هذا المكون فى الإنسان الذى يختلف عن مكون الجسد الإنسانى، الذى ثار الجدال حوله منذ فجر التاريخ، على رغم تناوله بين منكر أو مثبت فى إطار النظريات الفلسفية المختلفة، ولكنى أركز عليها من خلال الفكر الإسلامى الذى تعامل معها فى وضوح وشفافية من آيات القرآن الكريم الذى اختلف عن أصحاب النظريات المادية الذين ذهبوا إلى إنكار وجودها شأنها شأن أى معرفة لا تقع تحت دائرة الحس، ونتوجه إلى القرآن الكريم الذى أجاب عن التساؤل حول الروح فى قوله تعالى: «ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا» (الإسراء: 85). فهى من أمر الله الذى لا يعلمه غيره، ولم يطلع عليه أحد سواه، ولم يعط لإنسان العلم أو الوسيلة التى توصله إلى هذا الكون من المعرفة والإحاطة به، فهذه الطاقة المجهولة لا نعرف كنهها ولا طريقة عملها، وهى وسيلتنا للاتصال بالله سبحانه وتعالى، إنها تهتدى إلى الله بفطرتها، إنها قبس من الله، أودعها قبضة الطين: «فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين» (الحجر: 29)، ومن ثم فهى بذاتها تهتدى إلى خالقها، وتتصل به على طريقتها: «وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا» (الأعراف: 172). ومن وظائف الروح أنها وسيلة الإنسان فى معرفة المحجوب عن الحواس، فالاستشفاف عملية من عمليات الروح، والحلم التنبُئى، أما الوظيفة العظمى للروح فهى الاتصال بالله تعالى، ومن ذلك اهتم الإسلام بتربية الروح لأنها القاعدة التى يقيم عليها تشريعاته وتوجيهاته وتنظيماته الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، إنها النسب الإلهى للإنسان فى الأرض وبها كرّم الله الإنسان، وأنار هذا الطين الأصم الذى خلق منه الإنسان. وتتضح عظمة المنهج الإسلامى فى كبح غرور العقل بأن حدد للعقل مجاله النظرى، حتى يحفظ الطاقة العقلية من التبدد وراء الغيبيات، وكان ذلك من نصيب الروح، لأن مجاله هو تدبر الظاهر للحس والمدرك بالعقل، ومنح الله للعقل الوسائل التى تعينه على تدريب طاقته والوصول إلى الاستنتاج والاستدلال، ومن هذه الوسائل: 1 - وضع المنهج للنظر العقلى. 2 - تدبر نواميس الكون وتأمل ما فيها من دقة وارتباط، وهو حديثنا القادم، ودعنى عزيزى القارئ أن أذكرك بأن أعظم غذاء للروح يتحقق فى هذا الشهر الفضيل، وغذاؤها يختلف عن غذاء البدن الذى نعرفه جيدا ونتفنن فيه إلى درجة أننا أحياناً نصل إلى عكس حكمة الصوم، أما غذاء الروح فهو صلة الأرحام ونكون من عباد الرحمن «الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً».. ونواصل الحديث.