«الموت القادم من الأرض»، كلمة يطلقها خبراء البيئة وأيضا الزراعة على المبيد الحشرى «دى دى تى» والذى رغم حظر استخدامه عالميا بما فى ذلك مصر منذ 30 عاما بموجب قرار من منظمة الصحة العالمية، إلا أن آثاره لا تزال باقية فى الاراضى التى تم رشها به فهو مبيد مكوناته غير قابلة للتكسير أو التحلل والاختفاء وتبقى من 12 إلى 30 عاما لتلوث المياه الجوفية والزراعات، لتكون سببا فى الاصابة بمرض السرطان والفشل الكلوى والكبد، وغيرها من الامراض الخطيرة، والأخطر من هذا ان هناك معلومات يتم تداولها باستمرار استخدام هذا المبيد فى مصر بشكل سرى وعلى نطاق محدود لمكافحة الباعوض المسبب لمرض الملاريا، والأكثر خطورة أن وزارة الصحة لا يزال بمخازنها عشرات الاطنان من مبيد ال«دى دى تى» لم يتم التخلص منها واعدامها بعد، وقد طلبت وزارة الزراعة مؤخرا من مركز الابحاث الامريكى التابع للبنتاجون فى القاهرة «النامرو» ومقره العباسية المساعدة فى التخلص الأمن من هذه الأطنان، ولا يزال النامرو يبحث كيفية تنفيذ ذلك وفقا للمعلومات التى توصلت اليها «الوفد».. نفتح الملف. استخدمت مصر المبيد الحشرى «دى دى تى» منذ الخمسينيات لمكافحة الباعوض وحشرات الزرع الأخرى ولكن بعد أن اثبتت الدراسات العلمية العالمية وتقارير منظمة الصحة العالمية خطورة هذا المبيد على الصحة العامة والبيئة، ووجود آثاره التراكمية فى التربة لمدة تصل من 12 الى 30 عاما، بجانب بقاء مركباته معقدة لا يمكن ان تتحلل أو تختفى آثارها المدمرة لصحة الاسنان والبيئة أو تضيع آثارها من التربة، فتم حظر استخدام هذا المبيد عالميا بما فى ذلك مصر منذ ثلاثة عقود، ورغم هذا القرار العالمى ومن منظمة الصحة العالمية، الا أن استخدامه فى مصر تواصل ولو على كميات قليلة ومساحات محدودة من الأراضى بصورة سرية من خلال تهريب ال«دى دى تى» عبر الحدود. وأكد هذا تفجر فضيحة فى أغسطس من العام الماضى عندما رفضت 40 دولة أوروبية استيراد البطاطس من مصر لقيام التجار برشها بالمبيدات، لحفظها بدلًا من وضعها بالأراضى والثلاجات المكلفة، وتكشف فى حينه غياب الرقابة على المنافذ التى تهرب ال«دى دى تى» من الحدود الجنوبية، حيث لا يوجد فى العالم سوى مصنعين يقومان بتصنيعه، الأول فى الصين والثانى فى السودان، وهو الأمر الذى أدى الى تراجع صادرات مصر من البطاطس، وبعد أن كان ترتيبها من السابع الى العاشر عالميًّا، تراجعت الى المرتبة العشرين، كما رفضت روسيا استيراد 24 شحنة من مصر أيضا لرشها ب«دى دى تى». وكشف الدكتور نادر نور الدين فى حينه أستاذ الأراضى والموارد المائية بكلية الزراعة جامعة القاهرة أن مصر تعد الدولة الوحيدة التى تستخدم هذا المبيد بصورة سرية، رغم أن كل دول العالم حرمت استخدامه بما فيها الدول الإفريقية، وانه يسبب أمراضًا كتشوهات فى الأجنة، وولادة أطفال بلا جمجمة والمعروف باسم مرض المخ العارى. النامرو حائر ويكشف ل«الوفد» عادل نبهان خبير المبيدات والباحث بجامعة العلوم والتكنولوجيا فى الصين «هيفى» عن وجود كميات كبيرة من مبيد ال«دى دى تى» لا يزال مخزونا فى وزارة الزراعة من أعوام، وأن الوزارة لا تعرف كيف يمكنها التخلص منه بصورة آمنة، وطلبت مؤخرا الاستعانة بمركز أبحاث البنتاجون الأمريكى فى مصر والمعروف ب«النامرو» ومقره بالعباسية للعمل على التخلص من هذه الكميات واعدامها بصورة آمنة لا تسبب أى أضرار للبيئة، و«النامرو» لا يزال حائرا فى كيفية تنفيذ هذا، ويلفت الى أن هذا المبيد لو تم تركه مائة عام مخزونا لا يفسد ولا يتحلل، وأن استخدامه بات محظورا لخطورته على البيئة، بجانب أن فعاليته لابادة كل الحشرات باتت ضعيفة، فلم تعد له سوى القدرة على إبادة الحشرات الضعيفة، أما الحشرات التى تكيست وتحورت، لم يعد لهذا المبيد القدرة على إبادتها. وكشف الباحث «عادل» أيضا أن وزارة الزراعة تجرى الآن الأبحاث والتحاليل فى محطات الرصد فى المعادى والقناطر، وتكشف وجود آثار ال«دى دى تى» بنسب ضعيفة لكنها أيضا لها مخاطرها، فوجوده فى التربة وانتقاله للمياه أو الزراعات يؤدى الى تشوه الأجنة والفشل الكلوى وأمراض الكبد والسرطان، لافتا الى أنه