إلى متى تستمر سياسة «الجباية» التى تتبعها حكومات ما بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو والتى كانت تتبعها حكومات الحزب الوطنى الذى ثار عليها الشعب المصرى وخرج بالملايين للميادين والشوارع.. وإلى متى يدعم الفقراء الأغنياء فى مصر؟ وإلى متى تعتمد روشتة علاج الاقتصاد المصرى على ذبح الفقراء دون غيرهم يوماً بعد الآخر؟ وإلى متى يزداد الفقراء فقراً والأثرياء من رجال المال والأعمال ثراء.. بالتخلى تدريجياً عن دعم الفقراء ومحدودى الدخل ودعم الأثرياء بالمزيد من الامتيازات والتسهيلات بزعم تشجيع الاستثمار.. ودون ترجمة تلك العطايا إلى واقع يلمسه المواطن المصرى فى حياته ومعيشته. جولة سريعة فى الشارع المصرى، سيتبين لك أن الحكومة فى وادٍ والشعب فى وادٍ آخر.. فرئيس وزراء مصر لا يرى سوى «الجباية» وسيلة لإنقاذ حكومته وتجميلها وحفظ ماء وجهها فى عيون المواطنين، والعجيب أننا نرى تناقضاً عجيباً من تصريحات الرئيس وبين الممارسة العقلية للحكومة والقرارات التى سيتخذها الرئيس يوجه بعدم الاقتراب من الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، والحكومة لا تجد سوى هذه الفئة فريسة سهلة للذبح بسكين الأسعار وفرض المزيد من الضرائب ليصبح وكما يؤكد الخبراء حكومة «جباية». الخطير فى أزمات حكومة «الجباية» أنها تعتقد أن الشعب غبى أو لا يفهم.. وتنسى أن كل ما تفكر فيه أو تقدم عليه، يحس به الشعب قبل تطبيقه واعتماده فخلال الأيام الأخيرة شهدت الأسواق وما زالت تشهد ارتفاعاً رهيباً فى الأسعار، والموافقة على قرارات ضريبية واقتصادية تقصم ظهر الموظفين والعاملين بالقطاع الخاص، وكان كل ذلك تمهيداً لمعونات صندوق «النكد» الدولى فهل ستستمر الحكومة فى هذه السياسة التى تحمل موتاً بطيئاً للطبقة المتوسطة تعجل بفنائها من مصر تماماً. ومن يتتبع أداء حكومة شريف إسماعيل خلال الفترة الماضية لا تجد شغلاً لها سوى فرض «الجباية» على الجميع، ورغم تضرر الأغنياء، إلا أن الضرر الأكبر يتحمله الفقراء والغلابة الذين أوصى بهم الرئيس السيسى الحكومة، وأصبح لدى قطاع عريض من المصريين شعور بأنهم جاءوا إلى هذه الدنيا لخدمة رجال الأعمال وزيادتهم ثراء. وكل المؤشرات تؤكد أن الحكومة تتجه تماماً الآن لرفع يدها عن دعم الطاقة وبعض الخدمات الحيوية الأخرى، وبالفعل وعلى فترات متقاربة منذ عامين والانخفاض التدريجى لدعم المياه والكهرباء والغاز بدأ بالفعل لإجبار المصريين على تجرع كأس المرار وتنفيذ خطة التخلى نهائياً عنه خلال 5 سنوات، وعلى النقيض تخلت الحكومة عن رفع أسعار الطاقة لرجال المال والأعمال بحجة الخوف من رفع الأسعار أو توقف بعض المصانع عن العمل. ولا يزال الغاز والسولار والكهرباء تنزل لمصانع الأثرياء برخص التراب.. وهكذا تصبح الحكومة أسداً على الغلابة نعامة على الفقراء. والعجيب أنه فى الوقت الذى يتم فيه فرض ضريبة مضافة على المهنيين نجد وزير البيئة يرفض فرض ضريبة الكربون على مصانع الأسمنت التى تكسب بالملايين. ومش مهم صحة المصريين، ونفس السيناريو يتكرر النهاردة فبعد فرض