5.6 % ارتفاعا بالتجارة الخارجية الصينية في أبريل    قطع المياه عن 4 مناطق بمحافظة القليوبية في هذا الموعد    إيران: الجولة الرابعة من المفاوضات غير المباشرة مع أمريكا ستعقد يوم الأحد    أول تعليق لأسامة نبيه بعد تأهل منتخب الشباب لربع نهائي أمم أفريقيا    ضبط عاطل لسرقته الشقق السكنية بمنطقة المطرية    «اسمها مش موجود في إعلان الوراثة».. نجل الفنان محمود عبدالعزيز يكشف تفاصيل أزمة بوسي شلبي    صلاة القلق: حين تتحول الهزيمة إلى أسطورة ويصبح الوباء دينًا    مستشار أوكراني: روسيا لا ترغب في السلام وتواصل هجماتها على الجبهة الشرقية    إنقاذ حالة ولادة نادرة بمستشفى أشمون العام    ما حكم من ترك طواف الوداع في الحج؟.. أمين الفتوى يوضح (فيديو)    بوليانسكي: روسيا ترحب بإصلاح متزن لدور الأمم المتحدة    انطلاق قمة "رايز أب 2025" من المتحف المصري الكبير    وزير الثقافة يصطحب نظيرته الفرنسية في جولة بالجناح المصري في بينالي فينيسيا للعمارة    منظومة الدفاع الجوي الصينية HQ-9.. قوة ردع باكستانية أمام الهند    خناقة على المصاريف.. حكاية سيدة ذبحت زوجها وقطعت جسده 3 أجزاء في العبور    فريق طبي بسوهاج الجامعي ينجح في استخراج «دبوس» من معدة طفل    «أنوكا» تشيد بتنظيم مصر للمنتدى الإقليمي للتضامن الأولمبي بالقاهرة    خطيب الجامع الأزهر: الحديث بغير علم في أمور الدين تجرُؤ واستخفاف يقود للفتنة    تكريم رئيس هيئة قضايا الدولة في احتفالية كبرى ب جامعة القاهرة    ستيف ويتكوف: ترامب يؤمن بالسلام عبر القوة ويفضل الحوار على الحرب    "بنقول للضحايا إحنا مباحث".. اعترافات عصابة الشرطة المزيفة ب"عين شمس"    النيابة تصرح بدفن جثة شاب غرق بترعة أبيس في الإسكندرية    الدوري الألماني.. توماس مولر يشارك أساسيا مع بايرن في لقائه الأخير بملعب أليانز أرينا    فريق طبي بمستشفى سوهاج الجامعي ينجح في استخراج دبوس من معدة طفل    محافظ الشرقية يطمئن على نسب تنفيذ أعمال مشروعات الخطة الإستثمارية للعام المالي الحالي بديرب نجم    خبر في الجول - الزمالك يحدد موعدا جديدا للتحقيق مع زيزو    أنشيلوتي يخطط لإسقاط برشلونة    شهادات مزورة ومقر بدون ترخيص.. «الطبيبة المزيفة» في قبضة المباحث    مصرع عنصرين إجراميين في مداهمة بؤرًا خطرة بالإسماعيلية وجنوب سيناء    موعد بدء العام الدراسي الجديد وتفاصيل الخريطة الزمنية والإجازات    ارتفاع توريد القمح المحلى إلى 128 ألف طن وزيادة التقاوى ل481.829 طن بالدقهلية    «المستشفيات التعليمية» تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول معايير الجودة للجراحة والتخدير بالتعاون مع «جهار»    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    عقب أدائه صلاة الجمعة... محافظ بني سويف يتابع إصلاح تسريب بشبكة المياه بميدان المديرية    التموين تعلن آخر موعد لصرف الدعم الإضافي على البطاقة    تنفيذ فعاليات حفل المعرض الختامي لأنشطة رياض الأطفال    جامعة القاهرة: أسئلة امتحانات الترم الثاني متنوعة لضمان العدالة    أحمد داش: جيلنا محظوظ ولازم يوجد صوت يمثلنا    المنظمات الأهلية الفلسطينية: غزة تواجه أوضاعا خطيرة بسبب القيود الإسرائيلية    إعلان نتائج بطولة ألعاب القوى (طلبة - طالبات) للجامعات والمعاهد العليا المصرية    رئيس جامعة الإسكندرية يستقبل وفد المجلس القومي للمرأة (صور)    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يؤديان صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبد الحليم محمود    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    "موسم لا ينسى".. صحف إنجلترا تتغنى ب محمد صلاح بعد جائزة رابطة الكتاب    جدل فى بريطانيا بسبب اتفاق ترامب وستارمر و"الدجاج المغسول بالكلور".. تفاصيل    نانسي عجرم تعلن غنائها لأول مرة في إندونسيا نوفمبر المقبل    محمد عبد الرحمن يدخل في دائرة الشك من جديد في مسلسل برستيج    سائح من ألمانيا يشهر إسلامه داخل ساحة الشيخ المصرى الحامدى بالأقصر..