وصفت العديد من المنظمات الدولية خلال السنوات الست الماضية قارة إفريقيا بأنها «القارة الواعدة»، وتتوقع الأوساط الاقتصادية أن يصل دخل دول القارة إلى 29 تريليون دولار بحلول 2025، وهو ما يجعل إفريقيا على قدم المساواة والمنافسة مع دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة فى مجموع دخولها القومية، تنتقل ساحات المنافسة الدولية من الشرق الأوسط رويداً إلى القارة الإفريقية وبالتحديد دول شرق إفريقيا وجنوب الصحراء، لما تحمله من ثروات طبيعية ومصادر للطاقة النظيفة والمتجددة، التى يتطلع إليه العالم المتقدم الآن. وحسب تقرير الاستثمار العالمى «UNCATD» لعام 2016 سوف ترتفع نسبة الاستثمارات العالمية فى إفريقيا 63% بحلول 2018، وتتركز بنسبة 51% فى مجالات الخدمات، 20% فى الصناعة و28% فى المواد الأولية والموارد الطبيعية، وتعد أوروبا واليابان من أكبر المستثمرين فى إفريقيا على مستوى العالم، بمجموع 1٫1 تريليون دولار فى 2016، بزيادة 33% عن العام الماضى. وفيما شهدت الأيام الأخيرة هرولة كل من رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو وحليفه الحالى الرئيس التركى رجب طيب أردوجان، إلى زيارة القارة الإفريقية، وبالتحديد «أوغندا، كينيا، إثيوبيا، ورواندا»، لم تقف باقى الأطراف الدولية متفرجة على الاختراق الإسرائيلى التركى للقارة السمراء، فى حضور أوروبا وأمريكا مسبقاً، بل تسابقت إيران لضمان نصيبها من الكعكة الإفريقية أيضاً. فى الوقت الذى لم يكن الوجود العربى والخليجى فى إفريقيا بشكل عميق يضمن الولاء والشراكة الدائمة، خاصة فى وجود منافسين على الساحة الإسلامية أمثال تركيا ممثلة للسنة وإيران ممثلة للشيعة، وكلتاهما لها أجنداتها وحلفاؤها الخارجيون، وتجند من خلالها الإمكانات والوقت الكافيين لتنفيذها. وبالنظر لمصالح كل طرف وحجم مشاركته ووجوده فى القارة الإفريقية ، شدد المركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية فى القاهرة على ضرورة تحرك الدول العربية وفى مقدمتها دول الخليج نحو القارة الإفريقية للأسباب التالية: 1- تحقيق الأهداف الاستراتيجية العربية التى تتعلق بالأمن القومى العربى والاقتصادى، والوجود العربى لإحداث توازن فى القوى، والمشهد الذى تحضر فيه باقى القوى الدولية سواء الحليفة أو المنافسة للعرب هناك. 2- التقارب الجغرافى بين الشرق الأوسط والخليج عبر البحر الأحمر الذى يعد بحيرة عربية إفريقية منغلقة، ما يوفر المجهود والوقت والتكاليف فى الوصول من بلاد الشرق إلى الجنوب، ويعد جسر الملك سلمان المتوقعة إقامته أعلى خليج العقبة، الذى يربط بين غرب شمال إفريقيا من ناحية ودول المغرب العربى وشمال إفريقيا، والخليج والشرق من أبرز المشروعات التى تربط بين القارة وحلفائها العرب فى الشرق. 3- تمتع القوى الخليجية بإمكانات اقتصادية هائلة قادرة على سد وإنجاز حاجات الشعوب الإفريقية التنموية، فى مواجهة ما تقدمه إسرائيل وإيرانوتركيا، حيث يقدم صندوق التنمية السعودى فى إفريقيا 20 قرضًا ميسرًا فى 2016 لدول شرق إفريقيا، كما تقدم الإمارات أكثر من 32 مشروعًا تنمويًا هناك، فضلاً عما يقدمه الهلال الأحمر القطرى فى إريتريا وجيبوتى. 4- تتعدد مجالات التعاون العربى الإفريقى القائمة حالياً التى تتمثل فى: الأمن الغذائى: حيث تعرف إفريقيا بأنها سلة الغذاء العالمى، وتمثل الأراضى الزراعية نحو 43.9% من مساحة إقليم إفريقيا جنوب الصحراء، كما أن 70% من الأراضى الزراعية التى تم شراؤها أو تأجيرها فى مختلف أنحاء العالم - التى تبلغ مساحتها 56 مليون هكتار بحسب تقديرات البنك الدولى فى 2011- تقع فى القارة الإفريقية.. فى المقابل تعتمد الدول الخليجية بنسبة تتراوح بين 80 و90% على الواردات لتلبية احتياجاتها الغذائية، وعليه فإن