ضريبة 150٪ على المعسل نجد القرار متعثراً لفرض ضرائب على السجائر.. ولا عزاء لصحة المصريين.. وفى الوقت الذى تفرض فيه الضرائب أشكالاً وألواناً على الموظفين وجموع المصريين بشتى الأشكال المباشرة وغير المباشرة نجد الحكومة تتراجع عن تطبيق ضريبة الأرباح على البورصة وتطبيق الضريبة المضافة مؤخراً، وما حدث من تداعيات لهذا التطبيق أشعلت الأسواق من جديد ودون حساب. كل ذلك دون تطبيق الحد الأدنى للرواتب لفئات عديدة من المواطنين مع ثبات زيادات دورية فى صورة علاوات لم تعد تغنى ولا تسمن من جوع بنسبة ما بين 7٪ الى 10٪ مع زيادات فى أسعار كافة السلع والخدمات بنسب تجاوزت ال30٪. الرئيس السيسى طالب بسرعة وضع إجراءات عاجلة لتصحيح السياسات النقدية والمالية.. وذلك قبل 24 ساعة من قدوم بعثة صندوق النقد الدولى إلى القاهرة للتفاوض على قرض ال12 مليار دولار.. كما طالب بالاحتواء الكامل لآثار القرض على محدودى الدخل من خلال التوسع فى برامج الحماية والمساندة الاجتماعية والحفاظ على أسعار السلع الغذائية.. كما طالب بوضع آليات جديدة لزيادة موارد الدولة وإصدار سندات دولية فى الأسواق العالمية وطرح أسهم شركات الدولة فى البورصة إلى ترشيد الإنفاق الحكومى وخفض الاعتماد على الاستيراد العشوائى والعمل على استقرار الأوضاع المالية والنقدية وخفض معدلات البطالة فضلاً عن ترشيد الطاقة والحد من عمليات استيراد الغاز الطبيعى والمنتجات البترولية.. وقد سبق ما أعلنه الرئيس السيسى طرح لقرار الضريبة المضافة والتى وقبل الموافقة عليها سبقها موجة جديدة من ارتفاع أسعار كافة السلع والخدمات التى تشملها الضريبة وتطبق عليها لما دون ذلك من السلع والخدمات غير المطبق عليها الضريبة المضافة. الضرائب كمورد أساسى لسد عجز الموازنة متزايد ومنهج معلن للدولة ومع ذلك وللعام الثانى على التوالى تفشل مصلحة الضرائب فى تحقيق الحصيلة المستهدفة.. مما يفرض حالة من الغموض الشديد على مصلحة الضرائب المصرية حول الحصيلة الضريبية المحققة للمال العام 2015/2016 وسط كلام عن أن العجز فى حصيلة الضرائب يتجاوز ال124 مليار جنيه عن المستهدف بواقع 422 مليار للعام المالى المنقضى.. مما يشير إلى أن رئىس المصلحة يخدع المجتمع الضريبى بزيادة وهمية.. وهى نفس الخدعة عند الحديث حول دعم الفقراء.. بينما الحقيقة فمزاعم الدعم للفقراء وهم كبير هى الآخر، وحتى الدعم فى الأساس النسبة الأكبر منه تذهب لأغنياء مصر.. ولتذهب أشكال الجباية المتعددة على الفقراء مع الريح.. والكلام ليس من بنات أفكارنا أو من وحى خيالنا.. وإنما كلام وتأكيدات للواء أبو بكر الجندى رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء خلال توقيع مذكرة تفاهم مع وزيرة التضامن الاجتماعى لتحسين منهجية أعداد الإحصاءات الخاصة بقطاع التأمين الاجتماعى.. حيث أكد أن 67٪ من الأغنياء على مصر لديهم بطاقات تموينية وذلك بحسب إحصائيات وبيانات تقارير الجهاز وبحث الدخل والإنفاق الذى قام به، هذا الدعم المزعج للفقراء والتى تكشف بعض دراسات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عجز