فيديو    «الضرائب»: رفع 1.5 مليار وثيقة على منظومة الفاتورة الإلكترونية    13 شهيدا وهدم للمنازل.. آخر تطورات العدوان الإسرائيلي في طولكرم ومخيميها    عاجل.. الاتحاد السعودي يعلن تدشين دوري جديد بداية من الموسم المقبل 2025-2026    أبو بكر الديب يكتب: مصر والمغرب.. تاريخ مشترك وعلاقات متطورة    كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس    مروان موسى ل«أجمد 7» ألبومى الجديد 23 أغنية..ويعبر عن حياتي بعد فقدان والدتي    تحقيقات موسعة في العثور على جثة متعفنة داخل منزل بالحوامدية    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لصوص المال العام يغسلون ذمتهم بالتبرعات

جاءت تعديلات قانون الكسب غير المشروع التى تسمح بالتصالح فى قضايا المال العام فى أى مرحلة من مراحل التقاضى، حتى لو صدر حكم نهائى بشرط إعادة المال المتحقق من ارتكاب جريمة الكسب غير المشروع، جاءت لتفتح طريقاً جديداً أمام من تورطوا فى نهب المال العام، أو تربحوا من مواقعهم الوظيفية، للعودة إلى المجتمع فى ثياب أبرياء وقد غسلوا أيديهم من جرائمهم مقابل مبالغ زهيدة تحصل عليها الدولة.
هذه التعديلات لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، فهى تعكس منهج الدولة فى التعامل مع أنواع المخالفات كافة.. إنه منهج يعتمد على نظرية «عفا الله عما سلف» و«اقلب الصفحة» وهو منهج لا يعالج فساداً، بل على العكس، يمنح ضوءاً أخضر لفساد أكبر.
الحالات كثيرة والنماذج متعددة من زكريا عزمى إلى حسين سالم أبرز رموز نظام مبارك، ومن مخالفات البناء الصارخة إلى توصيل الكهرباء إلى العمارات التى بنيت دون ترخيص، مروراً بالأراضى التى تحولت من نشاط زراعى إلى نشاط عمرانى وغيرها الكثير.
مبدأ التصالح الذى يفتح الطريق للإفلات بالجرائم، له أضرار اجتماعية واقتصادية خطيرة وبعيدة المدى؛ لأنها تشجع على ارتكاب مزيد من الجرائم لا سيما أن هذا التصالح يُرسخ لدى المخالفين فكرة ضعف الدولة واتفاقية القانون وأن أى مخالفة لها ثمن.
فارتكب من الجرائم ما شئت.. المهم كن جاهزاً بمبلغ الغرامة أو التصالح الذى لن يتعدى قيمة ما حصّلته الدولة منه مؤخراً سوى 700 مليون جنيه وفقاً للمادة 18 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية نتاج التصالح مع رجال الأعمال.
«الوفد» ترصد فى هذا التحقيق أبعاد قضية التصالح من جديد!
36 جهازاً رقابياً فى مصر.. والنهب مستمر
فى مصر 36 جهازاً رقابياً ولا يزال الفساد مستشرياً فى كل مفاصل الدولة ومناحى الحياة اليومية للمواطنين.. ولِم لا وهناك من يرفع شعار التصالح مع المخالفات والجرائم وطالما «اللى تعرف ديته اقتله» فإن الجرائم والمخالفات تكون مرتين وثلاثاً.
فالمذنب أو المخالف قادر على التصالح أو دفع الغرامة، وكثير من نصوص القوانين والتعديلات التى أجريت مؤخراً على بعضها تبدو مشجعة على الجريمة بل وحماية للفاسدين والمجرمين، وتحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة للبلاد نجد الحكومة وربما الدولة بمعناها الواسع، هى من يسعى للتصالح، لكن دون جدوى حقيقية بل هى مساعٍ يتضاءل معها العقاب للغاية.
