بعثة من المجموعة الإنمائية «SADC» تطلع على التجربة المصرية في التعليم الرقمي    قيادي بحزب العدل: تطوير القطاع السياحي يحقق رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030    استعدادات مكثفة بدمياط الجديدة لأداء شعائر عيد الأضحى    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري يوم السبت 15 يونيو 2024    تداول 12 ألف طن بضائع بموانئ السويس والبحر الأحمر    مياه المنيا تعلن استمرار خدمات شحن العدادات خلال عطلة عيد الأضحى    القسام تكشف تفاصيل كمين مركب أودى بقوة إسرائيلية غربي مدينة رفح    رغم الفشل الأوروبي.. المستشار الألماني: واثق من الترشح مجددًا    الرقصة الأخيرة.. ميسي يستعد بقوة لمسك الختام مع الارجنتين فى كوبا أمريكا    وفاة حاج عراقي علي جبل عرفات بأزمة قلبية    أردوغان: النصر سيكون للشعب الفلسطيني رغم همجية إسرائيل ومؤيديها    أخبار الأهلي : الأهلي يعقد جلسة حاسمة مع "العريس" ..تعرف على التفاصيل    «رياضة القليوبية» تفتح 120 مركز شباب لصلاة العيد أمام المواطنين    مساجد وساحات صلاة عيد الاضحى 2024 | صور    أبرزهم حسين فهمي ويسرا.. نجوم لم يتصدرو إيرادات شباك التذاكر طوال مشوارهم الفني    المركز الخامس.. عمرو دياب يتصدر تريند يوتيوب ب "العامة"    عيد الأضحى 2024.. «حازم حاسم جدا» يستقبل جمهوره على مسرح ليسيه الحرية بالإسكندرية    لمواليد برج الجوزاء.. توقعات الأبراج في الأسبوع الثالث من يونيو 2024    الدفاع المدنى الفلسطينى: قطاع غزة يشهد إبادة جماعية وقتلا متعمدا للأطفال والنساء    عاجل - مواقيت الصلاة في القاهرة.. موعد أذان المغرب يوم عرفة 2024    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن الأقصر    الكشف على 900 حالة خلال قافلة نفذتها الصحة بمركز الفشن ببنى سويف    موندو ديبورتيفو: نيوكاسل يخطط لضم ثنائي برشلونة    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج الترجمة التخصصية باللغة اليابانية بآداب القاهرة    افتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ والسكتة الدماغية الجديدة بمستشفيات جامعة عين شمس.. 25 يونيو    رئيس جامعة المنوفية يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بحلول عيد الأضحى    أخبار الأهلي : أول رد من الأهلي على تصريحات محمد شريف    عن عمر يناهز 26 عاما.. ناد إنجليزي يعلن وفاة حارس مرماه    سعر الذهب اليوم في مصر يواصل الارتفاع بمنتصف التعاملات    موعد صلاة عيد الأضحى المبارك في بورسعيد    مشاهد خاصة من عرفات.. دعوات وتلبية وفرحة على الوجوه (صور)    تعرف على المقصود برمي الجمرات.. والحكمة منها    بالصور.. مصيف بلطيم يتزين استعدادًا لعيد الأضحى    مؤتمر نصف الكرة الجنوبي يختتم فعالياته بإعلان أعضاء المجلس التنفيذي الجُدد    الصحة السعودية: لم نرصد أي حالات وبائية أو أمراض معدية بين الحجاج    نزلا للاستحمام فغرقا سويًا.. مأساة طالبين في "نيل الصف"    شروط تمويل المطاعم والكافيهات وعربات الطعام من البنك الأهلي.. اعرفها    تدعم إسرائيل والمثلية الجنسية.. تفاصيل حفل بلونديش بعد المطالبة بإلغائه    «تايمز 2024»: الجامعة المصرية اليابانية ال19 عالميًا في الطاقة النظيفة وال38 بتغير المناخ    حملات تموينية مكثفة بمراكز المنيا وتحرير 141 محضرا تموينيا    قبل انطلاق كوبا أمريكا.. رونالدينيو يهاجم لاعبي "السامبا"    بحجة ارتفاع أمواج البحر.. تفاصيل نقل الرصيف العائم من شاطئ غزة إلى ميناء أشدود الإسرائيلي    محمد رمضان يكشف عن أغنيته الجديدة "مفيش كده".. ويعلق: "يوم الوقفة"    