فخامة الرئيس ...شكرا    وزارة الري المصرية: نمط تشغيل سد النهضة يؤكد غياب خطة علمية لإدارته    رسوم الطيران قد ترفع أسعار التذاكر وتضر بالمسافرين.. النقل العالمي تطلق تحذيرات صادمة    اجتماع تنسيقي بين شركة مياه القليوبية والجهاز التنفيذي لمتابعة سير المشروعات    سليمان قناوى يكتب : الاستفراد بغزة    المتحدثة باسم اليونيفيل: الهجمات الإسرائيلية داخل لبنان "غير مقبولة" أمميا    ماكرون يعلن عقد اجتماع عاجل للدول الداعمة لأوكرانيا الثلاثاء المقبل    حزب الجيل: فضيحة السويد تؤكد جرائم الإخوان الإرهابية بعملية احتيال واسعة النطاق    الأهلي يتصدر مجموعته بعد الفوز على شبيبة القبائل    التعادل يحسم مواجهة المصريين في الدوري الإماراتي بين العين والجزيرة    خطة شيطانية تنتهي بجريمة قتل.. والمحكمة تُعاقب الجناة بالمشدد 15 عاماً    مصرع وإصابه 4 أشخاص في حادث تصادم بالمنوفية    ضبط صاحب محطة استولى على 2.2 مليون لتر سولار و100 ألف لتر بنزين بالأقصر    ابنة سامح عبد العزيز تحكي كواليس فيلمها "وجع الفراق"    مفاجأة داخل الكواليس.. صناع "كلهم بيحبوا مودي" يحتفلون بعيد ميلاد آيتن عامر    المتحدثة باسم اليونيفيل: الهجمات الإسرائيلية داخل لبنان غير مقبولة أمميا    وزارة الصحة تحسم الجدل بشأن انتشار فيروس جديد يصيب تلاميذ المدارس    لماذا يعد فيتامين « د » أساسًا لصحة الجسم؟    بعبارات فكاهية.. مراد مكرم يداعب متابعيه بمقطع فيديو من جريمة قتل «ورد وشوكولاتة»    ممثل "اليونيسف": نواصل خدمة الأطفال في الفاشر رغم الكارثة الإنسانية    في ذكري افتتاحه.. معلومات مهمة عن متحف النوبة    مرموش بديلا في تشكيل مانشستر سيتي لمواجهة نيوكاسل بالبريميرليج    الشباب والرياضة تُطلق أضخم مشروع لاكتشاف ورعاية المواهب الكروية بدمياط    جهود صندوق مكافحة وعلاج الإدمان في مواجهة المخدرات وحماية الشباب خلال أسبوع    شلل مرورى بالطريق السياحى اتجاه المنيب والمعادى وتوقف تام لحركة السيارات.. صور    يقود اليوم الأوركسترا الملكي الفيلهارمونى احتفاءً بموسيقار الأجيال فى لندن..    نسرين العسال تكتب: أصوات من السماء تصنع ترند من "دولة التلاوة"    30 ديسمبر.. الحكم على 9 متهمين فى خلية شبكة العملة    أهالى القفايطة بنصر النوبة يشكرون الرئيس السيسى بعد تحقيق حلم تركيب الكهرباء والمياه    إعلان قمة العشرين يتجنب ذكر روسيا صراحة لكن يلمح إلى حرب أوكرانيا    الزراعة: زيادة إنتاج مصر من اللحوم الحمراء ل600 ألف طن بنهاية 2025    مفتي الجمهورية: خدمة الحاج عبادة وتنافسا في الخير    القاهرة الإخبارية: الجالية المصرية في لبنان حريصة على التصويت بانتخابات النواب    مصر تبحث مع نيجيريا تعزيز التعاون فى مجالات الزراعة والدواء والطاقة والإنشاءات    الرعاية الصحية: أعظم الطرق لحماية الصحة ليس الدواء لكن طريقة استخدامه    الهلال بالقوة الضاربة أمام الفتح بالدوري السعودي    غنيم: خطة الصناعة لتحديد 28 فرصة استثمارية خطوة استراتيجية لتعزيز التصنيع المحلي    الولايات المتحدة تسجل أول وفاة لمصاب بسلالة جديدة من إنفلونزا الطيور    معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف نحو مستقبل مستدام    حبس المتهمين بالاعتداء على أطفال المدرسة الدولية بالسلام 4 أيام على ذمة التحقيقات    "رويترز" عن مسؤول أوكراني: أوكرانيا ستبدأ مشاورات مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين بشأن إنهاء الحرب    وزيرة التخطيط تشهد الحفل الختامي لجوائز مصر لريادة الأعمال    لاعب الاتحاد السكندري: طموحاتي اللعب للثلاثي الكبار.. وأتمنى استمرار عبد الرؤوف مع الزمالك    لحجاج الجمعيات الأهلية .. أسعار برامج الحج لموسم 1447ه – 2026 لكل المستويات    بث مباشر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل في دوري أبطال إفريقيا 2025.. مشاهدة دقيقة-بدقيقة والقنوات الناقلة وموعد اللقاء    سفير مصر بنيوزيلندا: ثاني أيام التصويت شهد حضور أسر كاملة للإدلاء بأصواتها ما جعله أكثر كثافة وحيوية    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    موعد مباراة بايرن ميونخ ضد فرايبورج في الدوري الألماني والقنوات الناقلة    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة قنا    انتخابات مجلس النواب بالخارج، التنسيقية ترصد انطلاق التصويت في 18 دولة باليوم الثاني    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التسول..