فهذا حسين سالم رجل الأعمال الهارب نجده وبعد عدة سنوات من المفاوضات يرسل 3 خطابات لكل من مجلس الوزراء ولجنة استرداد الأموال المهربة والكسب غير المشروع لاستئناف اتفاق التصالح والتسوية مع الدولة مقابل إسقاط الأحكام والدعاوى القضائية ضده، موضحاً فى خطاباته أنه قرر التنازل عن منزل الأسرة بمصر الجديدة والمملوك لزوجته وهو عبارة عن عقار قديم يضم أكثر من شقة.
وغير حسين سالم يوجد كثيرون فى قائمة التسوية واسترداد الأموال المنهوبة من مبارك وعصابته التى حكمت طوال 30 عاماً، رغم أن مجرد التصالح فى قضايا الكسب غير المشروع فى حد ذاتها اعترافاً بالجرم.. والنتيجة لا أموال استردت من الخارج ولا الداخل وإنما براءة الجميع من كل التهم بالقانون أو بالتصالح!
والأمثلة على «التصالح مع المخالفات» كثيرة ومتنوعة نبدأ سردها بالأحداث.. وهو قرار وزارة الكهرباء بتركيب عدادات كودية ل 4 ملايين وحدة سكنية ومنزل ضمن المبانى المخالفة والمناطق العشوائية التى تنتظر توفيق أوضاعها.
وكان المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء قد وجه وزارة الكهرباء بوقف توصيل العدادات الكودية إلى المبانى المخالفة والمناطق العشوائية فى 7 فبراير الماضى، وكانت الأزمة بين قطاع الكهرباء ووزارة التنمية المحلية قد اشتعلت فى بداية العام لرغبة المحليات فى فرض رسوم على المخالفين قبل توصيل التيار إلى منازلهم واقتسام جزء من الرسوم المقررة بين الوزارتين!
هذا التركيب المؤقت للعدادات الكودية - وفقاً لبعض المصادر - سيكون مؤقتاً لحين تحقيق أحد حدثين أيهما أقرب، وهما إما توفيق أوضاع المبنى بما يجعله مؤهلاً لتوصيل التيار الكهربائى، وإما تنفيذ القرار الإدارى أو الحكم القضائى بشأن إزالة المنشأ أو المبنى الموصل له التيار الكهربائى بوسيلة غير قانونية.
إعفاء الراشى
وعن الفساد فى وزارة الزراعة «حدث ولا حرج» سنذكر منه نموذجين على سبيل المثال وليس الحصر، أولهما: أنه بعد مرور 7 أشهر على قضية الفساد الكبرى المعروفة برشوة وزارة الزراعة وبعد معاقبة وزير الزراعة السابق صلاح الدين هلال ومدير مكتبه بالسجن المشدد 10 سنوات وعزلهما من وظائفهما وغرامة مليون جنيه.
وقضت المحكمة أيضاً بإعفاء المتهمين الراشى أيمن رفعت الجمل ومحمد فودة من العقوبة بنص المادة 107 من القانون وهو إعفاء نوهت عنه المحكمة فى نفس الجلسة على لسان رئيسها المستشار أسامة الرشيدى بأنه أصبح بمثابة رخصة ووقاية لطيفة جديدة من المجرمين ممن امتهنوا إفساد الموظفين العموميين كبيرهم وصغيرهم فاحترفوا جريمة «الوساطة» فى الرشوة وهم على يقين أن طوق النجاة لهما مما ارتكبوه من آثام هو الاحتماء بالمادة 107 مكرر من قانون العقوبات والاعتراف بالجرم وهو بالنسبة لهم ليس فضيلة ولا إقراراً بالذنب أو تحقيقاً للعدالة أو مصلحة عامة.
الأمر الذى تطالب معه المحكمة، المشرع، بإعادة النظر فى هذه المادة وإحاطة هذه الميزة التى منحت للراشى والوسيط حال الاعتراف بالجريمة.
وفى داخل وزارة الزراعة.. هناك أيضاً ما قررته الحكومة من وضع ضوابط وآليات خاصة بتقنين حالات وضع اليد وتغيير النشاط للأراضى الزراعية والتصالح مع مخالفات البناء على الأراضى الزراعية.. رغم ما تعانيه مصر من فجوات غذائية سلعية وزراعية بسبب تراجع المساحات المزروعة والذى كشف بشأنها تقرير رسمى أصدرته الإدارة المركزية لحماية الأراضى بوزارة الزراعة أن إجمالى حالات التعديات على الأراضى الزراعية منذ قيام ثورة 25 يناير وحتى الآن بلغ مليوناً و460 ألف حالة بإجمالى مساحة تصل إلى 63 ألف فدان.. وما تمت إزالته بعد تحرير محاضر إزالة فورية لا يتعدى ال 14 ألفاً و588 فداناً بنسبة 18٪ من إجمالى التعديات.
