ضحك ولعب وشقاوة تملأ أرجاء المول والملاهي بهجة، ولكن فور عودتنا للمنزل يعاود أطفالي سرعة الغضب والعبوس وكأننا لم تنتزه ولم نلعب سوياً ونستمتع بإجازة العيد، فشتان ما بين زكرياتنا لتلك الأيام وما يعيشه أطفالنا الآن .. هذه شكوى أم مصرية تشاركها فيها ملايين الأمهات، فلماذا هذا الاختلاف الكبير بين حالهم أثناء وبعد النزهة وبين حالنا الذي كنا عليه ؟ ولماذا لم تعد ضحكاتهم من القلب؟ ولماذا تزداد حدة غضبهم بالشكل الذي نراه ويلمسه كل أب وأم في أطفال هذا الجيل؟ يجيبنا المهندس محمود أمين، خبير الإتصال ومدرب التنمية البشرية، على هذه التساؤلات قائلا: بداية لابد من تذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما سن صلاة العيد كان يصليها في الخلاء، مما يشير إلى أهمية الإنطلاق والتحرر من القيود بتأدب في الأماكن المفتوحة كالحدائق والرحلات النيلية والبحرية، وذلك للإستفادة من الأوكسيجين الذي يغذي العقل والجسم مما يزيد النشاط والحيوية، فضلا عن تأثير اللون الأخضر الذي يحسن الحالة النفسية والمزاجية للأطفال والكبار، والذي يوسع المدارك والقدرة على التخيل. إلا المولات ويتابع : لذلك لا أؤيد أن تقتصر أجندة العيد على الذهاب للمولات التجارية والأماكن المغلقة فتأثيرها سلبي على الصغير والكبير، فالكهرباء العالية تصيب أطفالنا في المستقبل بالعصبية، والزحام يؤدي لنقص الأوكسيجين مما يؤدي لتوتر الجهاز العصبي فتزيد المشاجرات، وكذلك الملاهي من الأماكن المرفوضة لأنها لا تنمي أي موهبة لدى الطفل. وينصح أمين الآباء بضرورة تغيير خريطة الإجازات وتعويد الأبناء على قضاء وقت الفراغ فيما ينفع كالإشتراك لهم في ورش التمثيل والموسيقى والغناء كل حسب ميوله، والعودة للألعاب الشعبية التي تُعمل العقل وتحرك الجسم في نفس الوقت. وبما أن لعبة العيد هي من أهم ما يشغل بال أبنائنا فلابد أن ينتبه أولياء الأمور،بحسب كلامه، إلى أن يغرسوا في نفوس أبنائهم القناعة وأن الشيئ ليس بقيمته المادية بل بنفعه لنا ومدى احتياجنا له، وذلك لن يتم إلا بمحاورة الأبناء عما ستضيفه اللعبه لهم، ومدى اختلافها عن لعبهم الأخرى، وأن يوجهوا صغارهم دوما للألعاب التي تعتمد على التفكير لأنها تطور عقلية الطفل وتنمي ذكائه وتظهر قدراته ومهاراته الفعلية. سرعة الغضب من جانبها تشير د. أميرة مرسي ،اختصاصية تعديل أسلوب الحياة جامعة عين شمس، إلى خطورة لجوء أولياء الأمور للمولات التجارية كوسيلة ترفيه متكاملة للطفل خاصة مع تركهم في محال الألعاب الإلكترونية، التي تعرض الطفل لكم هائل من الإشعاعات فتزيد من حدة توترهم ، واعتياد السهولة والسرعة فبضغطة زر يحصل على ما يريد ، وبالتالي نجد أطفالنا سريعي الغضب غير صبورين ويريدون كل شئ في نفس اللحظة، كما تحرمهم من بذل أي مجهود عضلي فينشأ جيل ضعيف البنية الجسمية، يتعب من أي مجهود رياضي، ولم لا فحتى لعبة كرة القدم أصبحت الكترونية. وتضيف دكتورة أميرة: البعض يرى أن المول التجاري مكان آمن مكيف الهواء نظيف، فيُدخلون أبناءهم في إشكالية كبيرة تكمن خطورتها في التقليد الإجباري لثقافات غربية تتناقض تماما مع قيمنا وسلوكياتنا، مما يؤثر سلبيا على سلوكيات الطفل حينما يرى الشباب يرتدون ثيابا غريبة عن مجتمعنا العربي المسلم، ويسلكون سلوكيات ويتلفظون ألفاظا غير لائقة، فنجده يريد الذهاب بمفرده للمول، وحتى مع تواجد الأب والأم نجده يلتقي بهم ويتركهم وينظر لهما وكأنهما أعدائه ويخالفون ميوله وتوجهاته، مما يزيد حدة توتر العلاقات الأسرية. حتى محال الألعاب الإلكترونية، تراها الاختصاصية مؤدية إلى اعتياد الأطفال على سلوكيات سلبية من عنف وأنانية، وتزداد خطورتها مع مرحلة المراهقة لنجده يميل للعزلة واللا مبالاة وفقد روح المشاركة. المفتوحة أحلى وتؤكد أميرة على قيمة الخروج للمناطق المفتوحة التي تفيد فى الاسترخاء النفسي ورفع المناعة، والتخلص من الشحنات الضارة التي تراكمت في أجساد الصغار نتيجة تعرضهم الدائم للتلوث البيئى السمعي والبصري، والضوضاء التي تخرجهم عن شعورهم وتجعلهم غير قادرين على التحمل فيفقدون القدرة على التحاور. وتذكرنا بتأثير الجلوس على شاطئ البحر أو كورنيش النيل أو النظر للمساحات الخضراء ومدى تأثيره الإيجابي على قدرة أبنائنا وقدرتنا على التخيل والتفكير والإبداع، مما يساعدنا على حل مشاكلنا في العمل والمنزل، وبالتالي نكون أكثر استعدادا لسماع أبنائنا وبذل الجهد المطلوب لتربيتهم وتقويمهم. ومن ناحية أخرى يكون قوة دافعة لأبنائنا على التعبير عن أحلامهم وآمالهم فيقبلون على المسؤلية بصدر رحب .