لابد أن يستوقفك وجهها الذى ارتسمت عليه علامات السنين بقسوة، فتركته اخاديد وتعاريج لألف قصة وقصة، عيناها الغائرتان فى تلافيف الوجه ذات نظرات حائرة..مرتبكة...تمر على وجوه المارة عسى أن يعطف عليها أحد دون أن تمد يدها بالسؤال، وخائفة من أن تدهسها سيارة أو توك توك فى هذا الشارع الضيق المزدحم من شوارع الفيوم، فلا يعرفون لها عنوانًا، بيدها كيس صغير متسخ اكتشفت فيما بعد أن به قطعة لحم بحجم قبضة اليد أعطاها لها الجزار إكرامًا لحالتها، عسى أن تتذوق اللحم بعد أشهر حرمان..إنها العجوز أوعاد حسين أبو سيف وتحكى: يا بنتى أنا عايشة من زمان قوى، خدى شوفى صورة بطاقتى اهى معايا هى وتليفون بنتى، عشان لو مت فى الشارع يمكن ولاد الحلال يتصلوا بيها ويحن قلبها وتيجى تستلمنى وتدفنى « وتخرج من صدرها محفظة متهالكة بها خمسة جنيهات ورق وصورة بطاقتها وورقة مقطوعة من علبة دواء عليها رقم تليفون ابنتها الوحيدة»، وتكمل: آه انا جعانة وتعبانة ومش قادرة أمشى، إلهى يستر طريقك، يمكن ربنا بعتك ليا نجدة، انا اتذليت يا بنتى ومش لاقية مكان انام فيه، بنتى الوحيدة ابوها الله يسامحه ويرحمه مات من 52 سنة، بس قبل ما يموت كتب لها البيت اللى حيلته، ماهو كان ارزقى على باب الله وقدر يعمل له حتة بيت صغير كده يدارينا، بس كتبه ليها قال عشان ما تتبهدلش، عشان ما عنديش ولاد تانى يسندوها. تتابع أوعاد حكايتها: اصلى الدنيا وعدتنى بالقسوة، و كل ما كنت اخلف واد، يموت قبل ما يكمل سنة، خلفت أربعة ولاد وماتوا وفضلت البنت، راح الراجل كاتبلها البيت، ماهو انا لو عندى ولد عايش كان سندنى «وتنهمر فى البكاء» وتكمل، بس البت الله يسامحها ماشية ورا كلام جوزها، وهى برضك غلبانة، عندها 8 عيال اربعة اتجوزوا والباقى لسه، هاتعمل ايه المسكينة وبرضك جوزها على باب الله، وانا مليش مكان فى الحتة اللى كانت بيتى، بانام على باب الاوضة، وباتذل كل يوم من اللى رايح واللى جاى من عيال بنتى، والله ما باعرف انام. باخد نفسى واروح انام شوية فى الجامع، ولا اخبط على اى ناس حبايبى زيك كده واقولهم نفسى أحط راسى على سرير وانام، والله يباركلهم..الخير لسه موجود، يدخلونى أى أوضة وأنام لى ساعتين بالنهار وبعدها أروح لبنتى، بس انا تعبت، نفسى فى أوضة.. أوضة واحدة وحد يساعدنى فى إيجارها عشان أنام براحتى واقفل بابى عليّ وماحدش يذلنى، أنا فاضلى إيه فى العمر غير اللقمة والهدمة والنومة لحد ما ربنا يفتكرنى. يا بنتى اللى زيى الزمن لا بيروح عليه ولا ييجى احنا غلابة، اهو من فترة كده قالوا فيه ثورة وماعرفش ايه، بس احنا هنا فى الحارة بصراحة ما حسيناش بحاجة، بس كان الولاد بيشوفوا التليفزيون وكانت الدنيا والعة بره هناك مش عارفة فين،.. انا جعانة دلوقتى، ونفسى اسلق حتة اللحمة دى واكلها، بس لو رحت بيها عند بنتى مش هتكفيهم وهيتخانقوا وينكدوا عليّ ، احسن اروح عند ناس طيبين كده واقولهم يسلقوهالى، انا من امبارح بالليل ما دقتش لقمة. وتختتم أوعاد سرد مأساتها: بصى انا عنوان بنتى اللى اعرفه هو مركز اطسا غرب – نوارة الفيوم شارع الوحدة وتليفونها اهو معايا اقريه «01025528474»، هو يعنى فيه حد ممكن يساعدنى..؟