وقد شاء الله تعالي أن يخلصنا من فساد عهد عشناه، فينفتح بسقوطه الطريق لاختيارات جديدة لمستقبل بلادنا، لذلك يجب علينا أن نجعل الحاضر انطلاقا نحو مستقبل كريم لشعب مصر، ونجعل من بلدنا نموذجا يقتدي لمن حولنا بعد أن فقدنا الريادة، وتقهقرت أوضاعنا بين الأمم. ولتحدث تلك الصحوة أو الانتفاضة لابد أن نبدأ بالشباب من الذين انتكس لديهم فكر الانتماء للوطن نتيجة ضياع الأمل، وتعطل كثرتهم بلا عمل، وذلك بأن نعمل علي أن نوقظ فيهم روح النهضة ونثبت فيهم مبادئ الكرامة، وليس أوجب لتحقيق ذلك من الالتفاف والتوحد حول قضايا مصيرية نضعها هدفا للجماهير، وبذلك نتخلص من التعلق بخطايا العهد الفاسد حتي باتت تملأ علينا حياتنا، وكأنها هي المفتاح للخلاص من مشكلات الوطن، في حين أن الصواب يكمن في أن ندع المحاسبة عن الخطايا والأخطاء لقضائنا الذي لا يشك لحظة في نزاهته وتجرده عن الهوي رغم البطء الشديد في خطواته والذي يجب النظر في أمره وكيفية تسريعه عندما ندخل الي طريق التقويم والتصحيح لكثير وكثير جدا من أمور حياتنا، وإذا تحقق هذا فإنا ننحي الماضي الي هامش الذاكرة ولا أقول ننساه حتي يصفو الفكر وينشغل بما يجب عليه أن ينشغل به: بالمستقبل الذي هو أجدي وأجدر بكل الجهد، علي أن نسقط من محور سمعنا ورؤيتنا أجهزة الإعلام التي جعلت ملاحقة الماضي مادتها الأساسية كما هو حادث الآن، حتي جعلت صورتنا أمام العالم وكأننا أمة تعيش الماضي ولا تحفل بالمستقبل، وبدلا من ذلك فإن علي الإعلام أن ينهض بدوره القومي البناء بلفت الأنظار الي ما يجب أن ينوه عنه وتوجه اليه العقول والأنظار، ألا وهو الجهد البناء الذي ينهض به الآن علماؤنا وروادنا، فاحتياجنا الشديد الآن يجب أن يقوم علي فتح أبواب الأمل في مستقبل مشرق، بتقديم النماذج الناجحة منا ومن حولنا وما أكثرها. ومن بين كل الاحتياجات المصرية الملحة، احتياج الشباب الي العمل الفوري، ولا يكون ذلك عن طريق وعود وعهود لا تتحقق إلا بعد شهور ودهور، وأري فيما سأطرحه - وقد سبق وطرحته علي من كانوا يحكمون من أجل أن يسرقوا وينهبوا وبالطبع لم ينل التفافتا - رغم عدم وجود تكاليف باهظة لتحقيقه، مشروع قومي يحقق التشغيل الفوري للشباب العاطل، لأنه مبني علي ماهو متاح وموجود علي أرض الواقع. لقد خرجت المدارس والكليات والمعاهد مئات الآلاف من الشباب وكلهم تنقصهم خبرة الممارسة وفي أحيان كثيرة تنقصهم أيضا خبرة المعرفة، لأن مخطط الفساد والإفساد فيما سبق كان يريد أن يقدم لمصر شبابا جاهلا يحمل شهادات علمية بلا علم، وهذه الآلاف تمثل الغلبة من المتعطلين، لذلك فإنه من الأنسب والأوفق أن نخلط بين أصحاب التجربة وهؤلاء الخريجين في مختلف التخصصات ليكتسبوا العلم والمعرفة بالتدريب، ولا يكون ذلك إلا بدمجهم في أماكن العمل الموجودة في أنحاء مصر. وإن صدور قانون بالاتفاق مع الجهات والمؤسسات التي تتبعها هذه الأماكن كالغرفة التجارية واتحادات الصناعة والتجارة وغيرها، يلزم الورش والمحلات والشركات وكل الكيانات العاملة علي أرض الواقع بتشغيل الخريجين الذين تتفق مؤهلاتهم مع ما تمارسه تلك الكيانات من نشاطات، فمثلا يلتزم صاحب ورشة النجارة أو الميكانيكا أو السباكة أوالحدادة أو الخراطة أو غيرها بتعيين خريجي المدارس الصناعية في نفس التخصصات التي يمارسها وفي حال إذا ما زاد عدد العاملين بالمكان عن خمسة أفراد يعين لهم خريج جامعي، وهكذا يكون الحال في كل المجالات فيكون البائع وأمين المخازن خريج تجارة، ويكون الميكانيكي والسباك من خريجي الصناع، وتكون العاملات بالمستشفيات من خريجات مدارس ومعاهد التمريض، تماما مثلما سنت الدولة بقيادة وزارة الصحة قانونا يلزم أصحاب الصيدليات بالالتزام بأن يدير الصيدلية خريج إحدي كليات الصيدلة، حفاظا علي أرواح المرضي وارتقاء بمهنة الصيدلة، ولقد حقق هذا القانون المستهدف منه فأصبح خريجو كليات الصيدلة يجدون العمل فور تخرجهم، كما تم الحفاظ علي أرواح المرضي وصحة المواطنين من الأخطار. ولا أعتقد أن سلامة الناس من مخاطر الحياة المختلفة تقل أهمية عن سلامة المرضي، وهذه السلامة لا تتحقق غالبا في ظل جهل وأمية أغلبية الصناع والشغالة في كل المجالات، فهم غالبا يعانون من الجهل وأمية ألف بائية سواء في القراءة أو المبادئ الأساسية للحرفة التي يمارسونها. وبهذا نضرب عصفورين بحجر واحد فنحسن من مستوي الأداء المهني والحرفي، ونشغل خريجينا ونمدهم بالخبرة وبالمال، وإذا تعسر الأمر في بعض التخصصات لبعض الخريجين من العاطلين، تقوم الحكومة بمساعدتهم بفتح منافذ عمل لهم، سواء بالقروض والدراسات والتدريب الذي يأخذ بيدهم ويضعهم علي طريق النجاح، كما أنه علي الحكومة أن تحول أموال مساعدات البطالة التي كانت ستصرفها تخفيفا من قسوة ظروف العاطلين، الي المساهمين في دعم هذا المشروع من أصحاب الورش والمحال،وبذلك يصبح ما تقدمه الحكومة للشباب عملا وليس قناعا وتسترا علي بطالة. وبتنفيذ هذا المشروع نحقق وبسرعة القضاء علي البطالة وننمي مشاعر الانتماء للوطن والمجتمع، بتوفير العمل وتحقيق الأمل. أما مسولية التصويب والتصحيح للممارسة المستقبلية فهي تقع علي كتف الحكماء والخبراء فعليهم وضع مستهدفات بعيدة المدي لإصلاح التعليم، وهكذا لا ننصرف كلية عن الحاضر، ولا نهمل الأهم والدائم وهو المستقبل، ولتكن مخططات المستقبل في حماية جهاز قوي يتابعها بالتنفيذ والرقابة ويتبع جهة سيادية لهاسلطان قوي لا يجعلها تخضع لأي متغيرات أو مؤثرات.