كانت تقف امام كنزها الاخضر تهش عنه الاذى، وقد اعياها جلوس القرفصاء امامه ساعات وساعات من اجل حصاد جنيهات ضئيلة، حين تقترب سيدة من «القفص» بغية الشراء. ترسم هى على وجهها ابتسامة عسى ان تزين بضاعتها البسيطة، والايدى تقلب «حزم» الجرير والبقدونس وحبات الليمون، فالمنافسة بينها وبين اصحاب عربات الخضراوات المحيطة بها منافسة غير عادلة، وعليها ان تجمل بضاعتها ب«البشاشة»، ورغبت بشدة فى حوارها في معرفة سر هذه الابتسامة القانعة رغم صعوبة الرزق وقلة ذات اليد، وحين حادثتها، ادركت انها على سجيتها تماما لا تدرى حقيقة الواقع المحيط بها. -أحلام سيد فرحات محمد، انا ما عنديش رزق غير القفص ده اللى انتى شايفاه. -عندى 3 عيال بنتين وولد فى اولى ثانوى وتانية اعدادى والتالت فى ابتدائى. -ولادى دول غلابة، مالهمش غيرى انا و ربنا، انا أمهم وأبوهم من ساعة ما مات ابوهم من عشر سنين، كان راجل على باب الله وما سابش ولا حاجة لينا. -انا باخد معاش الايتام واحد وتسعين جنيه، وبحاول اعيش بيهم انا والولاد، بس الحياه غالية أوى، واجرة الاوضه اللى عايشين فيها مية جنيه، يعنى الواحد هيعمل ايه عشان يربى الولاد وما يخليهمش يسيبوا المدارس. -لأ.. تعليمهم ده على رقبتى، عشان انا اتحرمت من التعليم ومن حاجات كتير، نفسى ولادى يتعلموا، بنتى الكبيرة الحمد لله خدت الاعدادية بمجموع حلو والله، وهتكمل ان شاء الله، نفسى كده تاخد شهادة هى واخواتها تنفعها عشان ما تتبهدلش فى الدنيا، الشهادة برضه حلوة وستر. -والله انا ما عرفش حاجة عن الناس دى، اهو باسمع من بنتى شوية ومن هنا شوية، بس احنا تعبنا قوى فى شبرا ايام الثورة دى، كان فيه بلطجية ياما وضرب نار، وكنت خايفة على الولاد وبطلت ابيع الخضار وخدتهم فى حضنى، وربنا عداها على خير، بس فيه ناس اتقتلت وناس اتبهدلت. -لا والله مش عايزة ثورة تانى، الحال بقى وحش أقوى ويمكن الريس اللى جه ده يعمل حاجة للناس الغلابة اللى زينا انا مش عايزة اشغل ولادى، عايزة اعلمهم ويبقوا حلوين ومتنورين زى الولاد اللى باشوفهم فى الشارع ماشيين مع اهاليهم كده. -نفسى الريس يزورنا هنا فى جزيرة بدران، ويشوف حالى ويلحقنى من البهدلة، ويدينى كشك كده اقدر ابيع فيه بدل القفص ده، ونفسى ولاد الحلال يقفوا جنبى عشان احط فى الكشك حاجات ابيعها، ويساعدونى اعلم ولادى، دول لو سابوا التعليم اموت احسن، امال انا بعت عمرى ليه ومارضيتش ادخل عليهم راجل غريب ليه، عشان ما حدش يذلهم ولا يتحكم فيهم، كفاية انهم ايتام. - انا راضية باللى قسمهوللى ربنا بس زعلانة من صاحب الاوضة اللى ساكنة فيها هنا فى شبرا فى جزيرة بدران، عايز يطردنى ويرمينى انا والولاد فى الشارع، بيقول انه عايز الاوضة، وانا والله بادفعله الايجار على طول، بس عمرى ما خدت منه ايصالات، عشان العملية ثقة كده ومش واخدة خوانة، وباديله الايجار قدام شهود، بس هو بيقولى انه هيقول انه مش بياخد الايجار ويطردنى، طيب اروح فين واتبهدل بالولاد. -لا انا مش عايزة اعمل مشاكل، بس فيه شهود، وكمان ابو عبد الله شاهد، وهو هيتدخل وينصفنى، بس هو عامل عملية دلوقتى اول ما يروق هينصفنى ويقف جنبى، والله احنا غلابة واللى ييجى على الغلابة والايتام عمره ما يكسب. -لا ما تكتبيش تليفونى ولا عنوانى، خليهم معاكى انت، انت برضه ست زيى، عشان ولاد الحرام ما خلوش لولاد الحلال حاجة، و اللى يعمله ربنا يكون، واللى يعمل خير هيلاقيه قدامه فى كل حاجة، بس نفسى الريس ييجي يشوف حالنا فى الجزيرة.