أساليب مبتكرة منها الفن وأحيانا
نشر في آخر ساعة يوم 29 - 05 - 2013


النقر على الزجاج حرفة!
الفرق بين أحمد زكي والمتسول الذكي أن الأول مارس التسول في السينما والثاني امتهن التمثيل في الواقع، بينما يجمع بين الشخصيتين موهبة كبيرة تجعل الناس تصدق كليهما، فتصفق للنجم وتعطف علي الشحاذ.
وأنصح الذين ينظرون إلي المتسول بحقد، و"يبصون له في اللقمة" أن يراعوا ضمائرهم، ويفهمون أن "الشغلانة" تحتاج إلي مجهود ضخم، وأنها ليست مجرد مد كف يلقي فيه أصحاب القلوب الرحيمة جنيهات تحقق لصاحبها الثراء السريع في وقت ضيق.
وطريقة "»الشحاتة« تختلف من مكان لآخر، فالمتسول في ميدان روكسي هو شخص نظيف ومهندم، تخرج الكلمات من فمه هادئة ومرتبة وخالية من الإلحاح، علي عكس متسول السيدة زينب الذي يزعق بصوت جهوري يزلزل من يسمعه ويزحف خلفك ويعترض طريقك، فضلا عن ملابسه المتسخة ووجود عاهة علي الأقل في جسده تقنع البسطاء بأهمية مساعدته.
عقلية المتسول أيضا تتفاوت من محترف و "فاهم الفولة" إلي هاو صغير يبذل الكثير من الجهد ويحصل علي القليل من المال.
أغرب حالة تسول شاهدتها كانت في قطار الصعيد، واستطاع صاحبها أن يحصل من كل راكب علي مبلغ من المال، ولم يترك مسافرا واحدا دون أن يأخذ منه، ولم يستطع (حتي) البخلاء منهم منع أنفسهم من المنح.
كان صاحبنا المتسول سمينا بشكل لافت، وقد وضع علي شعر رأسه كمية هائلة من التراب والرماد، ودهن وجهه بما يشبه الزفت، وعفّر ملابسه برائحة كريهة نفاذة، وتحت تهديد القذارة، كان يقترب من كل راكب وهو يميل عليه بوجهه ليمنحه قبلة!، وحتي نتجنب غرامه لم يكن أمامنا إلا الإسراع بوضع أيدينا في جيوبنا لنعطيه حتي نتخلص منه!
نفس القطار الذي كان يحمل متسولا تفوح منه العفونة، كانت تسير فيه – بين المقاعد- صبية جميلة تعطر ملابسها البسيطة وتسدد إلي عيون الرجال نظرة قاتلة، تضع كفها البض بدلال علي مناكب الشباب وكبار السن الذين تتهدل شواربهم من رؤية وجهها الصبوح، تقرّب شفتيها الورديتين الصغيرتين وتهمس في الأذن: لله.. فتخرج تنهيدة حارة من صاحب الإحسان ويعطيها القليل من المال تقديرا لجمالها الآخاذ!