ثم كشف تقرير آخر للإدارة بشأن التعديات على الأراضى الزراعية بالوادى والدلتا سواء بالبناء والتشوين والتجريف، أن إجمالى التعديات منذ 25 يناير 20111 حتى الآن بلغت مليوناً و530 ألف حالة على مساحة من الأراضى الخصبة بلغت 67 ألفاً و474 فداناً، وتمت إزالة 304 آلاف و401 حالة على مساحة 17 ألفاً و185 فداناً بنسبة إزالة لأول مرة بلغت 25٪ منذ 5 سنوات من إجمالى المساحات المتعدى عليها.
وكان مصدر مسئول بوزارة الزراعة قد قال فى تصريحات سابقة له إن عدد المنازل والمنشآت التى أقيمت على هذه المخالفات من المساحات المتعدى عليها من الأراضى الزراعية منذ 5 سنوات بلغت 2 مليون و500 ألف منزل تم توصيل لها كافة المرافق من كهرباء ومياه يصعب إزالتها حالياً، خصوصاً وأن الأراضى بالفعل تحولت إلى كتلة خرسانية لا تصلح للزراعة.. وقد طالب المصدر بتقنين أوضاع المخالفات ووضع قانون يجرم التعديات على الأراضى الخصبة بالحبس والغرامة حفاظاً على الرقعة الزراعية التى تمثل عصب الاقتصاد الزراعى والأمن الغذائى المصرى ومستقبل الأجيال المقبلة.
وتلك التعديات على الأراضى الزراعية، التى وصلت إلى حد لجوء الناس إلى بناء مقابرهم فوق الأراضى الزراعية بعدما أصبحت أسعار المقابر والمدافن تفوق أسعار الوحدات السكنية، وخصوصاً مع إغلاق الحكومة باب التقدم للحصول على تصاريح قطع مدافن.
ورغم مخالفة بناء المقابر على الأراضى الزراعية للقانون إلا أن تلك الوسيلة هى الوحيدة لحصول المواطنين على مقابر، والنهاية معروفة مجرد «مخالفة إدارية وفقاً للقانون دون الإزالة»، ما جعل المواطنين يتمادون فى التعديات على الأراضى الزراعية لبناء المقابر، وتحول أصحاب تلك الأراضى الزراعية إلى أغنياء من وراء بيع الأراضى الزراعية كمقابر رغم مخالفة ذلك للشروط البيئية والمعايير الإنسانية!
تحدى القانون
وهناك أيضاً الأبراج والمبانى المخالفة التى لا تزال تتحدى القانون فى جميع ربوع مصر، فهناك مخالفات على النيل تجرى «على عينك يا تاجر» بينما الحكومة عاجزة عن مواجهة هذه الظاهرة، والذى نستدل به فقط كمثال على ما يحدث فى محافظة الإسكندرية صاحبة الريادة فى انتشار الأبراج المخالفة لأكثر من 27 ألفاً و500 عقار صادر ضدها أكثر من 100 ألف قرار إزالة غير منفذ فى الإسكندرية.
والأخيرة هى مثال صارخ لفاتورة عشوائية إدارة المدينة لعقود مضت وكشف طويل لكوارث ينتظرها أهالى المحافظة.
ورغم تنفيذ الأجهزة المحلية بالمحافظة ما يقرب من 70 قرار إزالة شهرياً، إلا أنه قلما سلطت الأضواء على الأزمة عقب أى انهيار لعقار، ثم ما تلبث الأوضاع أن تعود إلى طبيعتها مرة أخرى.. الأمر الذى أصبح يهدد حياة آلاف من المواطنين يومياً إلى جانب ما تمثله تلك العقارات المخالفة من ضغط على البنية التحتية، ما يضعف قدرة خدمات المياه والكهرباء والصرف على الوصول إلى المواطنين.
ومن الإسكندرية لباقى المحافظات الأمر لا يختلف كثيراً.. فالموت تحت الأنقاض حاضر.. ولِم لا وفى مصر ووفقاً لأحدث الإحصائيات بها 1221 منطقة عشوائية تهدد حياة المواطنين فى عدة محافظات بنسبة 20٪ من إجمالى سكان مصر.. وهناك أكثر من 15٫5 مليون مواطن يسكنون المناطق العشوائية، وتعد القاهرة من أكثر المحافظات التى تنتشر بها العشوائيات، تلك المناطق العشوائية التى بلغ عدد الشقق السكنية غير المرخصة والتى تم بناؤها فى آخر 5 سنوات حوالى 6 ملايين شقة.
