"محاولة العزف على وتر الأجر والثواب لزيادة الدخل اللا مشروع، متعللين بالذرائع المتعددة أولها الحاجة وآخرها الحرمان".. تأتي فلسفة المتسولين الاقتصادية، تحت شعار: "لله يا محسنين لله"، فمن مننا لم يعترض طريقه أحد من المتسولين ليرق جيبه قبل قلبه، ويتعاطف معهم بالأموال، ليساعد بدون قصد على انتشار المهنة . تساؤلات كثيرة تدور ببال الجميع حول هذا العالم المظلم الملئ بالغموض، الذي لا يعلم أحد مدى صحة كلام هؤلاء المتسولين هل هم جانيون؟ أم مجني عليهم من قبل المجتمع المصري؟ هل هؤلاء يحتاجون حقًا لتلك الأموال التي يجمعونها في لمح البصر أم انهم مجموعة من العصابات الذين اتخذوا من الكذب والخديعة باب للحصول على العديد من الأموال وبأقل مجهود واقصر وقت؟. تقمص محررو "بوابة الوفد" شخصية متسول داخل عربات المترو وبشوارع القاهرة، ففي بداية المغامرة كنا نعتقد أن الأمر سهل ولكن هناك بعض الأمور التي يجب أن تتبعها عندما تتقمص دور المتسول أولها أن ترمي عزة نفسك على جانب من الطريق وأن تحني رأسك لهذا وذاك، وأن تخلع ثيابك النظيفة وترتدي أخرى مهلهلة . "ملابس رثة ونقاب للتخفي وعدد من المناديل".. كانت أدواتنا لاختراق عالم التسول، فكانت البداية في عربات مترو الخط الأول عندما قمنا بارتداء ملابس مهلهلة رديئة الشكل ونقاب ليخفي ملامح الوجه، حاملين حقيبة بها "مناديل"، ومرددين العبارات "مناديل .. مش طالبة إلا حق كيس مناديل يعينى" ليتعاطف معنا العديد من الركاب ونحظى بنظرات شزرة من الباعة المتواجدين. ومن عربة لأخرى وسط سيطرة الخوف والرعب على قلوبنا، ونظرات الركاب التي تحمل العديد من الكلام والتساؤلات التي تعبر عن مدى تعاطفهم معنا وآخرون تتحدث عينهم وتقول "أنتم نصابين وكدابين"، ولكن دون مضايقات تذكر من أي باعة والمتواجدين، لننهى من جولة مترو الأنفاق ونحن على دراية تامة بحقيقة الأمر وخطورته، لنقرر التوجه إلى أماكن أخرى للجواب عن الأسئلة المطروح حول هذا العالم الملئ بالغموض. وبدأت جولة أخرى على كوبري قصر النيل أو كما يقال "كوبري العشاق" حيث يصطف العديد من العشاق بأرجاء المنطقة، كل شاب يقف مع فتاة ويتحدث معها برومانسية الكلمة واللمسة المخطوفة، ثم اقتربنا منهم واستخدمنا بعض الأدعية لإرضائهم وجذب تعافهم معنا منها: "ربنا يخليهالك يارب تتجوزها يا ربنا محرمكش منها"، ليضع الشاب يده في جيبه ويخرج امواله مقابل الدعاء لمحبوبته التي تقف بجانبه وعينها مليئة بالسعادة والفرح لأن "حبيبيها روميو" يدفع أموالًا كثيرًا من أجل دعوة لهم ببيت يجمعهم ليثبت حبه الشديد لها، فضلا عن الخلاص من مصدر الإزعاج التى سببته محررة الوفد المتنكرة . واجهنا عدة كوارث تكشف معاناة المتسولين، فكانت الأولى مع المحررة عندما حاول بعض الشباب التحرش الجنسي بها وسط إلقاء الألفاظ البذيئة إلا أننا سرعان ما أنقذناها من محاولة انتهاك حرمة امرأة محتاجة. وسطرت المعايشة مشاهد أخرى كان أهمها نظرات المتسولين لنا، متسائلين: "من هؤلاء ومن تلك الفتاة المنقبة وكأنهم يعرفون بعضهم البعض حتى من وراء النقاب الذي يخفي ملامح وجه الإنسان؟". وفي محاولة أخرى لكشف غموض ذلك العالم، حاولنا التسول بطريقة أخرى، حيث طلبنا من المواطنين بعض الأموال بحجة الاغتراب وأن نقودنا افتقدناها، ونريد العودة إلى بلادنا، ولقينا تعاطف العديد من المواطنين . ولكن الأمر الغريب، أن إحدى الفتيات طلبت من المحرر أن يذهب معها إلى شقتها لتعطيه النقود، ثم امسكت بيده، وعندما رفض تعالى صوتها بألفاظ بذيئة. وتجمع المحررون مرة أخرى أمام إحدي محطات المترو لبيع المناديل التي جذبت تعاطف العديد من المارة تجاهنا منهم من كان مصريًا ومنهم ومن كان يحمل جنسيات أخرى كما يبدو على ملامحهم إلا أن الغريب في الأمر أننا قمنا بجمع مبلغ من المال وصل إلى 136 جنيهًا في أقل من ساعتين وبأقل مجهود مبذل. وأثناء عودتنا إلى مكان العمل وقف أمامنا رجل طويل القامة ضخم أو كما يقال عليهم "بودي جارد" ممسكا بيد المحرر بقوة، ثم تعدى بالضرب على المحرر، قائلًا: "المنطقة دي بتاعتي واللي هيقرب منها هدفنه فيها" وكأن لكل مكان صاحبه، والغريب في الأمر أن هذا الرجل يبدو علي ملابسه رغد العيش، وليس من المتسولين، وبمحاولة تبين الأمر عرفنا أن اسمه "محمود" وشهرته "بنى" الراجعة لسمار بشرته، وكونه يسرح النساء للتسول مقابل نسبة للحماية . وتتنهي المعايشة لتسطر لنا العديد من الحقائق وراء تلك العالم السري وأن هؤلاء المتسولين ليسوا سوى عبارة عن مجموعة من العصابات التي تستخدم النساء والاطفال وكبار السن في التسول للحصول على العديد من الأموال وبأقل مجهود وبأقصر وقت، لتسطيع فئة واسعة أن تكون من ذوي الأملاك في فترة وجيزة. شاهد الفيديو: