يوم لا ينسى.. كتبه الجيش المصري في تاريخ معاركه بأحرف من نور، بعدما رفع علم مصر عاليًا خفاقًا فوق طابا، واستردها من براثن العدو، مُعلنًا السيادة المصرية الكاملة على أراضيها. تعد طابا أحد أهم المدن المصرية، التي تتميز بموقعها الاستراتيجي، فهي تقع على رأس خليج العقبة بين سلسلة جبال وهضاب طابا الشرقية من جهة، ومياه خليج العقبة من جهة أخرى، وتغلف الجبال منتجعاتها السياحية ويتكون شريطها الساحلي من عدد من الخلجان والبحيرات ومضيق. وكان استردادها ليس بالأمر السهل، فقد خاضت مصر رحلة طويلة عسكريًا وسياسيًا، امتدت لما يقرب من 22 عامًا، بدأت خطواتها الأولى بعد أيام معدودة من نكسة 1967 وما تلى ذلك من احتلال كامل لتراب سيناء، وشهدت جبهة القتال معارك شرسة، خاصة خلال حرب الاستنزاف؛ لتؤكد القوات المسلحة للإسرائيليين أن الأمر لن يمر بسهولة، وأن كل حبة رمل من تراب أرض سيناء لا يقدر بثمن. وفي السادس من أكتوبر 1973، كان النصر العظيم الذي حققته قوات مصر المسلحة على العدو، في واحدة من أشد الحروب الطاحنة التي خاضها الجيش المصري، ضد الاحتلال الإسرائيلي، قدم خلاله العديد من الشهداء الذين روا أرض سيناء الغالية بدمائهم الطاهرة. وفي 28 أكتوبر، توقف القتال بين الطرفين، وبدأت المباحثات التي مرت بثلاثة مراحل، الأولى كانت النتيجة المباشرة لانتصار الجيش المصري في الحرب، وتحرير نحو 8000 كم مربع من سيناء، وتم تطبيق السلام ووقف القتال بين مصر وإسرائيل، وخلال هذه المرحلة تم استرداد منطقة المضايق الاستراتيجية وحقول البترول الغنية علي الساحل الشرقي لخليج السويس. ثم جاءت المرحلة الثانية في الفترة من 1979 حتى 1982، وذلك في إطار معاهدة السلام كامب ديفيد، وفيها انسحبت قوات الاحتلال بشكل كامل من خط العريش، ورأس محمد، وخلالها تم تحرير32000 كم مربع من سيناء ليصبح إجمالي الأراضي المحررة40000 كم مربع وتمثل ثلثي مساحة سيناء، أما المرحلة الثالثة والأخيرة، تم خلالها انسحاب إسرائيل إلي خط الحدود الدولية الشرقية لمصر، وتحرير21000 كم مربع من سيناء . وفي يوم 25 إبريل1982 تم تحرير كل شبر من سيناء، إلا مدينة طابا، التي تلكأت إسرائيل في الانسحاب منها؛ بحجة أن هذه المساحة 1020 مترًا لا تقع ضمن الأراضي المصرية، وقتها شهدت مصر معارك دبلوماسية وسياسية لتحرير هذه البقعة استغرقت سبع سنوات من الجهد. وجاء أول إعلان عن مشكلة طابا في مارس 1982 قبل شهر واحد من إتمام الانسحاب الإسرائيلي من سيناء، عندما أعلن رئيس الجانب العسكري المصري، في اللجنة المصرية الإسرائيلية أن هناك خلافًا جذريًا حول بعض النقاط الحدودية. وحرصًا من القيادة السياسية المصرية على إتمام الانسحاب الإسرائيلي، أتفق الجانبان على تأجيل الانسحاب من طابا وحل النزاع طبقًا لقواعد القانون الدولي وبنود اتفاقية السلام، تحديدًا المادة السابعة، التي تنص على أن تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير المعاهدة عن طريق المفاوضات، وإذا لم يتيسر حل الخلاف يتجه للتوفيق أو التحكيم . وظلت إسرائيل تماطل في عملية التفاوض والتحكيم لمدة أربع سنوات، إلى أن وافقت في نهاية الأمر وبعد الضغط من الجانب المصري، والذي رفض التفريط في أي حبة رمل من رمال سيناء الغالية، ووافقت على التحكيم في يناير عام 1986، ودخل الجانبان في مفاوضات لصياغة مشارطة التحكيم، والتي انتهت في سبتمبر من نفس العام . كانت مصر وقتها واثقة من حقها التاريخي في طابا فاستخدمت الوثائق الدبلوماسية والقانونية والمخطوطات النادرة كافة لإثبات حقها، ومثلت الوثائق 61% من الأدلة المادية، وخاضت مصر معركة قانونية فريدة بتشكيل فريق وطني كامل ومتنوع، عكفوا على أعداد الدفوع والحجج القانونية الدولية اليقينية والوثائق الدامغة والخرائط. ونجحت مصر في النهاية، وبعد العديد من المعارك القانونية والتي استمرت لوقت طويل في استعادة طابا، بعد أن أصدرت هيئة التحكيم الدولية حكمها في 27 سبتمبر 1988 بأحقية مصر في ممارسة السيادة على كامل ترابها، وتم إثبات 10 علامات حدودية لصالح مصر من مجموع 14 علامة بأغلبية 4 أصوات ضد صوت واحد. وأمتد عمل هيئة الدفاع المصرية، بعد صدور الحكم ومراوغات إسرائيل في التنفيذ إلى عقد جولات أخرى من الاجتماعات لتنفيذ حكم التحكيم وتسليم طابا بمنشئاتها إلى مصر حتى وصلت إلى المرحلة الأخيرة بتسليم طابا في 15 مارس 1989 ورفع العلم المصري عليها في 19 مارس.