أنشأت للترفيه عن المواطنين، بإعتبارها إحدي وسائل التسلية، حيث تعتمد علي عرض الأفلام الجديدة، تلك التي يقتصر بثها علي دور العرض فقط لفترة ما، إلا أن ذلك الهدف تحول في كثير منها، خاصة تلك القابعة في وسط البلد؛ لتُصبح بدلا من ساحة لمشاهدة الأفلام والإستمتاع بها، مكان لممارسة الافعال المنافيه للاداب تحت مرآى ومسمع القائمين عليها في مقابل القليل من المال، وكأنها ترفع شعار"موكنة مرخصة". حرصنا علي خوض التجربة بذاتنا لنتمكن من كشف الحقيقة كاملة، فوصلنا عند إحدي السينمات بوسط البلد، والمشكوك في أمرهن، ووقفنا نراقبها من بعيد أولا، فكان يسودها الهدوء، فلم يقف أمامها الطوابير لحجز إحدي الحفلات كالمنظر المعتاد،مع إقتراب بدء الحفلات، فقلما ما وجدنا من يقترب من الشباك لحجز تذاكر الدخول، وهذا المشهد ما زادنا إلا إصرارًا علي خوض المغامرة والدخول لمعرفة ماذا يجري بداخلها، وإن كان يشوبنا شعور بالخوف الشديد والقلق. تحركنا ببطء نحو شباك التذاكر وبدأنا بالحديث مع العامل، ذلك الرجل الذي تخطي عمره ال50 عامًا، وقد اتضح ذلك جيدا من الخطوط التي استطاع الزمن أن يرسمها علي وجهه، وقد نال الشيب من شعر راسة وكأنه قابع في ذلك المكان من قديم الزمن وتاهت ملامحة مع ملامح المكان العتيق. فبادرنا بالقول هي "الحفلة هتبدأ امتى" فرد قائلا "احنا عندنا حفلتين طول اليوم حفلة بتبدأ من الساعة 9 لحد 4ونص وحفلة بتبدأ من 4ونص لعشرة بالليل وسعر الحفلة 15 جنيه بس وبنعرض ثلاث أفلام طول الحفلة الواحدة "، الرد الذي زادنا إندهاشًا، فمن المعتاد أن أسعار دور العرض تتراوح من ثلاثون الي خمسون جنيهًا وتقتصر علي عرض فيلمًا واحدا، فنظرنا إلي بعضنا واقترحنا في همس أنه من الافضل مغادرة ذلك المكان المريب الذي لا يعمل به سوي "المسنين" فقط، خاصة ان شعورنا بالخوف بدأ في الإزدياد حينها، إلا أن الفضول غلب علينا لنعاود الحديث معه مرة ثانية، "طيب احنا لو دخلنا ينفع نخرج في أي وقت خلال العرض اصلنا خايفين لحد يضايقنا، فتابع مسرعًا "متخافوش معندناش احنا الكلام ده انا هدخل معاكوا حد بالكشاف يقعدكوا في مكان بعيد في ركن العائلات بس للعلم مافيش تكييف في مراوح بس ". في الحقيقة استطاع ان يهدأ من روعنا بكلماته تلك قليلا، فقمنا بدفع ثمن التذاكر لنستكمل جولتنا هذه. عند تلك اللحظة انتهي حديثنا مع هذا الرجل، ليُسلمنا لآخر يحمل كشاف، وأثناء ذلك سمعنا صوت محشرج يقول وهو يتناول الطعام في فمه، وتتساقط منه بعض فتافيت الخبز "علي فكرة الفلوس مبترجعش يا اساتذة"، لنرد بهدوء "حاضر". بدأ الرجل الآخر في فتح حقائبنا لتفتيشها بتمعن وكأن الشك أصابه نحونا، ثم تابع اتفضلوا بعد أن تأكد تماما من خلوها من الكاميرات أو أشياء أخري كان يبحث عنها ولكننا لم نعلم ماذا تكون. "رائحة كريهه .. كراسي قديمة