وتضاعفت مساحة العشوائيات فى القاهرة الكبرى على سبيل المثال 18 مرة منذ عام 1950 حتى الآن لتحتل بذلك المركز الأول فى العشوائيات وهو ما جعل 16 ألف أسرة تعيش فى مناطق آيلة للسقوط فى محافظة القاهرة.
وأصبح لدينا 30 ألف عقار ومبنى مهدد بالسقوط فى أى وقت فى العاصمة، بحسب إحصاءات المحافظات.
تلك العشوائيات التى أصبحت كالسرطان إنما ترجع للتصالح مع المخالفات تحت مسميات مختلفة أبسطها ومنها الغرامة والدراسة الأمنية والملاذ الآمن للخروج على القانون، تلك الغرامة لمخالفات يقننها القانون ويعتبرها البعض رشوة مقنعة للحكومة وأجهزتها التى أصبحت ترفع خلال عام 2016 شعار «أنت مصبحتش علىّ النهاردة؟»، فى معظم المصالح الخدمية التى يتعامل المواطنون من خلالها.
وأصبح «الشاى بالياسمين» هو الوسيلة السريعة والناجزة التى تسهم فى إنهاء كافة الطلبات والمصالح وتقنين الفساد بالتصالح مع المخالفات!
39 نصًا وراء زيادة الانحراف
لأن الغرامة شكل من أشكال التصالح مع المخالفات، فقد أصبحت بمثابة الملاذ الآمن للخروج على القانون.. وتحولت إلى حافز لتكرار المخالفة أو الفعلة بأكثر من شكل واسم.. وهى لم تعد رادعة فى معظم الأحوال!!
فقانون العقوبات رقم 58 لسنة 1927 نصوصه لاتزال قائمة ومفعلة منذ أربعينيات القرن الماضى وحتى الآن.. والذى رغم تعديل بعض نصوصه إلا أنها تبدو مشجعة على الجريمة، إذ سيتضاءل معها العقاب للغاية ومن ثم تبقى وتستمر وتزيد الكوارث تحت غطاء «غرامة وراحت لحالها» وليتجلى العجب كل العجب فيما ينص عليه قانون العقوبات بشأن الغرامات نسدد منها على سبيل المثال المادة «80 أ» التى لم يتم تعديلها منذ 1957 والتى تنص على أن 500 جنيه هى الغرامة القصوى إلى جانب الحبس 6 أشهر إلى 5 سنوات لكل من حصل بأى وسيلة غير مشروعة على سر من أسرار الدفع عن البلاد ولم يقصد تسليمه أو إفشاءه لدول أجنبية، وهناك وبحسب المادتين 102 و103 مكرر «المرتشون يعاودون العمل بقوة قانون العاملين المدنيين ما إن يقضوا عقوبتهم حتى يقوموا بتحرير مذكرة وينتقلوا من حى لآخر لمواصلة عملهم».
وفى قانون العقوبات نجد اللص والمهمل والبلطجى فى حماية ال 500 جنيه وكذلك فى الاختلاس أو الهرب من الحبس فإن الغرامة لا تتجاوز ال 200 جنيه وهى الإهمال غير المتعمد 500 جنيه هى أقصى عقوبة بينما هى 100 عقوبة موحدة لإتلاف المبانى الأثرية أو العاهة المستديمة و25 جنيها لإزعاج الجيران ومن 20 إلى 300 جنيه غرامة تلويث مياه النيل.. وهناك إهانة موظفى السكة الحديد والنقل العام بغرامة تبدأ من 10 جنيهات و500 جنيه غرامة الموظف الذى يتورط لدى قاض أو محكمة لصالح أحد الخصوم و50 جنيها لمن يترك أولاده حديثى السن أو ذوى الأمراض العقلية الموكل بحفظهم يهيمون على وجوههم ويعرضهم بذلك للأخطار أو الإصابات.
كذلك 200 جنيه غرامة الراشى لموظف غير عمومى أو السجن أقل من عامين.. وهكذا نصوص قانون العقوبات المصرى والذى بمقتضاه حصل محمد فودة وكمال الإسلامبولى على الإعفاء مرتين بسبب قانون معيب.
