تواجه مصر بين وقت وآخر مشاكل داخلية وأخرى دولية فيما يتعلق بمنتجاتها الزراعية التى يتم ترويجها محلياً وأيضاً تصديرها للخارج، لعدم استيفاء هذا المنتجات للاشتراطات التى تضعها منظمة «الفاو» وهى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة التى تتركز أهدافها فى النهوض بمستويات التغذية وتحسين القدرة الإنتاجية الزراعية، وترقية الأوضاع المعيشية لسكان الريف، والإسهام في نمو الاقتصاد العالمي وتحقيق الأمن الغذائي للجميع، والتأكد من إمكان وصول غذاء عالي الجودة للناس، حيث يستطيع الفرد أن يعيش عيشة نشطة صحية وجيدة، وتكشف المعلومات التى تحصلت عليها «الوفد» أن أكثر من 30% من الصادرات الزراعية المصرية يتم رفضها فى الخارج خاصة من قبل الدول الأوروبية لعدم استيفاء هذه المنتجات للاشتراطات الدولية التى تحددها منظمة الفاو مما يضع صادراتنا تحت «مقصلة» الفاو الرقابية، وأيضاً تحت مقصلة الاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بالمنتجات والصادرات الزراعية، وسبب ذلك لجوء المزارعين والتجار إلى أساليب متخلفة ومضرة فى استخدام المبيدات الحشرية أو فى حفظ المنتجات الزراعية مما يؤدى إلى فساد وتلف المنتج وعدم استيفائه للشروط الدولية الصحية المطلوبة، «الوفد» تطرح القضية. من المعروف أن منظمة الفاو تعمل على خدمة الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء بصورة محايدة لوضع الاتفاقيات والسياسات الزراعية، كما تعد مصدراً للمعرفة والمعلومات للبلدان النامية في مرحلة التطور لتساعدها على تطوير وتحسين الممارسات الزراعية والغابات ومصايد الأسماك، من أجل كفالة التغذية الجيدة والأمن الغذائي للجميع، فشعار المنظمة باللاتينية هو fiat panis والذي يعنى بالعربية «أوجدوا خبزاً!»، وفى هذا يقول الدكتور على محمد إبراهيم، الخبير بمركز البحوث الزراعية ل«الوفد» إن مصر تحاول منذ سنوات النهوض بالمنتج الزراعى، والتوافق الكامل مع الاشتراطات التى تضعها منظمة الفاو، انطلاقاً من إدراك مصر أن الزراعة هى الدعامة الأساسية للتنمية والأمن الاقتصادى والاجتماعى وإسهامها بدور كبير فى التنمية الشاملة، خاصة أن الزراعة يعتمد عليها نصف سكان مصر إنتاجاً وتصنيعاً واستهلاكاً وترويجاً، وتزداد أهمية تنميتها فى الوقت الحالى نظراً لوجود فجوة غذائية لا تزال واضحة فى الزيوت والحبوب. لذا على مصر السير وراء تعليمات وتوجيهات منظمة الفاو والاستفادة بالمعلومات والتوجيهات لتحقيق أقصى كفاءة إنتاجية وأكبر معدل لتنمية الموارد الزراعية المتاحة، خاصة أن الزراعة المصرية من أكثر الزراعات تكثيفاً فى العالم، أى يمكن زراعة المنتج أكثر من مرة فى العام، كالذرة يمكن زراعتها مرتين، وعروة الطماطم أو البطاطس يمكن زراعتها ثلاث مرات. ويؤكد د. على أن مصر تحاول الوفاء باشتراطات الفاو، ولكنها فى عدة مناطق زراعية تخالف هذه الاشتراطات للأسف، مما يؤثر على جودة