الدعم التموينى لمعظم الأسر، لدرجة أن 92.5٪ من الأسر المعرضة لخطر الأمن الغذائى تمتلك بطاقة تموينية لكنها تعانى عدم كفاية بعض السلع التموينية كالزيت الذى يكفى خمس الأسر فقط.. ورغم ذلك الجباية مستمرة.. ولكنها هذه المرة مع صندوق التقشف، ومن أجل عيون صندوق النقد الدولى بدأت مصر طريق التقشف والذى لن يدفع فاتورته سوى المواطنين الغلابة ومحدودى الدخل والفقراء.. وبالفعل هذا ما حدث وما شهدته المحافظات من موجة غلاء جديدة استعداداً لاستقبال بعثة صندوق «النكد» الدولى والمسمى بصندوق النقد الدولى «مجازاً». اللواء دكتور محمد أبو شادى وزير التموين الأسبق.. أكد أن الاقتصاد المصرى يمر بأزمة ولكنه يمتلك من المقومات ما يحصنه من أزمات مشابهة مرت بها بعض الدول.. ولذلك من الضرورى التعامل معه كاقتصاد مريض لا يجوز معه معالجة العرض وترك المرض ولذلك فاقتصادنا بحاجة إلى سياسات خاصة على قدر حجم المرض وخطورته يكون العلاج والتى يجب أن تكون أولى خطواته التعامل مع المواطن على أنه صاحب مصلحة وشريك أساسى لا يجوز ولا يقبل تجاهله، ولذلك يجب أن تسير استراتيجية الدولة للتنمية المستدامة عبر 3 مراحل، الأولى أشبه بالبج بوش تبدأ بمشاريع قصيرة الأجل منعدمة التكلفة مرتفعة العائد فيكون انعكاسها سريعاً ووارداً على الناس، وفى هذه المرحلة يجب عدم الاقتراب من أوجه دعم الفقراء والاقتراب من دعم الطاقة وترشيد دعم الغذاء بعد البحث عن المستحقين الفعليين لهذا الدعم عندئذ قد يتعافى الاقتصاد فتدخل إلى المرحلة الثانية، وهى النمو غير المتوازن باختيار قطاع معين يقود النشاط الاقتصادى فى المجتمع وتعمل فيه إلى أن تحقق كل مطالب المجتمع منه وهو القطاع الزراعى يليه كل المجالات والقطاعات الأخرى، وبالتبعية نصل إلى المرحلة الثالثة وهى النهوض والنمو المتوازن فى آن واحد.. ولذلك يرفض اللواء أبو شادى خصخصة الشركات الغذائية وما يثار بشأنها من وقت لآخر، وكذلك يرفض الاقتراب من دعم الفقراء وإنما على الدولة التواجد والتدخل لأن غيابهما لا يستفيد منه سوى أصحاب الاحتكارات العائلية وكبار التجار والمستغلين للأزمات. البدائل موجودة الدكتور عبد المنعم السيد -الخبير الاقتصادى ومدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية- يطالب الحكومة بإجراءات للسيطرة على عجز الموازنة العامة للدولة بعيداً عن زيادة الأسعار أو تحميل الفقراء أعباء جديدة لن يستطيعوا تحملها.. وأكد وجود آليات وبدائل لزيادة الأسعار لسد عجز الموازنة الحالية تلك الموازنة بشكلها الحالى والتى تعتبر باطلة وغير قانونية والتى يجب تحويلها من موازنة بنود إلى موازنة برامج وأداء على أساس النشاط.. إلى جانب تخفيض الإنفاق الحكومى والاستغناء عن المستشارين وضم الصناديق الخاصة للموازنة العامة للدولة تفعيلاً وتطبقاً لمبدأ شمولية ووحدة الموازنة.. وكذلك هناك ضرورة للنص صراحة على عدم قيام أى حكومة أو وزير مالية بالاتجاه نحو الاقتراض الداخلى أو نحو الاقتراض الخارجى إلا بعد عرض الأمر على مجلس الشعب والحصول على موافقة أغلبية الأعضاء.