يقول الدكتور شوقى السيد الفقيه الدستورى إن المجتمع فى واد والقانون فى واد آخر بسبب نصوصه المترهلة و«المتخلفة» مضيفًا ان العقوبة الهينة والتافهة تشجع الناس على ارتكاب الجرائم.. وفى الحالتين تنتفى عدالة العقوبة وفى حالة التغليظ الضخم والتهاون المفرط يصبح القانون بلا قيمة لذلك يجب أن تتناسب العقوبة مع الجرم وهو ما لا يتحقق مع عقوبات تجاوزها الزمن.. كذلك القوانين الجديدة يؤخذ عليها إصدارها فى حالة من العجلة وكرد فعل سريع ومن ثم تخرج غير مرضية وأحيانا ظالمة لمن تطبق عليهم لكونها لم تحظ بمناخ من العلم والفلسفة القانونية التى تهدف لإصلاح المجتمع وسلوكيات الأفراد وليس مضايقتهم وتدمير حياتهم.
وبحسب عاصم عبدالمعطى، مدير المركز المصرى لمكافحة الفساد هناك 39 قانونًا بحاجة إلى التغيير بعضها صدر قبيل 25 يناير 2011 والآخر بعد هذا التاريخ، كان قد تم سنها دون أن يؤخذ فى الاعتبار مساعدتها على زيادة الفساد وليس ردعه.. وبالتالى ساعدت على تبرئة كثير من الفاسدين ولم يؤخذ الإجراء القانونى الكفيل بحفظ حق الدولة وعدم إهدار كرامة ودخول المواطنين.. والفرصة لاتزال متاحة لتعديل هذه القوانين بالتعامل معها كأولويات مع توافر الإرادة السياسية والرغبة الصادقة فى حصد القوانين وتقديمها خصوصًا مع قانون العقوبات ومن على شاكلته يمثل تشجيعًا للفساد وجعله حالة عامة.
قانون التصالح
فقانون التصالح - بحسب مدير المركز المصرى لمكافحة الفساد - واحد من القوانين التى تشجع على الفساد وتضع مبدأ أن الحساب مرهون باكتشاف الواقعة فقط والتى يتم تشريدها أما ما لا يكتشف فيفوز صاحبه بالغنيمة والأكثر شطارة وحظًا من يتقن التخفى والاستثمار، وهو ما حدث مع رموز قانون مبارك، ولذلك فالقوانين التى صدرت على مدار السنوات الماضية فيما يتعلق بالتصالح مع الفاسدين تتيح لمن يهدر المال العام التصالح بسداد قيمة المبالغ التى استولى عليها بتاريخ الاستيلاء عليها مع دفع غرامة فى هذا الشأن وهو ما يعنى أن الفاسد الذى نهب اموال الدولة وظلت تعمل لحسابه سنوات سيقوم بردها بنفس القيمة التى حصل عليها وجنى من ورائها الملايين دون أدنى عقاب حقيقى بردع غيره بل على العكس يشجعهم فالمقابل أضخم من الغرامة.
حق.. وباطل
التصالح مع المخالفات أو الفساد بكافة اشكاله بزعم وحجج استرداد الأموال المنهوبة وغيرها كلمة حق يراد بها باطل بحسب رؤية الدكتور عبدالخالق فاروق الخبير الاقتصادى المعروف المهتم اهتمامًا خاصًا بقضية الفساد فى مصر ويرى أنه إذا كانت هناك بعض الضرورة والمبررات فلا يجوز هذا التصالح مع «عصابة نظام مبارك» على وجه الخصوص.
فجرائمهم ليست مادية أو بسيطة فهى جرائم أدت لانهيار كامل للمجتمع المصرى وفى جميع المجالات وجعلت من الرشوة والمحسوبية والوساطة مجالا للنخر كالسوس فى عظم المجتمع إلى أن أصبح مجتمع يحيا فى حالة فساد عام وتجريف لكل القيم والأخلاق.. فجرائم رموز نظام مبارك ليست مالية فقط لتتصالح معها لاسترداد الأموال.
