقد واظب على الاستيراد من بعده ابنه إبراهيم باشا (1789 - 1848) وحفيده عباس باشا الأول (1813 - 1854)، الذى أنفق أموالًا طائلة فى سبيل اقتناء الخيول العربية الأصيلة، وجمع معلومات عنها من قبائل شبه الجزيرة العربية، ترك عباس باشا الأول بعد وفاته، خيوله العربية لابنه إلهامى باشا الذى لم يكن متحمسًا لتربيتها، ولحسن الحظ فقد اشترى على باشا شريف معظم هذه الخيول واعتنى بها، وقبل وفاة على باشا شريف عام 1897 بلغ عدد خيوله حوالى 400، وقد بيعت خيوله فى مزاد عام، كان معظم مربى الخيول المصريين من العائلة المالكة مثل الخديوى عباس حلمى الثانى، الأمير أحمد كمال، الأمير محمد على توفيق، الأمير كمال الدين حسين وغيرهم. وفى عام 1908 تم تكليف قسم تربية الحيوان بالجمعية الزراعية الملكية بالبدء فى تربية خيول عربية أصيلة بعد الحصول على أفضلها، تلك المنحدرة من خيول عباس باشا الأول، وذلك من الخديوى عباس باشا حلمى الثانى والأمير محمد على توفيق، وليدى آن بلانت وابنتها ليدى ونترورث، وقد جمعت هذه الخيول فى مزرعة بهتيم، وفى عام 1928 اشترت الجمعية حوالى 60 فدانًا فى كفر فاروق بصحراء عين شمس شرق القاهرة، وذلك لتهيئة ظروف أشبه ما تكون بالبيئة الطبيعية للخيول العربية، وقد انتقلت الخيول إلى المزرعة الجديدة والمعروفة الآن بمحطة الزهراء والتى تبعد عن مطار القاهرة الدولى بحوالى 15 دقيقة، وفى عام 1952 تحول اسم الجمعية الزراعية الملكية إلى الهيئة الزراعية المصرية، وهى الآن جهة التسجيل الرسمية للخيول العربية فى جمهورية مصر العربية، وهى عضو مؤسس فى المنظمة العالمية للحصان العربى ( WAHO). والحصان المصرى يحتل فى الذاكرة الشعبية المصرية موقع الصدارة والحفاوة ويعتبر رقص الخيول، فلكورًا شعبيًا فى صعيد مصر، تحافظ عليه الأجيال، وتقيم له حلقات فى مناسبات عدة، كالأفراح، والاحتفال بالمولد النبوي، حيث تُنظم الحلبة فى مكان واسع، وعلى أنغام المزمار والطبل البلدى، والتفاهم بين الخيل والفارس يتمثل فى الاستعانة بالأرجل فى الضغط على الحصان فى أماكن مُدرب عليها لتغيير خطواته، وكذلك طريقة شد اللجام، سواء بالإرخاء أو الشد، وكذلك جلوس الفارس على الحصان، وتغيير مركز ثقل جسمه عليه.