سادت حالة من السخرية المخلوطة بالغضب عقب إذاعة إعلان خاص بصندوق تحيا مصر يتضمن نموذجاً مصرياً للحاجة زينب سعد الملاح مواليد 1934 التى قامت بالتبرع بقُرطها لصالح الصندوق فى يوليو 2014، كما جاء بالإعلان المذاع منذ أول شهر رمضان قصة كفاحها، وإنها لا تملك سوى هذا القرط الذى لم تفرط فيه فى زواج ابنتها أو سفر ابنها، ولكن حبها للوطن جعلها تضحى من أجله بآخر وأهم ما تملك، فضلًا عن ظهور الرئيس عبدالفتاح السيسي معها بمشهد أرشيفى حينما قام باستقبالها فى ذلك الحين كتكريم لها. انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض لاستغلال «الحاجة زينب» للترويج للتبرع فى صندوق تحيا مصر، رأى البعض أنها رسالة لرجال الأعمال وللأثرياء بأن فقراء مصر وطبقتها معدومة الدخل تضحى بكل ما تملك، فى إشارة لحثهم على المشاركة، فى حين كان الطرف الأكثر ظهورًا كرد فعل على الإعلان هو الناقد بشكل لاذع لاستغلال الفقراء والمهمشين للتقشف ودعوتهم للتبرع لصالح مصر. وبين هذه الآراء يرى اقتصاديون أن اقتصاد الدول لا يدار بسياسة جمع التبرعات والضغط على الفقراء، مشيرين إلى أن « قُرط الحاجة زينب» كلف مصر أكثر من قيمته، حيث تم تخصيص راتب شهرى لها، إضافة إلى توفير مسكن ورحلة عمرة، بالإضافة إلى أن هناك الكثير حول الصندوق وتبرعاته لا يتم الإعلان عنها، كما انتقدوا ظهور شخص الرئيس السيسى خلال مدة عرض الإعلان والمغامرة بمكانته فى مثل هذه الأشياء. ومن جانبه أكد الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادى وأستاذ التمويل بالأكاديمية العربية، أن مسألة فتح أبواب التبرعات يجب ان تكون فى أضيق الحدود، وأشار إلى أنها فى الأصل تأتى من نظرية التكافل، وهذا ليس دور الدولة، وإنما الجمعيات الخيرية هى الأجدر بالقيام بهذا الدور، لافتاً إلى أنه لا يوجد منطق بأن يتم إحياء اقتصاد بهذا الاسلوب، التحويلات الخيرية والتكافلات مطلوبة، ولكن فى إطارها الصحيح كتطبيق جمع الزكاة، وربما يكون أفيد للمجتمع. وأضاف: «لكن حلق الحاجة زينب لم يكن موفقاً وإشارة تضغط على الطبقة الفقيرة ومدخراتها، واذا كان فقراء الشعب لا يستطيعون الادخار نظرا لإنفاق كل ما يملكون على الطعام والشراب فالأجدر ألا أطالب هذه الطبقة بالتبرع بمدخراتها، فمن ناحية لن يفيد هذا النهج الدولة ولا المواطن، فحلق الحاجة زينب كلف الدولة كثيراً من إعلان ومسكن ومعاش شهرى، وهذه أزمة، ولدينا معاناة لوقوع نحو 40% من الشعب تحت خط الفقر والدعوة المستمرة للتقشف غير مفهومة، فالطبيعة تقول أن يتم تخصيص الدخل على الأساسيات من الطعام ثم بعدها الكماليات فهؤلاء لا يملكون ما يجعلهم «بشرًا». «صندوق تحيا مصر كان عليه الاكتفاء بإشارة ولا يتعمق بهذا الشكل، ويأتى بنموذج الحاجة زينب، والسبب الأساسي فى ظهور هذا النوع من الإعلانات هو مستشفى 57357 الذى تديره المجالس الطبية المتخصصة وقريبون من صنع القرار، فهناك محاولة لنقل هذه التجربة الى الدولة، وهذا خطأ. يرى «نافع» أن الإعلان أثار استياء الطبقات الفقيرة التى لا تملك مدخرات، فحلق الحاجة زينب يمثل 100% من مدخراتها، وإنما لا يمثل 1,% من أموال رجال الأعمال، والمقارنة ظالمة، وأشار إلى أن الصندوق أنفق بشكل كبير على مقرهم فى شيراتون ومخصصات الصندوق غير مراقبة، ولا نعلم مدى نجاح هذه التجربة، وأتمنى ألا تعمم هذه الفكرة، لأن لدينا ازمات اقتصادية مهولة فى الموازنة والتضخم والبطالة ولن تحل بصندوق يجمع تبرعات، فيجب أن يتم بشكل مؤسسى من خلال ممثلى الشعب لكن عمل صندوق وفقاً لتقدير شخص مهما كان هذا الشخص هذا لا يليق. وتساءل «لو تبرعت نماذج الحاجة زينب لصندوق تحيا مصر فمن تُنفق عليه أموال التبرعات»؟ كما اتفق رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، إيهاب الدسوقى مع الرأى السابق مضيفًا «ممكن يتم النظر للإعلان بمنظورين مختلفين: أن الطبقة الفقيرة مستعدة لتسهم فى بناء مصر، والآخر أن الدولة تأخذ من الفقراء بدلًا من مساعدتهم». وأضاف الدسوقى «لا ينبغى للحكومة إعطاء انطباع الحصول على التبرعات من هذه الطبقات المعدومة الدخل لأنها رسالة سلبية وليست إيجابية، ومن الناحية السياسية مردودها سلبى، بالإضافة إلى أنه لا يجوز أن يكون هناك إعلان يشارك فيه رئيس الدولة لأنه منصب رفيع علينا عدم المساس أو المغامرة به. ومن جانبها علقت الدكتورة نادية رضوان، أستاذ علم الاجتماع بجامعة قناة السويس، بأن ما اثير حول اعلان «حلق الحاجة زينب» ينم عن جهل وطنى، وأشارت إلى أن الإعلان موجه الى الطبقة الثرية التى تثير اشمئزاز الكثيرين من المسرفين بالمطاعم الفخمة قائلة «المعنى الحقيقى للإعلان واضح، وهو القول: اختشوا ياللى معاكم فلوس». كما أشادت بالقائمين على الإعلان، مؤكدة أن فكرته عبقرية ودرس للوطنية.