مساعد وزير الخارجية الأسبق في ظل الخلاف بين إيران والدول الغربيةالكبرى وعلى رأسها الولاياتالمتحدة، ومحاولة هذه الدول حصار إيرانوالقضاء علي نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، اتجهت إيران إلى مناورة واسعة أشتملت علي تطوير علاقاتها الإقتصادية مع أفريقياكي تتفادي الأثر السلبي للعقوبات الإقتصادية ، ولكسر العزلة الدولية المفروضة عليها . وقد بدأت هذه السياسة الإفريقية النشطة في عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني الذي قام في عام 1996 بزيارة لست دول أفريقية صحبه خلالها وفد رفيع المستوى، وواصل الرئيس محمد خاتمي نفس السياسة الإفريقية ،بل وتم تطويرها كي تشمل إلي جانب العلاقات الإقتصادية أبعاداً سياسية وثقافية . وهكذا أصبح هيكل وزارة الخارجية الإيرانية يضم لجنة لأفريقيا، بل وتم إنشاء منصب نائب وزير الخارجية لشؤون أفريقيا، ثم قام الرئيس خاتمي في2005 بزيارة هامة لسبع دول أفريقية . وفي أثناء ولاية الرئيس محمودأحمدي نجاد، زاد الإهتمام الإيراني بإفريقيا بشكل ملحوظ وقام الرئيس نجاد بإجراء عدد كبيرمن الزيارات تم خلالها توقيع إتفاقيات إقتصادية وثقافية وسياسية ، وأصبح النفوذ الإيراني وخاصة في غرب إفريقيا ملحوظاً ، وذلك لإدراك إيران مدي توافر الموارد الطبيعية والمعدنية مثل الماس واليورانيوم والبترول ، وفي هذا الصدد قامت إيران بإنشاء مشروعات إقتصادية إستراتيجية مثل مصانع للسيارات في السنغال وجامبيا ، وحققت مشروعات تعاونية مع غينيا فى مجالات الطاقة والتنقيب عن المعادن. وقد اتسع نطاق النشاط الاقتصادي الإيراني في أفريقيا، حيث لم يقتصر علىمجموعة معينة من الدول، أو على إقليم بعينة، بل تمدد على نحو كبير ليشملعدداً كبيراً من الدول الأفريقية، وليغطى كل أقاليم القارة الأفريقيةتقريباً. وقد سعت إيران بشكل خاص لتقوية علاقاتها الاقتصادية مع دولة جنوب أفريقيا، وتعتبر إيران المورد الأساسي للبترول الخام لجنوب أفريقيا،حيث تصدر لها ما يصل إلى 40% من وارداتها البترولية ،وقد أدى اعتماد جنوب أفريقيا على إيران في توفير احتياجاتها النفطية إلىحياد جنوب أفريقيا تجاه القضية النووية الإيرانية. كذلك وطدت إيران علاقاتها الاقتصادية مع النيجر، ولا شك أنها كانت تضع في إعتبارها أن النيجر تمتلك ثروة هائلة من اليورانيوم .وقد تعددت مجالات التعاون حيث اشتملت علي بناء الطرق ومشروعات الأمن الغذائى وبناءمصنع للجرارات فى النيجر.وأخيراً صدر إعلان مشترك تضمن أن إيران سوف تساعد فىالتنقيب عن الموارد المعدنية فى النيجر. كذلك طورت إيران علاقاتها الاقتصادية مع موريتانيا، علي وجه الخصوص بعد قيام الحكومة الموريتانية بتجميد علاقاتها مع إسرائيل فى يناير 2009،حيث قدمت لها إيران مبلغ 10 ملايين دولار كما استكملت بناء مستشفي كانت إسرائيل تقوم بتمويلها . وقد قدمت إيران مساعدات إقتصادية إلي دول إفريقية أخري، وأقامت مصنعاً للأسلحة والذخيرة في السودان ، كما قدمت معونات مادية وعينية إلي كل من كينيا وأوغندا . ولقد