وإذا كنت ممن يستقلون مترو الأنفاق يوميا وخاصة خط حلوان – المرج، فإنك ستشاهد نفس وجوه المتسولين، يضاف إليهم بعد مدة وجه آخر تألفه من كثرة التعود. تحتل المنقبات العدد الأكبر من جملة الشحاذين، يوزعن أوراقا صغيرة علي الركاب، يعرضن فيها حالاتهن بالتفصيل، نوع مرض الزوج أو الابن، ومصاريف العلاج، وثمن أجرة الشقة، الصمت هو سيد الموقف، العيون التي تظهر علي استحياء من نافذة النقاب تثير الفضول، بينما يصبح الإحساس هو الحكم علي صدق أو كذب المتسولة.
أما الطرق الكلاسيكية في الشحاذة فلازالت تؤتي أكلها وتجد من ينصفها ويقدرها، فالاستجداء وعرض المشكلة بصوت مرتفع مع استمرار البكاء والنحيب، والقسم بأغلظ الأيمان علي كل عبارة تخرج من الفم، وسح الدموع، كل هذه الأمور ما زالت تجد طريقها بسهولة إلي قلوب من يمصمصون شفاههم ويقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله يارب، ويستخرجون ما في جيوبهم.
الملاحظ أن أصحاب هذه الطريقة من التسول يختارون وجوها بعينها للتأثير عليها، وفي الغالب يصطفون البنات الصغيرات في السن، فيقفوا أمامهن ويستجدون عطفهن وفي النهاية لا يخيب ظنهم.
أصحاب العيون الكفيفة لا يحتاجون إلي مجهود كبير في عملهم ليحققوا غايتهم، فقط مجرد كلمات تراثية مثل " عاجز نظر ياخوانا"، وإذا كان البعض يصر علي الظهور بنفس الشكل القديم باصطحاب طفل أو امرأة ليقوده، فالتطور جعل الكثير منهم لا يحتاج إلي هذا الأمر، بعد أن وجدوا في التخلي عن المساعد فرصة لإدرار مزيد من الشفقة وهم يتخبطون في المقاعد. تزخر مهنة التسول بعمالقة هذا الفن من الرجال، إلا أن مزاحمة المرأة في الفترة الأخيرة حققت نجاحا لا يمكن أن ننكره. عربات السيدات تمتلئ بالأمثلة، والمرأة تفهم المرأة وتزيد في أنها تفهم أيضا طبيعة الرجل، وتستخدم في التسول وسيلتين أولاهما علب المناديل والحلوي الرخيصة وتفرقهما علي الجالسين، وتعود لتلملمهما من جديد وهي تجمع الحصيلة، وثانيتهما وجود طفل علي كتفها لا يبالي ما تفعله حاملته إلا أنه يؤدي الدور المطلوب في إقناع الموجودين بأنه في حاجة إلي رعاية صحية وغذائية وأنه مجرد عينة من صغار يجلسون في البيت في انتظار عودة الأم بالطعام!
وقبل أن نترك الصغار لابد أن نشيد بمواهبهم وتفوقهم في مهنة تحتاج من حين لآخر لابتكارات جديدة، فالصغير الذي تراه يستذكر دروسه بتركيز بجوار بضاعته من علب المناديل، لا يقل في مستوي الأداء عن طفلة تحمل حقيبتها المدرسية خلف ظهرها وهي توزع الحلوي، بينما الأشقياء الذين يتقافزون في إشارات المرور ليمسحوا الزجاج يعرضون أنفسهم للعديد من الأخطار.
وتظهر القصة كأداة صالحة لإقناع الناس علي مختلف أعمارهم فالسيدة التي تجلس في الميدان وهي تبكي علي "البيض المكسور" داخل السلة يحوم حولها الزبائن ولا يدخر أصحاب الشهامة وسعا للتخفيف عن مصيبتها في حين يشعرون بأن المرأة استغفلتهم وهم يجدونها في اليوم التالي في نفس المكان وتسرد عين القصة.
وتختلف تفاصيل القصة عند صبي يجلس متكورا وينتحب في حرقة، فإذا سألته عن السبب حكي لك عن ضياع نقوده ورعبه من أمه أو زوجة أبيه التي تنتظره بالعصا في يدها حين يعود.