محطمة لونها أحمر ولكنها تحولت لرمادي بل إلي الأسود من تراكم الأتربة عليها.. مراوح أعلي السقف تلف ببطء.. شعاع نور ضعيف يخترق إحدي الجدران العالية المُشققة إلي الأرض.. بعض القمامة كانت مُلقاه بين المقاعد" .. كان هذا هو حال ساحة العرض من الداخل، فأول ما تطأ قدمك بداخلها، ينتابك شعور مُلح في الرغبة في مغادرة المكان علي الفور، من هول المنظر، ولكننا استكملنا مهمتنا. حرصنا علي الجلوس في أخر مقعدين بالقرب من الباب لنتمكن من المغادرة وقت ما نشاء، وحينما جلسنا لنشاهد الفيلم المعروض وجدناه فيلم "الجزيرة" وهو ما يتم عرضه في القنوات الفضائية الآن، الأمر الذي يُفقد تلك السينما الهدف التي أنشأت لأجله من الأساس، ولحسن حظنا اننا دخلنا في نهاية الفيلم لنُشاهد ما يحدث خلال فترة الراحة. تركنا الفيلم حينها لنتابع ما يحدث بداخلً دور العرض، وإن كانت الإضاءة خافتة إلا اننا تمكنا من الرؤية من خلال التركيز والتحديق، وساعدنا في ذلك وميض شعاع الشمس الذي يخترق الجدران من الاعلى وسط العمتة ليكشف بعص ملامح المكان...معظم المتواجدين كبار في السن، إلا أن كان هناك بعض الشباب الذين جاءوا بصحبة صديقاتهم، ليقضوا معًا وقتًا ممتعًا بعيد عن أنظار الكثير، لاسيما في ظل إنعدام الإضاءة سوى ذلك الشعاع، وخاصة أنهم علي دراية كافية بأنهم لن يجدوا من يحاول مضايقتهم، أثناء الجلوس سويًا، بعد أن جاء لهم أحد العاملين ليقول له "عاوز حاجة ياباشا"،ليقوم الشاب بوضع يده في جيبه واستخراجها مُحمله ببعض الجنيهات، وإعطاءها له، ليُردد الأخير بكلمات مبهمه لم نفهم منها سوي جملة "ربنا يخليهالك يا باشا". هنا وهناك تجد شاب وفتاة يجلسون وكأنهم في حديقة عامة، فمنهم من يضع يده علي كتف صديقته، ومنهم من يُغازلها برفق، ومنهم ومنهم ....، دون إكتراث لمن حولهم، ليبقي الفيلم معروض ولكنه لم يحظي بأي إهتمام علي الرغم من الحضور. حركة مريبة في المكان فبعض هؤلاء المسنين قد تركوا مشاهدة الفيلم ليلتفتوا إلي الوراء ويرمقونا بأنظارهم، ولكننا لم نستطع فهم جيدا ما سبب ذلك، فهل لشعورهم بأننا غرباء عن ذلك المكان أم لأننا نراقبهم، أو أنها محاولة منهم للتقرب منا، وأثناء محاولتنا لتوصل للجواب الصحيح عن اسئلتنا تلك فقد قاطعنا أحدهم حيث قام من مقعده وحاول الاقتراب منا بالفعل الأمر الذي جعلنا نُقرر حينها علي الفور مغادرة المكان والإكتفاء بذلك القدر، فلم نستطع المكوث بداخل الساحة، لأكثر من 10 دقائق ومروا علينا كأنهم ساعات من الحيرة والقلق، لاسيما أننا توصلنا للإجابة عن سؤالنا، لماذا يدخل هؤلاء في ذلك المكان المشكوك في أمره والذي يعرض أفلامًا قديمة وتبث بالفعل علي شاشات التليفزيون. وأنهينا مغامرتنا بترديد سؤال مُلح علي أذهاننا .. فما حال من يستمر للحفلة كاملة والتي تستغرق 7 ساعات ونصف؟!