بأي مقياس، وبكل المقاييس كانت مليونية أول أمس استعراضاً للقوة.. كانت التيارات السلفية تؤكد وجودها، وسيطرتها علي الشارع المصري.. وكان الاخوان المسلمون كذلك.. فقد غابت أو كادت التيارات الليبرالية والاحزاب الديمقراطية.. وكأنها لا تريد المشاركة في استعراض القوة الذي وصل لكل المصريين.. قبل أن يصل إلي قوات الامن والمجلس العسكري.. كان الموقف يقول: «لقد كانوا في جرة.. وخرجوا لبرة».. حقيقة كان السلفيون موجودين يتحركون بهدوء داخل مساجدهم.. وتجمعاتهم السلمية.. فقد كان الامن يخشي فقط الاخوان المسلمين وتنظيمات الجهاد وما هو علي غرارها من تنظميات اسلامية.. كان الامن يتحرك فقط ضد الاخوان.. وعلي مبدأ «اضرب المربوط يخاف السايب» كان السلفيون يتحركون بهدوء لم يلفت إليهم نظر الامن ورجال الامن.. وفجأة خرج الكل يتحدث.. ثم يعمل، ثم ينظم.. إلي أن وصلوا إلي ميدان التحرير ومحطة الرمل بالإسكندرية.. وسيطروا علي الميدانين.. وعرفنا حجم الأموال التي وصلت إليهم من دول الخليج ومن غيرها.. وجاءت أحداث المليونية - أول أمس - لتفتح عيوننا علي حقيقة كانت غائبة عنا، أو بمعني أدق لنعرف الحجم الحقيقي للسلفيين في مصر.. وبالذات قبل أيام من المرحلة الاولي لانتخابات مجلس الشعب.. وكأنهم أرادوا أن يبعثوا رسالة لشعب مصر.. كأنهم يريدون أن يقولوا للكل: ها نحن.. من يستطيع أن يقف أمامنا؟ كانت هذه المليونية تقدم لنا القوة الجديدة الصاعدة التي تسعي حقيقة لحصد أصوات الناس والوصول إلي البرلمان بقوة كافية، لكي يصبح لهم هذا الصوت المدوي، الذي تدربوا عليه جيداً.. خرجوا أول أمس وهدفهم هو مقاعد مجلس الشعب.. ليحكموا مصر من خلاله.. حقيقة كنت أعرف أنهم أقوياء.. ولكنني لم أكن أتوقع قوتهم بهذا الحجم.. وظاهرة المليونية الاخيرة - التي يري البعض أنها فاقت مليونية يوم 25 يناير - لها نتائج ايجابية.. واخري سلبية، من النتائج الايجابية ان يعرف الناس الحجم الحقيقي لقوة كل تيار ولكن من نتائجها السلبية ان تتفتح عيون المصريين علي هذه القوة لكي يعرفوها علي حقيقتها.. ولكي يعرف الشعب أي مخاطر تكمن في هذا التيار.. وهذه القوة الجديدة علي الساحة السياسية المصرية.. وأعترف أن السلفيين أرهبوني أول أمس، وخشيت علي مصر من تعاظم قوتهم إلي هذا الحد.. وربما يتعاطف معهم قطاع كبير من المصريين بحكم أن المصريين تعودوا علي الصوت العالي وتجذبهم الآن الكلمات الكبيرة.. وتهزهم الشعارات الرنانة. ولكن السؤال: هل تتواري باقي القوي السياسية الآن بعد ان كشف السلفيون عن قوتهم الحقيقية.. وهل يمكن ان تصبح مصر مثل ايران - مع اختلاف المذهب الديني - وهل يصبح الشيخ حازم صلاح أبو اسماعيل هو خوميني مصر الذي يحرك كل المصريين الآن من خلال الميكروفون.. ويقفز علي السلطة كما كان الخوميني يحرك الايرانيين من خلال خطبه في شرائط الكاسيت.. لقد تهيأ لي أول أمس وأنا أتابع خطبة الشيخ حازم في ميدان التحرير أنني أمام خوميني جديد.. ولكن في مصر هذه المرة.. ولما كانت ايران هي أكبر دولة في غرب أسيا واستطاع الخوميني ان يسيطر عليها من خلال الشعارات البراقة ضد فساد الحكم الشاهنشا هي للشاه رضا بهلوي.. فإن مصر هي اكبر دولة في شرق افريقيا.. وبالتالي يستطيع السلفيون ان يقفزوا علي السلطة فيها.. ولا يهم هنا المذهب الديني شيعي هناك أو سني هنا.. المهم هو مقاعد الحكم.. وأعتقد أن ظهور الاسلاميين في مليونية «جمعة المطلب الواحد» ولقد سمعت الشيخ حازم أبو اسماعيل يطالب بإسقاط المجلس العسكري وتسليم الحكم لحكومة مدنية.. هنا أقول: أليس المجلس العسكري هو الذي حمي الاسلاميين وحمي الثورة.. ثم أليس الطريق الطبيعي لتسليم الحكم للمدنيين هو طريق الانتخابات الذي نسير فيه الآن، أم هناك من يطالب بعودة المجلس العسكري إلي ثكناته ويترك البلاد سداح مداح لتنهار «الدولة المصرية» في لحظات.. اخشي ان تكون مظاهرة استعراض القوة الاسلامية امس الاول هي البعبع الذي سيخيف المصريين من احتمالات حصول الاسلاميين علي العدد الاكبر من مقاعد البرلمان.. فينقلبوا علي الاسلاميين سلفيين كانوا أم من الاخوان المسلمين.. والحل هو ذهاب كل المصريين إلي صناديق التصويت ليحسنوا الاختيار.. وتتسلم الحكم فعلاً حكومة مدنية وليست حكومة دينية.. وبلاش والنبي دعاوي الخومينية في مصر!!