مصادر أمنية إسرائيلية: إنهاء عملية رفح خلال أسبوعين.. والاحتفاظ بمحور فيلادلفيا    وفد "العمل" يشارك في الجلسة الختامية للمؤتمر الدولي بجنيف    محطة الدلتا الجديدة لمعالجة المياه تدخل موسوعة "جينيس" بأربعة أرقام قياسية (فيديو)    الاحتلال الإسرائيلي يعلن قصف مبنى عسكري لحزب الله جنوبي لبنان    كفرالشيخ: تحرير 7 محاضر لمخالفات خلال حملات تموينية على المخابز بقلين    سيولة مرورية بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    التضامن: تنظم سلسلة من الدورات التدريبية للاخصائيين الاجتماعيين والنفسيين حول الإسعاف النفسي الأولي    يوم عرفة 2024 .. فضل صيامه والأعمال المستحبة به (فيديو)    ننشر أماكن ساحات صلاة عيد الأضحى في السويس    حكم صيام أيام التشريق.. الإفتاء تحسم الجدل    ب«6 آلاف ساحة وفريق من الواعظات».. «الأوقاف» تكشف استعداداتها لصلاة عيد الأضحى    وزير النقل السعودي: 46 ألف موظف مهمتهم خدمة حجاج بيت الله الحرام    أستاذ ذكاء اصطناعي: الروبوتات أصبحت قادرة على محاكاة المشاعر والأحاسيس    بعد تدخل المحامي السويسري، فيفا ينصف الإسماعيلي في قضية المدافع الفلسطيني    دي لا فوينتي: الأمر يبدو أن من لا يفوز فهو فاشل.. وهذا هدفنا في يورو 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«فتنة الشر» تكشف استهانة الجماعة بالدم المصري
نشر في الوفد يوم 30 - 03 - 2016

كل الأنظمة تخشى الوثائق، ولم يكن غريباً أن يهتم بها كل حاكم يتولى شئون مصر، ولإيمانه بخطورتها خصص لها الحزب الوطنى المنحل مساحة كبيرة وورقة نقاشية فى مؤتمره السادس المنعقد فى عام 2009.
وفى عهد «مرسى» وضعت جماعة الاخوان نصب أعينها كل الوثائق التى تخص جميع قياداتها وأعضائها منذ نشأتها وحتى حكم مبارك.
ونجح خيرت الشاطر النائب الأول لمرشد الاخوان فى أن يقيم مكتبة خاصة تحمل اسم مكتبة الإخوان فى الدور الخامس بمبنى دار الكتب المطل على كورنيش النيل برملة بولاق، وأصدر أوامره لوزير الثقافة آنذاك علاء عبدالعزيز بأن تضم كل صغيرة وكبيرة عن تاريخ الجماعة والكتب والوثائق المرتبطة بها.
وكان الهدف من تلك الخطوة سيطرة الجماعة على هذه الوثائق تمهيداً للتخلص من كل ما يسىء فيها إلى الجماعة وتاريخها، وبالفعل قام الشاطر بفرم العشرات من هذه الكتب والوثائق ونفذ مع سبق الإصرار والعمد مذبحة الوثائق التاريخية.
ومن أهم هذه الكتب كتاب «هؤلاء هم الإخوان» الذى يكشف فيه نخبة من أبرز كتاب مصر فى تلك الحقبة دموية الجماعة.
وفى هذا الكتاب كتب عميد الأدب العربى طه حسين مقالتين: الأولى بعنوان «رخص الحياة» والثانية بعنوان «فتنة» ذكر فيهما مدى استهانة الجماعة بالدم المصرى ومدى رخصه رغم أن الله حرَّمه تحريمًا شديدًا، بل جعل الله عزَّ وجلَّ هدم الكعبة أهون عنده من إراقة الدماء، وتحدث فى «فتنة» عن تفشى ظاهرة الشر المستطير الذى ذاع وانتشر، رغم أن الجيش المصرى قام بثورته فى الثالث والعشرين من يوليو من عام 1952 و لم يرد البطش بالملك الذى خرج موقَّرًا كريمًا مع أن الجيش كان قادرًا على البطش به لكنه فضَّل أن تكون ثورة بيضاء...
واستهل طه حسين مقاله قائلا:
لم تهن حياة الناس على الناس كما تهون عليهم فى هذه الأيام، فقديمًا عرف الناس الحرب وأجروا دماءهم غزارًا فى سبيل الحق حينًا وفى سبيل الباطل أحيانًا، وقديمًا عرف الناس المكر والكيد كما عرفوا البغى والعدوان، وقتل بعضهم بعضًا جهرًا مرة وغيلة مرارًا. ولكنهم كانوا يقدمون على ما كانوا يقدمون عليه من ذلك فى كثير من التحرج قبل أن يقدموا، وفى كثير من الندم والروع بعد أن يتموا ما أقدموا عليه.