الأناقة أيضا دخلت المهنة، لتصادف شبانا يرتدون ثيابا غاليا، ويصففون شعورهم، ويستأذنونك في نصف جنيه لاستكمال ثمن أجرة المواصلات.
ولا يخلو الأمر بالاستعانة بالفنون المختلفة، فالمرأة التي تأكل النار لتثير فضول المثقفين علي مقهي "زهرة البستان" أمهر من لاعبي السيرك، كما أن فنان الربابة الذي يجوب الشوارع في القري وهو يعزف ببراعة ويغني بصوت عذب لا يقل بهاء عن أمثاله ممن يظهرون علي الفضائيات. عمر المتسول له التأثير الأكبر علي العواطف فالرجل أو السيدة العجوز وهي تفترش الأرض بقلة حيلتها، ونحافتها الواضحة، والخطوط الغائرة علي وجهها تمنح الناظر إليها انطباعا قويا بأنها تستحق فيكبش ويهب. الأوراق الرسمية المختومة بشعار النسر أيضا توحي بالصدق لمن يطالعها، فإذا أضاف المتسول بعض الإكسسوارات المطلوبة مثل كيس البول وتنقل به بين الحضور فإنه يحظي بالمراد.
وتبدو بائعة الفول السوداني أقرب للحقيقة وهي تختار المثقفين بالتحديد فتضع علي طاولاتهم في المقاهي المختلفة قبضة فول دون أن تنطق حرفا، ومع التجربة يتسرب الإدمان إلي الجالسين فيتناولونه برضا، وينتظرون صاحبته إذا غابت عنهم بشغف.
ولا تخلو المهنة من جهلاء وأدعياء يقتحمونها بين حين وآخر، ولكن الفشل عادة ما يجعلهم لا يستكملون المشوار ومن هؤلاء من تصادفه يقف أمامك بكل عنجهية فيقول لك: لله.. بينما لا يظهر علي ملامحه أو ملابسه ما يجعلك تثق في حاجته، فتنصرف عنه وأنت تشعر بالقرف لافتقاره للموهبة. تتعدد الطرق والمخيلة المصرية تأتي كل يوم بجديد من أجل أن تلين القلوب القاسية وتكشف عن عطفها وتعطي بسخاء وكرم وبر.
لكن التسول في أحيان نادرة يتخذ مسارات مختلفة، فالشحاذ لا يتجه إلي البشر ليعطوه مما أعطاهم الله ولكنهم يتجهون مباشرة إلي الله ليمنحهم ما لا يستطيع البشر منحه. في الصعيد تتسول الأم من الله عمرا طويلا لوليدها..فعلتها الجدات من قبل، ونجحن، وورثت الحفيدات العادة فسرن علي نفس الطريق.. ولم يخيب الله ظن إحداهن.. فلم يثبت بعد أن امرأة شحذت برضيعها وعرضت نفسها لذل السؤال وحرمها الله منه.
الحكاية مكررة، فالمرأة التي لا يعيش لها ذكر، وكلما أنجبت ولدا يتخطفه الموت تجد نصائح الأصدقاء المقربات في انتظارها إذا وضعت مولودا جديدا بأن تتخلي عن كرامتها، وترتدي الثوب الأسود المهلهل وتضع قفة علي رأسها وتتجول في سبعة بلاد مختلفة تتسول من الناس الخبز والنقود وتدعو الله أن يمنح وليدها حياة ممتدة.
ومن أجل غلاوة " الضني" تتحمل الأم ذل السؤال، وتجوب القري المختلفة وهي ما تزال في مرحلة النفاس، تنظر إلي حياة ابنها وتتغاضي عن موتها.
تقاسي مرارة الشوك المدبب الذي يخترق قدمها الحافية، وتمسح الدماء التي تسيل والدموع المنهمرة.
لا شيء يقف في طريقها، ولا أحد باستطاعته أن يعيق تصميمها علي المضي فيما تسعي إليه، تتجنب أن يعاملها الناس كسيدة كريمة وتطلب منهم أن ينهروها ويغلقوا في وجهها الأبواب أو يتفضلوا عليها بالقليل من الماء والخبز.
قد تستغرق أياما أو أسابيع فيما تفعل، وتطلق علي الطفل اسم شحات حتي لا تطوله الأعين، وقد تلبسه ملابس النساء فتخفيه عن سهام الحقد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.