أستخدمت إيران البترول كأحد أهم أدواتها في النفاذ إلي القارة الإفريقية ، ولا شك في أن إيران قد حصدت فوائد إقتصادية عديدة من هذا التحرك النشط في إفريقيا ، فضلاً عن الأثر السياسي المتمثل في الكتلة التصويتية الإفريقية في الأممالمتحدة . وإذا اعتبرنا أن إيران منافس إقليمي خطير قد يؤثر علي المصالح المصرية في إفريقيا ، فلا شك أن التنافس الدولي الحاد علي ثروات القارة الإفريقية سوف يؤثر علي التحرك المصري بوجه عام في القارة خلال الفترة القادمة ، فلا جدال في أن الإمكانيات المتوفرة لدول مثل الصينواليابان في إقتحام الأسواق الإفريقية لا تتوافر لمصر ، إلا أن وجود هذا التنافس في حد ذاته قد يتيح بعض هوامش للمناورة سواء باستغلال التناقضات التي تنشأ بالضرورة بين القوي المتنافسة نفسها ، أو بينها وبين بعض الدول الإفريقية ، كما أن الجشع الإستعماري الواضح في ظاهرة الإنكباب علي إفريقيا ، تتطلب من مصر وغيرها من الدول الإفريقية المركزية أن تقود تحرك واع كي تتحقق للقارة أكبر فائدة من هذا التنافس ، سواء من خلال الإصرار علي القيمة المضافة التي ينبغي أن تتمتع بها المنتجات الإفريقية قبل تصديرها ، وكذلك العمل علي تحقيق التكامل الإقتصادي الإفريقي . إلا أن مصر في ظل هذا التنافس الدولي والإقليمي ، قد لا تجد القدرة أو القبول في التحرك بطول وعرض القارة الإفريقية ، وإذا كانت إفريقيا في الغرب قد شكلت شبه تكتل نواته نيجيريا وهو آخذ في التماسك ، وإذا كان الجنوب قد التف أيضاً حول جنوب إفريقيا ، فأن تركيز السياسة المصرية خلال المرحلة القادمة يجب أن يسعي إلي خلق تعاون علي محورين متعامدين ، أحدهما يمتد بشمال إفريقيا ويضم الدول العربية الإفريقية ، والثاني عمودي إلي الجنوب ويمتد حتي منطقة البحيرات العظمي . أن السياسة المصرية في إفريقيا يجب أن تشهد خلال المرحلة القادمة تحرك مكثف علي المحاور التالية : 1. إعادة مصر إلي إفريقيا وإعادة إفريقيا إلي مصر من خلال حزمة من الإجراءات الدبلوماسية والإقتصادية والثقافية والمجتمعية النشطة والواعية . 2. إعادة تنشيط مبادرة حوض النيل من حيث توقفت علي الأسس التالية : أ. تفهم الإحتياجات التنموية المشروعة لدول الحوض ، والتركيز علي مشروعات الرؤية المشتركة لتحقيق المصالح المشتركة لشعوب الحوض . ب. أولية التعاون الإقتصادي مع دول الحوض بهدف خلق منطقة تكمل إقتصادي حقيقية . ج. الحفاظ علي الحقوق المشروعة لمصر في مياه النيل دون تفريط أو إفراط . 3. المحور الثالث هو التنسيق الوثيق مع دول القارة علي المستوي الدولي للدفاع عن القضايا الإفريقية الملحة مثل مكافحة الفقر والتصحر والأيدز ، والتوصل إلي فتح الأسواق العالمية ، ونقل التكنولوجيا وتعزيز المزايا النسبية والقيمة المضافة للمننجات الإفريقية . 4. المحور الرابع هو الإستناد إلي شريك دولي ( مثل اليابان ) أو إقليمي ( مثل الإمارات ) في تنفيذ مشروعات إقتصادية من خلال تكتيك التعاون الثلاثي ( المساهمة المالية من الشريك الخارجي ، مع أستخدام الخبرات المصرية ) .