كما أن التاريخ الإنسانى لم يتعرض للصوص سرقوا المجتمع بهذا الكم وبما يعادل ال 2 تريليون جنيه أو ما يعادلهم بالدولار كما فعلت عصابة مبارك ولذلك فحتى محاولات استرداد الأموال سيكون الصلح فيها على قمة جبل الجليد الظاهر وعلى خلاف الحقيقة فهم يتمتعون بقدرة واسعة على إخراج وإخفاء الأموال بمساعدة نخبة متخصصة من الخبراء والمحامين والمستثمرين ولذلك فالكلام عن التصالح مع رموز نظام مبارك على وجه الخصوص هو خديعة وليست حقيقة.. كذلك التصالح مع كافة أوجه الفساد كما يقول الدكتور عبد الخالق فاروق هو رسالة طمأنة لكل اللصوص الكبار فى المستقبل إذا ما تكرر نفس الجرم، ولذلك فأى فكرة للردع العام يمثلها قانون العقوبات وقد أصبحت غير ذى معنى أو مضمون.. وهذا منطق ألا دولة.. منطق قبائل ما قبل الدولة الحديثة وما قبل دولة القانون علاوة على أنه يصيب جيلًا كاملًا بالإحباط وفقدان الامل وليس للشباب فقط لكن لكل الشعب المصرى الذى خرج فى 25 يناير ثورته الحقيقية ومن ثم فكرة التصالح لو تمت مع أمثال حسين سالم، ستصيب ملايين الشباب بالاحباط وتتعمق داخلهم فكرة عدم الجدوى وأن المياه «لا تطلع فى العالى» و«اللى له ظهر ما ينضربش على بطنه»!!
وكما يقول بهاء أو شقة - المحامى الشهير وعضو البرلمان وسكرتير عام حزب الوفد - فإنه يتم القضاء على الفساد بتطبيق سيادة القانون وعندئذ سيتم إصلاح امور كثيرة لا ينفع معها سوى تفعيل مواد القانون والعمل على تنفيذه دون استثناء.. ولذلك فإن الامل الوحيد المتبقى للقضاء على الفساد والروتين والبيروقراطية هو سيادة القانون ولا غير ذلك!
إشكاليات عديدة تعوق جهود المكافحة
فى دراسة للدكتورة مروة نظير، الباحثة فى المركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية، عن «الفساد فى عصر السيسى» لرصد أسباب انتشار الفساد بعد الثورة ودور القيادة السياسية فى مكافحته، ذكرت الدراسة أن الفساد شكل أحد المحفزات الرئيسية لحالة الحراك وحركات الاحتجاج السياسى فى مصر، التى أدت إلى قيام ثورة 25 يناير 2011 بعدما طال الفساد جوانب عدة فى عهد «مبارك» وما حدث من تداخل للحدود بين عالمى السياسة والاقتصاد وإدارة شئون البلاد بمعرفة رجال المال والأعمال، وهو ما أدى لانتشار واسع للرشاوى والوساطات وظهور العديد من قضايا الفساد، مثل غرق العبارة «السلام» ومشروعات الخصخصة التى أهدرت المال العام والفساد المتعلق بالجوانب المالية، خاصة قانون الضرائب، مما جعل البعض يعتبر 25 يناير ثورة على الفساد.
وأشارت الدراسة إلى بعض مؤشرات الفساد بعد الثورة وبما يدلل على ارتفاع معدلاته، مثل ترتيب مصر فى تقارير المؤسسات العالمية كتقرير منظمة الشفافية الدولية المنوط به تحديد ترتيب الدول فى سلم الفساد داخل القطاع العام، وكانت مصر فى المركز الأقل فى النقاط من 50، أى أن معدلات الفساد عالية ولم تختلف كثيرًا عما جاء بتقارير منظمة النزاهة العالمية باحتلال مصر المرتبة 22 لحجم التدفقات المالية غير المشروعة، وأن 36٪ من المصريين دفعوا رشاوى خلال ال 12 شهرًا الماضية، إلى جانب المؤشرات المحلية للفساد فى مصر، ومنها عدد القضايا التى تم التحقيق فيها التى وصلت ل151 ألف قضية بزيادة قدرها 80 ألف قضية على عام 2012، وبزيادة تفوق الضعف على عام 2011 بحسب المتحدث الرسمى باسم هيئة النيابة الإدارية المستشار عبدالناصر خطاب.
وفيما تشير تصريحات عاصم عبدالمعطى، وكيل الجهاز المركزى للمحاسبات سابقًا ورئيس المركز المصرى للشفافية ومكافحة الفساد حاليًا، إلى أن عام 2014 شهد إهداراً بين 170 و200 مليار جنيه سنويًا من الموازنة العامة بسبب الفساد.. وهو ما ثبت زيفه فيما بعد وأحيل بسببه هشام جنينة للتقاعد.
وأشارت الدراسة لضرورة مواجهة الفساد، خاصة مع ارتفاع تكلفته والتى تجلت فى مختلف جوانب الحياة.