كانت الحياة الإنسانية شيئًا له خطره؛ فقدستها الديانات وعرفت حرمتها القوانين ورعتها الأخلاق وعظَّم أمرها المعتدون عليها أنفسهم، فكانوا يرون أنهم حين يجترئون عليها إنما يقترفون إثما عظيمًا.. لأنه من الآثام التى لا سبيل إلى تداركها.
فقد أتيح للإنسان أن يصلح كثيرًا من خطئه ويتدارك كثيرًا من ذنوبه ويمحو بالإحسان آثار الإساءة، ولكن شيئًا واحدًا لم يتح له وهو أن يرد الحياة إلى من حرم الحياة، فكان القتل خطأ أو عمدًا من الشر العظيم الذى يروع الإنسان ويملأ قلبه ذعرًا وروعًا وندمًا وإنكارًا.
وكان الناس يتحدثون فيكثرون الحديث عن المجرمين الذين يستحبون القتل ولا يحسون عليه بعد اقترافه ندمًا ولا يحسون منه قبل اقترافه رهبة أو خوفًا.
كانوا يرونهم شذاذًا قد أفلتوا من قوانين الطبيعة الإنسانية التى تكبر الحياة الإنسانية، وتعظم الاعتداء عليها عن عمد أو خطأ، وربما دفع بعض الناس إلى شىء من الإمعان فى إكبار الحياة حتى تجاوزوا بها حياة الإنسان إلى حياة الحيوان نفسه، يرون أن الحياة جذوة مقدسة لا يجرؤ على إطفائها إلاَّ الذين برئوا من شعور الرفق والرحمة والبر والحنان، فحرموا على أنفسهم أشياء استباحها غيرهم من الناس، يحرمون ذلك على أنفسهم دهرهم كله أو يحرمون ذلك على أنفسهم وقتًا معلومًا بين حين وحين.
ويتابع طه حسين: ولأمر ما أمعن أبو العلاء فيما أمعن من الزهد حتى أنفق أكثر حياته لا يطعم إلا ما تنبت الأرض. ولأمر ما رأى قتل الحيوان جبنًا، ورأى فيه دليلًا على ضعة النفس التى تدفع إلى الاستعلاء على الضعيف والبغى على ما لا يملك أن يدفع عن نفسه البغى والعدوان. وقد تحدث الذين ترجموا له أنه مرض مرة وألح عليه المرض حتى اضطره إلى ضعف شديد فوصف الطبيب له أكل الدجاج، وامتنع هو على الطبيب وعلى الذين كانوا يمرِّضونه. فلما اشتد عليه إلحاحهم أذعن لما أريد عليه وقدمت إليه دجاجة فلم يكد يمسها حتى أخذته رعدة شديدة، فانصرف عنها وهو يقول لها:
استضعفوكِ فوصفوكِ
هلاَّ وصفوا شِبْلَ الأسد؟!
يريد أن الدجاجة لا تستطيع أن تمتنع على من يريدها. فالناس يطمعون فيها ويصفونها للمرضى على حين يمنع الأسد شبله؛ فلا يطمع فيه طامع ولا يصفه طبيب لمريض؛ ولأمر ما قال أبو العلاء فيما قال هذا الشعر الرائع فى تحريم الحيوان على الإنسان، فعرض نفسه لشر عظيم من غضب السلطان.
وتقديس الحياة الإنسانية هو الذى دعا الناس إلى إكبار الموت وما بعد الموت، وهو الذى دعا الناس إلى إعظام حرمة الجنائز مهما تكن. وقد روى أن جنازة مرت بالنبى صلى الله عليه وسلم وهو جالس فى أصحابه فقام لها وقام أصحابه لقيامه ثم قيل له إنها جنازة يهودى، فقال: أليست نفسًا.
وتقديس الحياة كذلك هو الذى دفع إلى ما شاع فى هذا العصر الحديث من إنكار عقوبة الإعدام مهما تكن جريمة من يقضى عليه بهذه العقوبة. ويرى أصحاب هذا الرأى أن الحياة أعظم خطرًا وأكبر حرمة من أن يستبيح الإنسان لنفسه سلبها، ويرون أن الحياة شىء لا يستطيع الإنسان أن يمنحه فلا ينبغى له أن يسلبه.. وإنما يسلب الحياة من منح الحياة.