المنتج، ويؤثر بالتالى فى قبوله بالخارج أثناء التصدير، مثال منتج البطاطس الذى يصاب بالعفن البنى، وأيضاً الموالح التى تظل المبيدات عالقة بها، حيث يتجاهل المزارع والشركات المصرية المصدرة المواصفات الدولية المطلوبة، مما يؤثر سلبا على الدخل القومى للبلاد، ورغم وجود معامل ومعاهد متخصصة فى الرقابة على المنتجات قبل تصديرها وإصدار شهادات لها، فإنه يعاب على هذه المعامل أنها تقوم بفحص عينات ويتم التأكد أنها صالحة ومطابقة للمواصفات، وفيما بعد يتم اكتشاف أن الشحنة المصدرة غير مطابقة للمواصفات ومخلة بمعايير الجودة، لأن المصدرين يخلطون المنتج الجيد بغير الجيد، مما يؤثر سلباً على الشحنة ككل، ومما يؤسف له أن نسبة خسارتنا من صادراتنا الزراعية للخارج تصل إلى 30% من إجمالى الصادرات بسبب عدم توافر الاشتراطات الصحية المطلوبة دولياً، ومصر تصدر سنوياً 34 مليون طن من الحاصلات الزراعية سنوياً، وهى خسارة كبيرة إذا ما عرفنا أن الزراعة تشكل 15% من إجمالى الناتج القومى لمصر، وتهدف الدولة إلى زيادتها من 18 إلى 20 مليون طن، وتمثل منها الفاكهة حوالى 4 ملايين طن منها 1٫2 مليون طن موالح، والخضراوات تشكل 8 ملايين طن. مكافحة العفن ويتابع دكتور على كلامه بقوله إن هناك مشروعاً بوزارة الزراعة لمكافحة العفن البنى للبطاطس، ويقوم بعمليات الفحص وإصدار شهادات متخصصة، كذلك هناك مشروع للنهوض بمحصول الموالح تابع لمركز البحوث الزراعية التابع للوزارة، والذى من شأنه الحفاظ على الثروة الزراعية سواء كانت الإنتاج النباتى محاصيل حقلية أو بساتين أو إنتاجاً حيوانياً، حتى تتوافق هذه المنتجات بصورة عامة من الاشتراطات الدولية والتى تضعها منظمة الفاو. ومن جانبه يقول خبير الزراعة والمبيدات عادل نبهان والباحث بجامعة العلوم والتكنولوجيا الصينية (هيفي) إن عدم وفائنا بالاشتراطات التى تضعها الفاو فى المنتجات الزراعية سببه سوء استخدام المبيدات المرتبط بالحالة الاقتصادية، فالطماطم يتم رشها بالمبيدات الفسفورية حتى لا تصيبها الذبابة البيضاء والتى تسبب تلف 30% على الأقل من محاصيل العالم الزراعية، ويتم جمع الطماطم فوراً ولا يتم تركها فترة التكسير، أى تكسير مكونات المبيد وانتهاء مفعوله، والتى تحتاج 21 يوماً على غرار مبيد «ديان سويت»، أو «بيروثردين» الذى يحتاج إلى 7 أيام لتكسيره، وبالتالى تكون الثمار حاملة للمبيد ولا يزول مفعوله حتى لو تم تقشير الطماطم لأنه يتغلغل فى الأنسجة الداخلية، وهو مسبب للإصابة بالسرطان. ويتابع الخبير عادل بقوله إن هناك مبيدات تستخدمها مصر وأثرها التراكمى الضار يصل إلى 70 عاماً، والفلاحون يضطرون إلى حصد المنتج لبيعه لأنهم إذا انتظروا فترة تكسير بصورة نهائية، تلف المحصول وأدى ذلك إلى خراب بيوتهم، لافتاً إلى أن مصر تحاول الوفاء باشتراطات منظمة الفاو، ولدينا فى مصر معمل تحليل المتبقيات وهو معمل نرويجى التكوين ويشرف عليه أشرف