تبدلت الأحوال وتغيرت الأنظمة وتناوبت الحكومات واحدة تلو الأخرى، وظلت معاناة الطلاب وذويهم من فكرة «حشو المنهج»، التى امتدت فى مراحل التعليم المختلفة من الأساسى للجامعى، دون حل جذرى. ومازالت صرخات الطلاب وأولياء أمورهم تتابع لتعكس واقعهم الأليم ومعاناتهم من تدهور المنظومة التعليمية، واعتمادها على أسلوب الحفظ والتلقين، والمناهج المكدسة بمعلومات ينساها الطلاب فور خروجهم من لجنة الامتحان. ثورة أمهات مصر حملت سيدات مصر لواء النضال ضد سياسات التعليم الفاشلة، وحشو المناهج الدراسية، والواجبات المدرسية كبيرة الحجم قليلة الجدوى التى أدمت عقول أبنائهن الصغيرة بعد فشلهم فى الحفظ والفهم معاً. ولم ييأسن من جهاد باء بالفشل خلال سنوات عجاف مضت، مع وزراء صموا آذانهم ونفذوا مخططات تعليمية فاشلة، دون نتيجة حقيقية اللهم إلا كلام لا يثمر فى عقول الأبناء شيئاً، فقررن استكمال قضيتهن هذه المرة من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، فدشنوا حملة تحمل اسم «ثورة أمهات مصر على المناهج التعليمية». وطالبت الحملة، التى بلغ عدد المعجبين بها أكثر من 13 ألف شخص، فى بيان لها ب9 مطالب للقضاء على معاناة أبنائهم من مناهج عقيمة وضغط نفسى ومادى يقع على عاتقها ولرفع عنهم ما أسموه بالعبث. وأبرز مطالبهم تلخصت فى تفعيل نظام «الميد تيرم» على أن يلغى ما ورد به ولا يعاد الامتحان به مرة أخرى، الاهتمام بالأنشطة المدرسية، وتفعيل دور المكتبة، وأن تكون الدراسة للمعرفة وليس الحفظ، وتعديل كثافة الفصول والاهتمام بالتربية الدينية واعتمادها على تدريس الأخلاق. وتسخر الحملة من عقم المناهج التى تؤدى إلى الإحباط والاكتئاب بحسب وصفهم بطريقة ساخرة، فضلاً عن استغاثات الأمهات فتقول إحداهم: «أرجو النظر إلى المناهج الدراسية التى أصبحت لا تتناسب مع تكنولوجيا العصر». «المناهج أكبر من سنهم» «المناهج أكبر من سنها بكتير»، هكذا ترى إيمان السيد، والدة طالبة فى الصف الثانى الإبتدائى، حال المناهج الدراسية التى تتلقاها ابنتها خلال اليوم الدراسى «كتر خيرهم إنهم بيستوعبوها»، وتضيف المشكلة فى أنهم الطلاب لا يستفيدون من المواد المقدمة إليهم. وتوضح أن هذه المناهج لا تهدف للمعرفة قدر اهتمامها بالحفظ والتلقين، وأهميته الوحيدة بالنسبة للطالب تتلخص فى اجتياز الامتحان، وبمجرد انتهاء الدراسة لا يتذكروا أى شىء منه وكأن لم يكن، وهذا تأكيد على أنها مناهج «حشو». طلاب: «مش بنفهم» ببساطة وبراءة الأطفال، يعبر حسام حمدى، الطالب فى الصف الخامس الابتدائى، عن رأيه فى المناهج الدراسية، قائلاً: «هبلة وحاجة سخيفة لأن أنا عندى 6 وحدات مفروض يبقى عندى 3 منهم فى الميد تيرم والباقى فى آخر التيرم». «فى حاجات كتير مش بفهمها وبحفظها بالعافية علشان أنجح فى الامتحان».. هكذا تحدث محمد هانى، طالب فى الصف السادس الابتدائى، مشيراً إلى أن أغلبية المواد التى يدرسها يجد صعوبة شديدة فى استيعابها، وكثيرًا ما يلجأ إلى والديه وإخوته الأكبر؛ لتسهيل المعلومات عليه وشرحها ببساطة حتى يتمكن من حفظها. ولعل أكثر المواد صعوبة لدى أسامة محمد، الطالب بالصف الثانى الاعدادى، هى مادة الدراسات، بسبب تعدد التواريخ والأماكن والأسماء التى يتعين عليه حفظها كافة. المناهج تحتاج لإعادة هيكلة التعليم يحتاج إعادة هيكلة، فالمناهج لم تتغير منذ ثلاثين عامًا، لاسيما بعد تفشى الجهل والأمية بين المتعلمين أنفسهم، نتيجة لبلطجة الطلاب وانتشار الغش بينهم، حسب أحمد أمين، معلم بمعهد البراجيل الإعدادى الثانوى. كثرة الواجبات المدرسية واحد من الأساليب الخاطئة للتعليم، وتؤثر بشكل سلبى على نمو الأعصاب لليد عند الطلاب صغار السن، كما يذكر صلاح طه، المعلم المثالى على مستوى الجمهورية، مؤكداً أنه إذا كان لابد من تغيير المناهج التى يغلب عليها «الحشو»، فلابد من التغيير بدءًا من مناهج رياض الأطفال. من المدرسة للجامعة.. «الحشو موصول» يظن البعض أن فكرة الحشو فى الكتب والمناهج الدراسية تقف عند مراحل التعليم الأساسية «ابتدائى، إعدادى وثانوى»، إلا أن تخطت هذا الحد ووصلت للجامعات المصرية، المفترض أن يبحث فيها الطالب ويُجمع مادته من خلال اطلاعه الموسع، لا أن تفرض عليه مقررات وكتب إجبارية. أكثر الكتب الممتلئة بالحشو دون داع هى الكتب الجامعية، وفقاً لهند يوسف، طالبة تجارة جامعة حلوان، مضيفةً أن الكتب الجامعية ليس لها قيمة بالنسبة لهم، والدليل على هذا أن أغلب الطلاب إن لم يكن جميعهم يعتمدون بشكل أساسى على ملازم المراكز الخارجية.