ويواصل عميد الأدب العربى: كذلك أمعن الناس فى تقديس الحياة وفى إنكار البطش بها والاعتداء عليها. وما زال أمر الله قائمًا بتحريم الحياة إلاَّ بحقها، وما زالت القوانين تحرم الاعتداء على الحياة وتعاقب عليه أشد العقوبة وأصرمها. ولكن الدين والقوانين شىء وما دفع الناس إليه فى حياتهم الحديثة شىء آخر. وليس من شك فى أن الناس لم يعرفوا قط عصرًا هانت فيه حياة الناس كهذا العصر الذى نعيش فيه.
ويمضى قائلا: كل هذا لأن مصر لا تحب العنف ولا تألفه، ولأن نفوس أهلها نقية نقاء جوها، صافية صفاء سمائها، مشرقة إشراق شمسها، تسعى فى طريقها مطمئنة كما يسعى نيلها مطمئنا ناشرًا للخصب والنعيم من حوله. تضطرب فيها الضغائن والأحقاد بين حين وحين، ولكنها لا تلبث أن تثوب إلى العافية كما تثور فيها الرياح فتملأ الجو غبارًا ثم لا تلبث أن تعود إلى الهدوء الهادئ المطمئن.
كذلك عرفنا مصر فى عصورها المختلفة، وكذلك رأيناها حين ثار جيشها منذ عامين فأخرج الطاغية، ولكنه أخرجه موفورًا يحيا كما يحب أن يحيا مكفوف الأذى عن مصر، لم يؤذ فى نفسه قليلًا ولا كثيرًا.
ويتساءل طه حسين: ما هذه الأسلحة وما هذه الذخيرة التى تدَّخر فى بيوت الأحياء وفى قبور الموتى؟ ما هذا المكر الذى يمكن، وما هذه الخطط التى تدبر، وما هذا الكيد الذى يكاد؟ لم كل هذا الشر، ولم كل هذا النكر، ولم رَخُصت حياة المصريين على المصريين، كما رَخُصت حياة الجزائريين والمراكشيين والتونسيين على الفرنسيين وكما رَخُصت حياة الأفريقيين والآسيويين على الإنجليز؟
يقال إن حياة المصريين إنما رخصت على المصريين بأمر الإسلام الذى لم يحرم شيئًا كما حرم القتل، ولم يأمر بشىء كما أمر بالتعاون على البر والتقوى، ولم ينه عن شىء كما نهى عن التعاون على الأثم والعدوان، ولم يرغِّب فى شىء كما رغَّب فى العدل والإحسان والبر، ولم ينفر من شىء كما نفر من الفحشاء والمنكر والبغى.
وكتب طه حسين مقاله الثانى الأشد وطاة على الإخوان بعنوان «فتنة» وهو المقال الذى قال فيه عميد الأدب العربى «كانت مصر أكرم على الله من أن يرد ابتهاجها إلى ابتئاس، وسرورها إلى حزن، ومن أن يحيل أعيادها البيض إلى أيام حداد سود، ومن أن يجزى الخير بالشر والإحسان بالإساءة والمعروف بالمنكر؛ ومن أن يكافئ الوفاء بالغدر؛ والإخلاص بالخيانة كما ينظر إليها الآن. فهى على بعد عهدها بالتاريخ وارتفاع قدرها فيه وضخامة حظها من المجد فى العصور البعيدة حين كانت الإنسانية فى أول الشباب، وفى القرون الوسطى حين كانت البلاد الإسلامية تتعرض للمحن والخطوب. هى على هذا كله دولة ناشئة فى هذه الحياة الجديدة التى تحياها الإنسانية.
لم يفكر أولئك المحمقون – فى إشارة الى الاخوان- فى عاقبة ما حاولوا من الأمر لو تم لهم ما دبروا أو أُتيح لهم ما أرادوا، ولم يقدروا أنه الهول كل الهول والكارثة التى يعرفون أولها ولا يعرف أحد لها آخرا.
ويستطرد: كان رئيس الوزراء - جمال عبد الناصر - مؤمنًا بوطنه حين ثبت لهذا الكيد، وحين قال ما قال بعد أن صرف الله عنه الشر بتلك اللحظات القصار، فرد الأمل إلى الذين كانوا من حوله، وأشاع الثقة فى الذين كانوا بعيدين عنه، وأشعر مصر بأنها أقوى من عبث الجهال وحمق المحمقين.