المرصفى، ويأخذ المعمل العينات من المنتجات الزراعية ويقوم بتحليلها لكشف المتبقى عليها من آثار المبيدات، ومصر مثلا بها 33 منطقة زراعية لزراعة البطاطس محددة بالاسم والرقم، ويجب عند تصديرها البطاطس للخارج كالاتحاد الأوروبى أن يكون مرفقاً بالشحنة منطقة إنتاجها مواصفات المنتج، والمنطقة التى يثبت تصديرها لشحنة بها «العفن البنى»، يتم حظرها واستبعادها، والكارثة أن هناك تجاراً يشترون منتجاً من مناطق أخرى، ويضعونه ضمن منطقة مختلفة كالنوبارية مثلا، وعندما تفسد الشحنة ويظهر العفن البنى بها، يتم استبعاد النوبارية من قبل الدول المستوردة، رغم أن النوبارية لا يكون لها ذنب فى ذلك، وهو أمر يتكرر ويعطى سمعة سلبية للعديد من المناطق الزراعية ويضعها تحت مقصلة الفاو. تلوث تراكمى ويختم الخبير عادل نبهان كلامه قائلاً إن الاستخدام المفرط للأسمدة أيضاً كالنيترات يؤدى إلى تكسير كرات الدم الحمراء حال استهلاك هذه المنتجات الزراعية المستخدم بها هذه الأسمدة، وللأسف يتم إضافة الأسمدة إلى التربة، ويتم رى الأراضى رى الغمر، فيتغلغل جزء من المياه المشبعة بالأسمدة إلى المياه الجوفية، ومع مرور السنوات ترتفع نسبة ترسب النيترات فى المياه الجوفية وتؤدى إلى التلوث البيئى وانتشار الأمراض الخطيرة، وتضع الفاو اشتراطات لاستخدام نسب الأسمدة والمبيدات، غير أن المزارعين المصريين لا يلتفتون فى الغالب إلى تطبيق هذه النسب. ويطرح الخبير «عادل» حلاً اقتصادياً لتلافى الخسائر فى الصادرات الزراعية والوفاء باشتراطات الفاو الصحية، وهى اللجوء للزراعات البيولوجية السليمة بعيداً عن الأسمدة، حتى لو كان المنتج سيرتفع سعره، بجانب استخدام التكنولوجيا الحديثة في استنباط أصناف جديدة من البطاطس تقاوم العفن البني، واستخدام الأجهزة العالمية في الكشف عن بقايا المبيدات بالحاصلات الزراعية العضوية، واتباع أسلوب زراعة الأنسجة، وتوفير الدعم للفلاح المصري ومساعدته، وتحديد سعر ضمان قبل الزراعة، وإعفاء المزارعين من أي أضرار تحدث نتيجة حدوث التغييرات في الأسواق الخارجية. وإذا كانت مصر لا توفى فى بعض الأحيان باشتراطات منظمة الفاو، فإن المنظمة تحاول قدر الإمكان التدخل المبكر لانقاذ ما يمكن إنقاذه من المنتجات الزراعية المصرية ووضعها بين الضوابط المطلوبة، على غرار ما تفعله الآن، حيث مصر تمر الآن بمرحلة هامة من التطور الزراعى الساعى إلى تحقيق التنمية والاكتفاء من خلال مشروع المليون ونصف مليون فدان والذى طرحه الرئيس عبدالفتاح السيسي، وتهتم الفاو بأن يتم زراعة هذه الأفدنة بأساليب صحيحة يتم الاستفادة منها بأعلى درجة من الجودة والالتزام بالاشتراطات الصحية والبيئية، لذا قررت «الفاو»، إيفاد بعثة فنية إلى مصر فى الأسبوع الأخير من شهر فبراير الجاري، لبحث سبل تقديم الدعم الفني للمشروع، خاصة في المجالات المتصلة بالتوسع في استخدام المياه الجوفية وبصفة خاصة الخزان الرملي النوبي.