فعلى المستوى السياسى توجد العديد من المؤشرات الدالة على ارتفاع تكلفة الفساد التى يتحملها القائمون على إدارة الدولة، حيث بدأ الحديث عن تغيير فى معدلات شعبية الرئيس السيسى والرضا عن أدائه.. وهو ما فسره الكثيرون بتوجه الرئاسة بالتغييرات الحكومية التى بدأت بإقالة وزير الزراعة، ثم الحكومة بأكملها.. بعد العديد من الانتقادات التى وجهت للمهندس إبراهيم محلب وحكومته بسبب قضايا الفساد، التى كان أبرزها فساد وزارة الزراعة، وطالبة صفر الثانوية العامة، وتداول بعض التقارير الإعلامية التى أكدت أن السبب المباشر لإقالة حكومة المهندس إبراهيم محلب هو إرسال النيابة العامة لمذكرة إلى رئاسة الجمهورية تضمنت أسماء عدد من وزراء محلب للتحقيق معهم فى قضايا فساد، وهو ما نفته الرئاسة فيما بعد.
وعلى المستوى الاقتصادى، أشارت الدراسة إلى أن أكبر تكلفة للفساد ترتبط بمسألة تقليص قدرة البلاد على جذب الاستثمارات المحلية أو الأجنبية.. ولذلك كان لانتشار الفساد فى القطاعات ذات الصلة بقوانين الضرائب بصورها المختلفة وراء إحجام المستثمرين وخسارة الاقتصاد المصرى العديد من فرص الاستثمار بسبب الخوف من المخاطر وارتفاع تكلفة الاستثمار.
وفيما يتعلق بالمستوى الاجتماعى فقد أدى انتشار الفساد لهدم القيم والأخلاق والمثل وأصبح الاعتياد على الفساد ظاهرة.
القيادة السياسية
أكدت الدراسة اهتمام القيادة السياسية الحالية بملف مكافحة الفساد والقضاء عليها من خلال رؤية تعتمد على محورين رئيسيين، الأول المواجهة الأمنية والملاحقة القضائية والأخرى عبر إطلاق حزمة من التشريعات والقوانين واعتماد التكنولوجيا الحديثة، وفى إطار هذين المحورين تم اتخاذ العديد من الخطوات، والتى أبرزها كان إصدار تشريعات لمحاربة الفساد كالقانون رقم 79 لسنة 2015 بشأن حالات إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، كذلك إصدار مشروع الإدارة المحلية الجديد الذى بمقتضاه أعطى للمسئولين بالحكومة سلطات واسعة للكشف عن أى قضايا فساد.
كذلك التعديلات على قانون «الكسب غير المشروع» وتقضى بتعيين الدولة مديرًا للأموال المتحفظ عليها فى قضايا الفساد، ومن بينها قضايا الكسب غير المشروع.. وأيضًا استحداث منصب مستشار رئيس الجمهورية لمكافحة الفساد، كذلك إطلاق مبادرة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، التى أعلنتها هيئة الرقابة الإدارية، وكذلك تعدد الملاحقات القضائية.
وانتهت الدراسة إلى أن هناك عددًا من الإشكاليات التى ربما تعيق جهود محاربة الفساد فى مصر حاليًا.. كإشكاليات مؤسسية تتمثل فى تعدد الجهات المنوط بها التصدى للفساد وإشكاليات تشريعية ترتبط بعدم وجود استراتيجية متكاملة لمكافحة الفساد، كذلك الإشكاليات الخاصة بالتطبيق، وهى تدور بالأساس حول عدم محاسبة «مبارك» ورموز نظامه فى قضايا الفساد التى تم تسليط الضوء عليها رغم وجود الإطار التشريعى الملائم لذلك كقانون الغدر رقم 344 لسنة 1952 والمعدل بالقانون رقم 173.
وخرجت الدراسة بعدة توصيات على صانع القرار وضعها فى الاعتبار فى معرض جهود محاربة الفساد، وأهمها ضرورة إنشاء المفوضية العليا لمكافحة الفساد المنصوص عليها فى الدستور ومراجعة الأطر التشريعية اللازمة لاختيار وجوه نزيهة وفوق مستوى الشبهات لتتصدر مشهد المعركة ضد الفساد.
كذلك عدم شخصنة مكافحة الفساد حتى لا تتحول المعركة من التصدى لظاهرة الفساد فى حد ذاتها، إلى ملاحقة أشخاص بأعينهم دون أن يترتب على ذلك تغيير حقيقى وهو ما يجعل تكرار الفساد حتميًا ولكن بوجوه جديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.