وإنى لأفكر فى الأعقاب التى كان يمكن أن تلم بهذا الوطن لو تم للمجرمين ما دبروا فلا أكاد أثبت للتفكير فيها، فقد كان أيسر هذه الأعقاب الحرب الداخلية بين المواطنين، كان أيسر هذه الأعقاب أن يثأر الكرام من المصريين لفتى مصر، وأن يصبح بأس المصريين بينهم شديدًا، وأن يسفك بعضهم دماء بعض، وأن ينتهك بعضهم حرمات بعض، وأن يعلق النظام والقانون والأمن فترة لم يكن أحد يدرى أكانت جديرة أن تقصر أم كانت جديرة أن تطول، وأن يضيع هذا الاستقلال الذى ذاقت مصر فى سبيله مرارة الجهاد الشاق الثقيل الطويل، وأن يفرض الأجنبى النظام والأمن على الوطن فرضًا، وأن ترجع مصر أدراجها وتعود كما كانت منذ حين وطنًا ذليلًا يدبر أمره غير أبنائه من الأجانب؛ لأنه لم يحسن أن يحتمل الاستقلال والحرية أيامًا معدودات، ولأن بعض أبنائه ساق الموت إلى من ساق إليهم الحياة.
ويعود متسائلا: أهذا هو الذى كان يريده أولئك المجرمون؟! أم هم لم يريدوا شيئًا، ولم يفكروا فى شىء، وإنما أهمتهم أنفسهم وملكتهم شهواتهم ودفعتهم شياطينهم إلى الشر فى غير تدبير ولا تقدير.
رائع من رئيس الوزراء أن يظهر ما أظهره من القوة والجلد وحسن الاحتمال وحسن الثبات للهول وحسن الظن بالمواطنين والثقة بهم وحسن الرأى فيهم، وأن يرى أن كل واحد من المواطنين خليق أن يحمل العبء بعده كما حمله وأن ينهض بالواجب كما نهض به وأن يحرص على الكرامة كما حرص عليها.
كل هذا رائع وأشد من هذا كله روعة أن يصدر عن رجل فى اللحظة التى سيق فيها إلى الموت، وكان جديرًا أن يبلغه لولا أن صرفه الله الذى يمسك بيده الآجال فيطيلها إن أراد ويقصرها إن أراد، ورائع أن يسمع المواطنون من رئيس الوزراء هذا القول فيقبلوه ويرددوه ويملأوا به أفواههم وقلوبهم، ولكن المواطنين يخطئون أشد الخطأ وأثقله وأشده نكرًا أن رضوا بذلك واطمأنت إليه قلوبهم وقنعت به ضمائرهم وظنوا أنهم قد نهضوا بحق وطنهم عليهم، لأنهم قبلوا ما قاله لهم رئيس الوزراء، وملأوا به الهواء صياحًا وهتافًا، وإنما الحق الأول عليهم، الحق الذى لا ينبغى أن يقصروا فيه لحظة ولا أن تشغلهم عنه الشواغل مهما تكن هو أن يشعروا قلوبهم وضمائرهم بأنهم قد مروا بلحظة من لحظات تاريخهم أو مرت بهم لحظة كانوا فيها عبيدًا أذلاء قبل أن يستمرئوا طعم الحرية التى تساق إليهم، وأن عليهم أن يحتاطوا لأنفسهم وأن يتدبروا أمرهم خيرًا مما احتاطوا وخيرًا مما دبروا إلى الآن.
عليهم أن يُطهروا قلوبهم من الحقد والضغينة والموجدة وأن ينسوا منافعهم القريبة الصغيرة ويذكروا منافع وطنهم الخطيرة البعيدة وأن ينظروا إلى الحياة على أنها جد لا لعب، وإلى الواجب الوطنى على أنه عمل لا قول، وأن يستقبلوا الاستقلال على أنه مولد جديد لوطنهم يخرجهم من ذلة إلى عزة ومن هوان إلى كرامة ومن ظلمة إلى نور.
ويختتم طه حسين مقاله بنصيحة للإخوان قائلا: عليهم أن يحيوا منذ الآن حياة صحيحة خيرًا من حياتهم تلك التى كانوا يحيونها، وإن كانت أشد الأشياء شبها بالموت؛ لأن أمورهم فيها لم تكن إليهم دائمًا، كانت إلى غيرهم يدبرونها لهم كما يدبرون هم حياة ما يملكون من الأدوات والأنعام.
وهذا كله يفرض عليهم أن يتعاونوا على الخير والبر والمعروف وأن ينفوا الخبث عن وطنهم وأن ينزهوا أسماعهم عما يلقى إليها من مقالات السوء، وأن يطهروا قلوبهم مما يلقى فيها من كيد الشياطين وأن يُصفَّوا نفوسهم من كدر الذلة والخضوع والنفاق.
غداً.. محمد التابعي:
الإخوان خانوا عبدالناصر وتاجروا فى أسلحة مقاومة الإنجليز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.