على الرغم من توقف استخدام هذا المبيد بصورة رسمية، الا أن بعض المزارعين والتجار يقومون بالحصول عليه سرا من عمليات تهريب ويرشون به البطاطس مثلا للحفاظ عليها دون الحاجة الى ثلاجات، ويمكن اكتشاف ذلك من رائحة البطاطس، ولا يزول تأثير هذا المبيد السام بتقشير البطاطس أو حتى نقعها فى المياه لأنه يتسلل الى الأنسجة الداخلية للمنتج الزراعى. بلد المنشأ وتعد سويسرا هى بلد منشأ المبيد الحشرى ال«دى دى تى»، والذى يعد المبيد الأكثر سمية وتعقيدا فى مركباته ويستخدم أساسا لمكافحة البعوض الناقل لجرثومة الملاريا، وهو المرض الذى انتشر بشراسة ابان الحرب العالمية الثانية وأودى بحياة مئات الآلاف من الجنود فى هذا الحرب بعدة بلدان أوروبية، وكان العالم «أو ثمار زيدلر» فى جامعة ستراسبورج هو أول من قام بتصنيع مركب ال«دى دى تى» عام 1873، ولكنه لم يعلم أى شيء عن فاعلية هذه المادة، حتى عام 1939 عندما أعاد ميولر «Paul Müller» تصنيع DDT فى سويسرا، واكتشف فاعليته كمبيد، ونال جائزة نوبل فى عام 1948 على هذا الاكتشاف، وكانت أول مرة فى التاريخ يحصل الإنسان على سلاح فتاك ضد الآفات الناقلة للأمراض، التى كانت تقتل الملايين. وقد استخدم DDT على نطاق واسع خلال الحرب العالمية الثانية ونجح فى استئصال مرضى التيفود والملاريا فى إيطاليا، من خلال القضاء على حشرتى القمل والبعوض، وهو الكبيد الذى قال عنه رئيس الوزراء البريطانى الأسبق ونستون تشرشل فى أربعينيات القرن الماضى داخل البرلمان البريطانى إنه «إكسير الحياة والمركب المعجزة»، فى إشارة منه لانقاذه الآلاف من جنود موقعة العلمين فى الحرب العالمية، إلا أن هذا المبيد كما كان أكسير الحياة للجنود وحماهم من الطاعون والملاريا كان أيضا مصدرًا للموت بعد تكشف أضراره الصحية من خلال الأبحاث العلمية التى تلت هذه السنوات حين اكتشفت الباحثة الامريكية المتخصصة فى الاحياء البحرية «راشيل كارسون» اكتشفت اختفاء الكثير من الاحياء البحرية والمائية جراء استخدام ال«دى دى تى»، وقامت بإطلاق كتاب حمل عنوان «الربيع الصامت»، وانطلقت بعدها الابحاثا التى أكدت أيضا أن استخدام هذا المبيد له دور كبير فى تلويث وتخريب النظام البيئى والإخلال بالتوازن الطبيعى للبيئة والأحياء التى تعيش فيها لأن مركباته الضارة مستقرة وثابتة فى البيئة وغير قابلة للتحلل والتفكك البيولوجى فى الطبيعة وتتراكم فى الأنسجة الدهنية للكائنات الحية الحيوانية، وانه يبقى فى البيئة حتى تحلله فى التربة فترة تزيد على «12» عاما وتصل الى 30 عام، واثاره تبقى فى التربة وتنتقل الى الهواء والمياه وتنتقل عبر مياه الأمطار أو مياه الرى السطحية إلى مجارى الأنهار ثم البحار وأيضا الى المياه الجوفية. ويبقى تركيز مبيد ال«DDT» فى المسطحات المائية والأنهار وتكون نسبة انحلاله فى الماء «1٫2» ميلجرام - لتر أى انحلاله ضعيف فى الماء بالمقارنة مع انحلالها فى الدهون, والمشكلة هنا أنها تنحل فى المواد الدهنية للثدييات، والأكثر خطورة هو وجود المبيد فى المياه بتركيز عال بسبب الصب المباشر للمبيد فى الماء بغية إبادة الأحياء الضارة المتواجدة فى المياه أو المحيطة بها مثل يرقات البعوض والذباب الأسود والحلزون أو حشائش الماء, مما يؤدى الى قتل الكائنات الحية الدقيقة التى تعيش فى الماء والتى لها دور هام فى التوازن الطبيعى للبيئة المائية، حيث تسهم فى تنقية الماء من التلوث، لأنها تساعد فى الحفاظ على نسبة الأوكسجين الذائب فى المياه, وسيكون من المستحيل تنظيفها، حتى ان الطبيعة ستأخذ وقتا طويلا للتخلص من المبيد فحتى تستطيع إزالة «90%» من هذا التلوث ستحتاج الى «500» سنة فى بحيرة مثل البحيرات الكبرى فى أمريكا على سبيل المثال. توقف استخدام ال«دى دى تى»، رسميا فى العالم منذ 30 عاما أثره السام فى التربة يمتد من 12 الى 30 عامًا نسبة استخدام المبيدات العشبية فى العالم «34%» نسبة استخدام المبيدات الحشرية «32%» نسبة استخدام المبيدات الفطرية «19%» واستخدام المبيدات الأخرى «6%». أمريكا الأكثر استخداما للمبيدات وتصل إلى «54%» وأوروبا الغربية «25%» اليابان «12%» وبقية دول العالم «18%»