صدر حديثا عن دار العين للنشر والتوزيع بالتعاون مع المركز القومي للترجمة كتاب "تاريخ السودان الحديث" لروربرت أو. كولينز، وبترجمة مصطفى مجدي الجمال، وبمراجعة المفكر والباحث في الشئون الإفريقية حلمي شعراوي. يتكون الكتاب من عشرة فصول تتناول تاريخ السودان الحديث منذ تشكله في القرن التاسع عشر، وصولا إلى كارثة دارفور، ومرورا بالحكم الثنائي البريطاني – المصري، وتجارب الحكم البرلماني العسكري، وحكم جعفر نميري 1969-1976، المجلس العسكري الانتقالي، الثورة الإسلامية وسنوات الترابي 1989-1996، سنوات البشير والحصار والتحدي1996-2006، انتهاء بالحرب والسلام في جنوب السودان. يجمع الكتاب بين المدرسة التاريخية والمدرسة الأدبية في فن تقديم الوقائع الموضوعية التي تتسم بالازدحام أو التضارب وتحتاج إلى تدقيق النظر إليها وإلى أسلوب متميز مثل الذي حرص عليه كولينز؛ حيث استفاد كثيرا من تواجده في السودان لسنوات عديدة. ويؤكد المؤلف على أن هناك مسائل ثلاثا تواجه السودان حاضرا ومستقبلا، ستظل بغير حل لسنوات مقبلة، ألا وهي تنفيذ اتفاقية السلام الشامل، كارثة دارفور، مشاكل دولة الجنوب؛ كما أن السودان يُعاني الصراع بين المركز والأطراف وبين العاصمة والأقاليم النائية في الشرق والجنوب والغرب. ويشدد كولينز -البريطاني الجنسية- على أن الثورة الإسلامية وبعد أكثر من عشرين عاما من الاستحواذ على السلطة فقدت قوة الدفع، واتضح ذلك بجلاء في أن الإسلاميين يواجهون اختبارا حقيقيا للمرحلة الحالية، وفي السنوات القليلة القادمة. وكما يقول المترجم: "تاريخ السودان حافل بالثورة والحرب الأهلية وقد اجتذب الاهتمام الدولي في التسعينيات من القرن الماضي، كأرض لتفريخ الإرهاب؛ وأخيرا كأرض للتوتر بين المركز والأطراف، بين الشمال والجنوب، الغرب والشرق، والذي انفجر بعنف في دار فور. وقد زار كولينز السودان وهو مهتم بتاريخه، ويتناول في كتابه تاريخ هذا البلد منذ فتح محمد علي 1821، ثم الحكم الثنائي الإنجليزي المصري، ثم الاستقلال عام 1956. وبعدها يتفحص المؤلف الحكم السوداني فيما بعد الاستقلال؛ حيث انهارت الديمقراطية الهشة التي أقامها البريطانيون تحت وطأة الصراع الطائفي. ويرى المؤلف أن الانقسامات الدينية والعرقية مترابطة مع القيادات الفاشلة، هي التي أطالت وأدامت الصراع في السودان، وهو هنا شارح صريح ومتبحر، ولا يتهرب من تناول بعض الموضوعات الصعبة، كما أن الكتاب يُعد إسهاما متفردا ومهما في التأريخ لهذا البلد المنكوب. يُذكر أن روبرت أستاذ غير متفرغ بقسم التريخ بجامعة كاليفورنيا بسانتا باربارا؛ ومن أعماله "الحروب الأهلية والثورة في السودان"، و"دارفور: الطريق الطويل إلى الكارثة"، و"تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء"، والأخير أعده بالاشتراك مع "جيمس إم. بيرنز". فيما يعمل مصطفى الجمال باحثا في العلوم السياسية بمركز البحوث العربية والأفريقية، ومسئول تحرير جريدة "أفريقية- عربية"، كتب العديد من الدراسات منها: أزمة الوطنية المصرية، مستقبل تنظيمات الجنوب، والبوليفاري: جدل الثورة والكاريزما؛ كما ترجم العديد من الدراسات منها: التحرر الوطني في الشرق، قضايا السلم المنشود في أفريقيا، أحوال الصين، والحركات الاجتماعية والمجتمع المدني في أفريقيا والوطن العربي.