إزاء المزايدات والتحديات التي يكابدها المجلس العسكري وهو يعتنق أقصي درجات ضبط النفس لم أجد في قاموسي أعمق ولا أبلغ ما أصف به قواتنا المسلحة الباسلة العتيدة مثلما وصفتها عبارات الرئيس السادات - رحمه الله - حينما امتدحها قائلاً «إن الواجب يقتضينا أن نسجل من هنا وباسم هذا الشعب وباسم هذه الأمة ثقتنا المطلقة في قواتنا المسلحة.. إن سجل هذه القوات كان باهراً ولكن أعداءنا الاستعمار القديم والاستعمار الجديد والصهيونية العالمية ركزت ضد هذا السجل تركيزاً مخيفاً لأنها أرادت أن تشكك الأمة في درعها وفي سيفها». أراني ومازلت أن الانتفاضات التي استشرت في ربوع الوطن العربي وأسقطت بعض أنظمته التي كانت أوهن من بيت العنكبوت تحمل في طياتها ظاهرة صحية نحو التغيير الحتمي والتحول الديمقراطي الذي طال عقوداً طويلة، بيد أن قراءة الغرب وعلي رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية القطب الأوحد تري في استقرار الوطن العربي سياسياً واقتصادياً انعكاساً لموازين القوي ضد إسرائيل وضرباً لمصالحها في الشرق الأوسط الذي تراه منطقة الخدمات والسوق الأكبر الجامع لرواج تجارتها وأخصها السلاح فوق التأكيد علي بسط هيمنتها علي منابع الذهب الأسود، فراهت علي تزكية هذه الانتفاضات بما يخدم مصالحها وهي تسعي حثيثاً لإثارة الفوضي والقلاقل وانكفاء هذه الشعوب علي شأنها الداخلي الممزق إلي شيع وفرق فأوقدت نار الفتنة الطائفية - إحدي أوراقها القميئة - وها هي لا تألو جهداً في استفزاز مشاعر رجالات القوات المسلحة الشرفاء للإيحاء بالوقيعة بينهم وبين الشعب بأيدي المأجورين من غير الثوار الحقيقيين وأحسب أن هذه المحاولات لن تنال من صلابة رجال القوات المسلحة أو تنطلي علي عقولهم الوضاءة فهي لا تعدو أكثر من نقيق الضفادع أو طنين الذباب فشاء القدر أن يكون هؤلاء الرجال من الحصافة والعقل بمكان والتزموا بالشرعية وتحلوا بشرف ميثاق المؤسسة العسكرية التي ينتسبون إليها فلا هم ناوءوا النظام وانشقوا عليه بانقلاب عسكري ربما كان الأقرب إلي أيديهم ولا هم ضربوا الثوار مثلما حدث في دول الجوار التي ابتلعت الطعم مبكراً وهضمته سريعاً وبات احتلال مقدراتها واقعاً فعلياً يعيد للأذهان خريطة سايكس بيكو وها هي غارقة في حروب أهلية قد يطول أمدها وحتي كتابة هذه السطور تبدو الصورة قاتمة مضطربة والفتن كقطع الليل البهيم، وهو ما يتطلب من المجلس العسكري مزيداً من الحسم في غير قمع وتفعيل سيادة القانون والأحكام زجراً وردعاً إلي أن يعلو صوت العقل وينكشف الغمام ونسعي جميعاً جاهدين - علي قلب رجل واحد - إلي وحدة الصف وجادة الصواب حتي تعبر أمتنا هذا المنعطف الذي يعصف بأمنه واستقراره.