"طابا" نقطة نزاع ومتعد مدينة "طابا" بجنوبسيناء، واحدة من المدن التي شهدت نزاع بين الدول على مر التاريخ، كما أنها تمثل ملحمة وطنية لأرض مصرية، حيث مرت 25 سنة على ملحمة استعادة "طابا"، والتي تعتبر من أبرز الملاحم المصرية في العصر الحديث، فعلى الرغم أن مساحة طابا تتجاوز الألف متر بأمتار قليلة إلا أن مصر أثبتت وما زالت تثبت للعالم أجمع أن من أول مبادئها الحفاظ على كل حبة رمل ولا تقبل التجزئة أو المساومة. ولم يكن استرداد "طابا" أو أي شبر في سيناء بالأمر اليسير علي قواتنا المسلحة والمصريين، فقد خاضت مصر رحلة طويلة عسكريًا وسياسيًا امتدت لما يقرب من 22عامًا، بدأت خطواتها الأولى بعد أيام معدودة من نكسة 1967 وما تلا ذلك من احتلال كامل لتراب سيناء، حيث شهدت جبهة القتال معارك شرسة خاصة خلال حرب الاستنزاف لتؤكد القوات المسلحة للإسرائيليين أن الأمر لن يمر بسهولة وأن كل شبر وحبة رمل من تراب أرض سيناء لا يقدر بثمن، وفي السادس من أكتوبر 1973، كان النصر العظيم الذي حققته قواتنا المسلحة والذي قدمت خلاله العديد من الشهداء الذين روا أرض سيناء الغالية "أرض الفيروز" بدمائهم الطاهرة . ومع توقف القتال في 28 أكتوبر 73 بدأت المباحثات التي لم تكن سهلة وتم التوقيع على اتفاق فض الاشتباك الأول والثاني، لتأتى بعد ذلك مفاوضات السلام واتفاقية "كامب ديفيد" حيث استجابت مصر لنداء السلام، ومباحثات السلام والتحكيم الدولي حتى وصلت إلى المرحلة الأخيرة بتسليم طابا في 15 مارس 1989 ورفع العلم المصري عليها في 19 مارس تلك اليوم الذي تم تخصيصه ليكون العيد القومي لمحافظة جنوبسيناء . موقع طابا تتميز طابا بموقعها الاستراتيجي، فهي تقع على رأس خليج العقبة بين سلسلة جبال وهضاب "طابا" الشرقية من جهة ومياه خليج العقبة من جهة أخرى، وعلى بعد 7 كم من الميناء الإسرائيلي "ايلات" شرقًا، وعلى بعد 245 كم شمال شرق مدينة "شرم الشيخ"، كما تقع طابا في مواجهة الحدود السعودية في اتجاه مباشر لمدينة تبوك، علاوة على تمتع أبارها بمخزون ضخم من المياه العذبة . وطابا مدينة حدودية تغلف الجبال منتجعاتها السياحية ويتكون شريطها الساحلي من عدد من الخلجان والبحيرات ومضيق، ومن أجمل المناظر الموجودة بالمنطقة قلعة "صلاح الدين"إحدى القلاع الحصينة في قلب خليج العقبة والتي تم ترميمها من قبل منظمة الآثار المصرية، والتي تستقبل بشكل شبه يومي العديد من السياح للاستمتاع بآثارنا وجو طابا الرائع . تضم مدينة "طابا" حوالي 10 فنادق، أهمها فندق "هيلتون طابا" الذي شيده الإسرائيليون عام 1967 ، وقد أدارته شركة "سونستا" إلى أن تم تسليمه للسلطات المصرية، وقد بلغت حجم الاستثمارات الحكومية في طابا حوالي 700 مليون جنيهًا مصريًا، موزعة على مشاريع البنية التحتية، والتي تشمل إنشاء طرق ومساكن وصرف صحي وخدمات مختلفة . أما الاستثمارات السياحية للقطاع الخاص ومنها استثمارات أجنبية فقد بلغت حوالي 3 مليارات جنيهًا مصريًا، تمثلت في مشروعات فندقية وخدمية تم استكمال 15% منها والباقي رهن العمل. "طابا" نقطة نزاع على مر العصور ترجع أحداث طابا التاريخية إلى ما بعد وفاة الخديوي توفيق مطلع عام 1892 وقبل تعيين نجله الخديوي عباس حلمي ملكا لمصر، حيث أراد السلطان عبد الحميد الثاني تحجيم وجود الاحتلال الانجليزي في أراضي الدولة العثمانية، فأصدر فرمانا يمنع التواجد المصري على خليج العقبة؛ وثارت بعدها قضية كبيرة تراجع على إثرها الباب العالي العثماني وتم الاتفاق على حدود مصر الشرقية بامتدادها من شرق العريش أو رفح حتى نقطة تقع أعلى رأس خليج العقبة . وفي عام 1906، قررت الدولة العثمانية وضع عدد من الجنود على حدود طابا للسيطرة على المدينة وامتلاكها إلا أنها أخليت موقعها وقرر الاحتلال الانجليزي ، وضع حدود معترف بها دوليًا لمصر، واتخذت هذه الحدود طابع دولي بعد إعلان مصر دولة مستقلة ذات سيادة عام 1922، وقيام الانتداب البريطاني في فلسطين فعززت الحدود وأسموها "الحد الفاصل" . نكسة 67 وقضية "طابا" منذ احتلالها وحتى عودتها مع احتلال إسرائيل لمصر ونكسة عام 1967، خاضت القوات المسلحة المصرية معارك شرسة لاستعادة أرض سيناء الحبيبة، وبالفعل تمكنت القوات في السادس من أكتوبر لعام 1973 من تحقيق النصر وعبور خط بارليف الحاجز المنيع، وتحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وذلك كما أطلقوا على أنفسهم في ذلك الوقت، ووقتها شملت عملية الانسحاب من سيناء ثلاث مراحل أساسية وهي : المرحلة الأولي : النتيجة العملية المباشرة للحرب، والتي انتهت في عام1975 بتحرير8000 كم مربع ، وتطبيق السلام بين الطرفين، وخلال هذه المرحلة تم استرداد منطقة المضايق الإستراتيجية وحقول البترول الغنية علي الساحل الشرقي لخليج السويس . في المرحلة الثانية في الفترة من "1979 حتى 1982″ : وذلك في إطار معاهدة السلام، وفيها انسحبت قوات الاحتلال بشكل كامل من خط العريش، ورأس محمد، وخلالها تم تحرير32000 كم مربع من سيناء ليصبح إجمالي الأراضي المحررة40000 كم مربع وتمثل ثلثي مساحة سيناء . أما المرحلة الثالثة والأخيرة : والتي تمت خلالها انسحاب إسرائيل إلي خط الحدود الدولية الشرقية لمصر، وتحرير21000 كم مربع من سيناء، وفي يوم 25 إبريل1982 تم تحرير كل شبر من سيناء، ذلك اليوم الذي تم تخصيصه للاحتفال بالعيد القومي لمحافظة شمال سيناء، إلا منطقة أو مدينة "طابا" إذ تلكأت إسرائيل كعادتها ولم تنسحب منها بحجة أن هذه المساحة 1020 متراً لا تقع ضمن الأراضي المصرية، وقتها شهدت مصر معارك دبلوماسية وسياسية لتحرير هذه البقعة استغرقت سبع سنوات من الجهد . حيث جاء أول إعلان عن مشكلة طابا في مارس 1982 قبل شهر واحد من إتمام الانسحاب الإسرائيلي من سيناء، عندما أعلن رئيس الجانب العسكري المصري في اللجنة المصرية الإسرائيلية أن هناك خلافًا جذريًا حول بعض النقاط الحدودية خاصة العلامة 91، وحرصًا من القيادة السياسية المصرية على إتمام الانسحاب الإسرائيلي، أتفق الجانبان على تأجيل الانسحاب من طابا وحل النزاع طبقًا لقواعد القانون الدولي وبنود اتفاقية السلام، تحديدًا "المادة السابعة"، و التي تنص على أن تحل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير المعاهدة عن طريق المفاوضات، وإذا لم يتيسر حل الخلاف يتجه للتوفيق أو التحكيم . وظلت إسرائيل تماطل في عملية التفاوض و التحكيم لمدة أربع سنوات، إلة أن وافقت في نهاية الأمر وبعد الضغط من الجانب المصري والذي رفض التفريط في أي حبة رمل من رمال سيناء الغالية ووافقت على التحكيم في يناير عام 1986، ودخل الجانبان في مفاوضات لصياغة مشارطة التحكيم والتي انتهت في سبتمبر من نفس العام . كانت مصر وقتها واثقة من حقها التاريخي في طابا فاستخدمت كافّةً الوثائق الدبلوماسية والقانونية والمخطوطات النادرة لإثبات حقها، ومثلت الوثائق 61% من الأدلة المادية، وخاضت مصر معركة قانونية فريدة بتشكيل فريق وطني كامل ومتنوع من خيرة رجالها عكفوا على أعداد الدفوع والحجج القانونية الدولية اليقينية والوثائق الدامغة والخرائط، ومن الدلائل التي مثلت وقتها تبعية "طابا" للأراضي المصرية، طبيعة المدينة نفسها، حيث شجر "الدوم" الشهير والذي كان