الاستثمار الخليجى فى القطاع الزراعى بإفريقيا يُعد فرصة جيدة جداً للتعاون. يأتى ذلك فى الوقت الذى تعانى فيه القارة الإفريقية من تراجع مستويات البنية التحتية بها، ويقدر البنك الدولى أنها تحتاج لاستثمارات فى مجال البنية التحتية يتراوح حجمها ما بين 96 و100 مليار دولار سنوياً، لتلبية الاحتياجات الأساسية، خاصة فى توفير الكهرباء، حيث إن نحو 48% من سكان إفريقيا جنوب الصحراء لا تصل إليهم الكهرباء.. وفى مقابل ذلك تمتلك دول الخليج وعلى رأسها السعودية، والكويت، والإمارات، شركات كبيرة الحجم تعمل فى هذا المجال، وتنفذ بالفعل عدداً من مشروعات بناء المحطات، ومد الطرق، وتوليد الكهرباء فى عدة دول إفريقية. وتعد إفريقيا غنية بالمعادن التى تدخل فى أهم الصناعات حول العالم، فتمتلك نحو 80% من احتياطات البلاتين على مستوى العالم، وأكثر من 50% من الماس، ويزخر غرب إفريقيا بكميات ضخمة من الحديد والذهب، ما يفتح الفرص أمام الشركات الخليجية التى تعمل فى مجال الصناعات الاستخراجية، والتعدين. الطاقة النووية: هناك اتجاه واضح فى الشرق الأوسط نحو تأسيس محطات توليد الطاقة النووية بهدف استخدامها فى الأغراض السلمية، على سبيل المثال مصر والأردن ودول الخليج، كما توجد برامج نووية متطورة فى كل من إيران وإسرائيل، وأما إفريقيا فهى مصدر كبير لإنتاج مادة اليورانيوم وتصديرها، حيث تحتل النيجر وحدها، المركز الثانى عالمياً فى إنتاجه. النقل واللوجستيات: نشطت مؤخراً عدة شركات شرق أوسطية، خاصة من دول الخليج وإيران، فى مشروعات بناء المطارات، والموانئ بالقارة الإفريقية، خاصة في دول شرق إفريقيا المطلة على البحر الأحمر الذى يمثل أهمية استراتيجية لعدد من الدول الشرق أوسطية. الخدمات المالية: استتبع وجود شركات ومؤسسات أعمال شرق أوسطية بإفريقيا، افتتاح فروع للبنوك التابعة لدول بالشرق الأوسط بإفريقيا، كما تصاعد اتجاه دول إفريقية- على رأسها كينياوالسنغالوجنوب إفريقيا- نحو التمويل الإسلامى، وهو ما يعزز من دور مؤسسات الخدمات المالية الشرق أوسطية التى تمتلك خبرة كبيرة فى هذا المجال داخل إفريقيا. وحدد معهد «دراسات الشرق الأوسط الدولى» أسباب التقارب الإيرانى الإفريقى منذ النصف الثانى من 2010، فى الآتى: 1- تسعى إيران لكسب التأييد والثقل الدولى فى المنتديات العالمية، فى مواجهة الكتلتين الأوروبية والأمريكية فى استصدار القرارات المضادة لها خاصة فى مجال حقوق الإنسان والطاقة النووية، وكذلك أثناء حربها مع العراق فى الثمانينيات، وهناك سوابق لمساندة الكتلة الإفريقية للجانب الإيرانى فى الأممالمتحدة، وعلى رأسهم زامبيا، الجزائر، السودان، السنغال، وجنوب إفريقيا. 2- حاولت إيران سد الفراغ العربى وعلى رأسه المصرى فى إفريقيا خلال الأربعين عامًا الماضية، فدعمت الكثير من الحركات التحررية والاستقلالية فى القارة، أمثال «السودان والسنغال وإثيوبيا وكينيا وغرب إفريقيا ومالى والنيجر وساحل العاج». 3- تتوجه إيران الآن للاستثمار فى الجزائر فى شمال إفريقيا وبناء مصنع ضخم لتصنيع السيارات كما كان الحال مع سوريا قبل 2011، وهو ما يلاقى معارضة كبيرة على القنوات الفضائية المغربية والجزائرية، حيث يعتبر الجزائريون أن إيران سبب رئيسي فى المأساة التى يعيشها الشعب السورى فى حربه الأهلية، وجاء التوجه الإيرانى نحو الجزائر فى شمال إفريقيا بعد فشلها فى مد أواصر الصداقة مع مصر. 4- يعتبر خبراء مركز دراسات الشرق الوسط الدولى أن إفريقيا ساحة وميدان لمعركتها الأيديولوجية مع العرب والغرب فى آن واحد، بعد حلبة صراعها القديمة فى الشرق الأوسط، ومن ثم دخلت إفريقيا فى مصاف الحليف الاستراتيجى مع إيران، لدرجة أن الدستور الإيرانى ينص على وجود إفريقيا كشريك ذى فائدة سياسية وعسكرية واقتصادية لدولة الفقيه.