وقتها من أهم مميزاتها، وصور الجنود تحت ظله . ونجحت مصر في النهاية، وبعد العديد من المعارك القانونية والتي استمرت لوقت طويل في استعادة "طابا"، بعد أن أصدرت هيئة التحكيم الدولية حكمها في 27 سبتمبر 1988 بأحقية مصر في ممارسة السيادة على كامل ترابها، فقد تم إثبات 10 علامات حدودية لصالح مصر من مجموع 14 علامة بأغلبية 4 أصوات ضد صوت واحد، واثبات 4 علامات لصالح مصر بإجماع الأصوات الخمسة، وأمتد عمل هيئة الدفاع المصرية بعد صدور الحكم ومراوغات إسرائيل في التنفيذ إلى عقد جولات أخرى من الاجتماعات لتنفيذ حكم التحكيم وتسليم طابا بمنشئاتها إلى مصر حتى وصلت إلى المرحلة الأخيرة بتسليم طابا في 15 مارس 1989 ورفع العلم المصري عليها في 19 مارس . طابا تواجه حربها ضد الإرهاب ظلت مدينة طابا عقب تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي محط أنظار الطامعين، فقد مرت المدينة بظروف عصيبة، كان أخرها تعرضها للعديد من العمليات الإرهابية التي أثرت في نسبة الإشغالات السياحية بالمدينة والحالة الاقتصادية لسكانها، كان أخرها حادثة تفجير الحافلة السياحية، والتي وقعت الشهر الماضي أمام منفذ طابا، ولقي على إثرها أربعة مصرعهم، 3 سائحين وسائق الحافلة مصري الجنسية، وأصيب 15 آخرين كلهم من السائحين الكوريين، والتي أعادت للأذهان الحادثة التي استهدفت منتجعين سياحيين، وأودت بحياة ما لا يقل عن 34 شخصًا وإصابة أكثر من 150 بجراح أغلبهم من إسرائيل في أكتوبر 2004. الأمر الذي أثر على نسبة الإشغالات السياحية بالمحافظة بصفة عامة ومدينة "طابا" بصفة خاصة، حيث حذرت العديد من الدول الكبرى المصدرة للسياح على رعاياها من السفر إلى جنوبسيناء وإلى شرم الشيخ وطابا، حيث وصل عدد تلك الدول إلى 15 دولة، كان أخرها سويسرا، حيث أعلنت وزارة الخارجية السويسرية، في بيان أصدرته مع بداية الشهر الجاري، حذرت من خلاله مواطنيها من السفر إلى جنوبسيناء، وشرم الشيخ وطابا، وذلك لما تشهده البلاد من اضطرابات أمنية، ولم تكن سويسرا وحدها التي حذرت رعاياها من السفر إلي شرم الشيخ وطابا، فقد فعلت ذلك عدد من الدول والحكومات الأخرى منها ألمانيا، وإسرائيل، بلجيكا، هولندا، وبريطانيا، وأمريكا، مبررًا ذلك بارتفاع مخاطر تعرض المنطقة لهجمات إرهابية واضطراب الأوضاع بالبلاد . غياب الاحتفال بالذكرى ال 25 على تحرير طابا نتيجة للأحداث السياسية أفقدت الأحداث السياسية التي يمر بها الشارع المصري منذ ثورة 25 يناير، قيمة الاحتفال بذكرى النصر العظيم واسترداد طابا، حيث غاب الاحتفال بالذكرى وقل الاهتمام بها على الجانب الإعلامي والسياسي، وتم التركيز فقط على دعوات أعضاء جماعة الإخوان ومؤيدي المعزول "مرسي" للتظاهر في هذا اليوم والذي يصادف ذكرى الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 مارس لعام 2011، إبان فترة حكم المجلس العسكري، تلك اليوم الذي يرى أعضاء الجماعة ومؤيدي المعزول وعدد من النشطاء السياسيين، أنه "شق الصف الثوري" بين مؤيد للتعديلات ومعارض لها، وذلك على حد تعبيرهم، حيث سيطرت على الساحة السياسية والشارع المصري، استعدادات القوى السياسية والنشطاء السياسيين لتنظيم فعاليات لتذكر بما وصفوه ب "أول انتكاسة لثورة 25 يناير 2011″ أو ما يسمى "بغزوة الصناديق" كما أطلق عليها وقتها أعضاء جماعة الإخوان، ونسوا تمامًا أن ينظموا أية فعاليات للتعبير عن هذا النصر العظيم والذي يصادف نفس اليوم وهو تحرير آخر بقعة من الأرض المصرية في منطقة "طابا"، لتتداخل بذلك ذكرى الحدثين، ويطغى الاستفتاء السياسي، على التحرر التاريخي .