أثار حادث مقتل الطالب الإيطالي والاهتمام الرسمي من بلاده الكثير من الشجون حول مدى اهتمام مصر بأبنائها في الخارج الذين لا يلقون معاملة تقترب من قريب او بعيد بما يلقاه مواطنو الدول الأخرى، وزاد من حجم الدهشة أنه بدأت تلوح في الأفق بوادر أزمة تلقي بتأثيرها على مسار العلاقات المصرية الإيطالية. في المقابل فإن هناك حالات اعتداء وإهانات متعددة يتعرض لها المصريون في الخارج، خلال الفترة الأخيرة، دون موقف حاسم من الدولة حيث أصبح المصريون عرضة فى كل مكان للاعتداء البدنى واللفظى، في ظل تخاذل الحكومة والاكتفاء بمجرد اصدار بيانات او مطالبات بتحقيق دون اتخاذ إجراءات حقيقية على أرض الواقع، ولعل هذا ما يتنافى مع انتفاض الحكومة المصرية في حالة الاعتداء على الأجانب داخل أراضيها، مثل ما حدث مع مقتل الشاب الايطالي في مصر، والذي تسعى الدولة حاليًا بكافة أجهزتها لضبط الجناة وتقديمهم للمحاكمة، أو حتى السياح المكسيكيين والذين تسبب مقتلهم بالخطأ في انتكاسة للعلاقات بين مصر والمكسيك. كان آخر الحوادث المتكررة الأليمة للمصريين في الخارج، ما حدث مع الشاب المصري الذي يعمل في السعودية والذي يدعى وليد حمدي، حيث قام أربعة مواطنين سعوديين بدهسه وقاموا بالتمثيل بجثته على الطريق العام وسط سير حركة المرور، مما أثار غضب واستياء جموع المصريين الذين طالبوا الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة لسرعة ضبط الجناة، ولم تكن هذه الحادثة الأولى التي يتعرض لها المصريين لاعتداء حيث شهدت الفترة الأخيرة حوادث متكررة من الانتهاكات في حق المصريون بالخارج، حيث إنه في 6 أكتوبر الماضي تم الاعتداء على العامل المصري، خالد عثمان، في أحد مطاعم الأردن بمنطقة العقبة، على يد أحد أشقاء نائب برلماني أردني وعدد من مرافقيه. وعقب الواقعة، خرج العامل المصري ليكشف تفاصيل الحادثة، وأكد أن النائب البرلماني الذي اعتدى عليه يدعى زيد الشوابكة، وشقيقه، حضرا للمطعم وطلبا «أوردر» ثم طلب شقيقه من أحد العاملين في المطعم أن يجهز له طلبه في وقت سريع، وعندما رد عليه عامل المطعم بأنه جار العمل عليه، رد شقيق النائب قائلًا: «يالا امشي هاته بسرعة»، بطريقة مهينة. وعندما شعر شقيق النائب بتأخر الطلب، قال: «انتوا ليش بتتكلموا من مناخيركم أمشي هات الأوردر زي الكلب»، مشيرًا إلى أنه في اليوم التالي جاء النائب الأردني إلى المطعم، وطلب منه أن يحترم نفسه وأهل البلد المتواجد فيه، لكونه غريبا، وأثناء الحديث، قام أحد مرافقي النائب بضرب العامل المصري، وقام آخر بضربه والاعتداء على أحد زملائي في المطعم». وفي ليبيا، لقي عامل مصري في محل ملابس، مصرعه عندما رفض رد بضاعة لأحد العملاء، ونشوب مشادة كلامية بينهما، تطورت إلى إطلاق العميل النيران على المصري حتى لقي مصرعه على الحال، ثم تلتها حادثة أخرى في الكويت، حين قام أفراد الشرطة الكويتية بالاعتداء على مصري بالضرب، بسبب توجهه إلى قسم الشرطة للإبلاغ عن حادث مروري، وتم فتح تحقيق حضره المستشار أحمد عادل صبحي، ولم يلبث أن هدأ الأمر بعد اعتذار الخارجية الكويتية. أما في السودان، ووسط سلسلة الاعتداءات على المصريين، أقدمت الشرطة السودانية على الاعتداء على أربعة عمال مصريين في الخرطوم بالأسلاك الكهربائية، وسرعان ما تحرك السفير المصري في الخرطوم محمد عبدالمنعم الشاذلي، والقنصل العام أيمن بديع، لتقديم الأدلة الطبية التي تؤكد واقعة الاعتداء على العمال المصريين إلى وزير الداخلية. وبالفعل ثبت تعذيبهم بالأسلاك الكهربائية، من قبل الشرطة السودانية، التي تدخلت لفض مشاجرة بين عمال مصريين وسودانيين، ووقتها وعد وزير الخارجية السوداني بشير طه، بإجراء تحقيق عاجل مع المتورطين في الحادث. كما أظهر مقطع فيديو تداوله نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، في يناير الماضي، اعتداء شرطي سعودي على أحد المواطنين المصريين، أمام «فندق الشهداء» بالسعودية، وكشف الفيديو تعرض المواطن لإصابات جسيمة في أنحاء متفرقة من جسده.. وفي اليونان، تعرض عامل مصري للتعذيب والضرب، على يد رئيسه اليوناني صاحب المحل الذي يعمل به، وتم حجزه في أحد العقارات وتناوب الضرب فيه، وتعرض لأبشع أنواع الضرب والتعذيب، مع ربطه في شجرة يوم كامل، ولم تلق السفارة المصرية بالًا للحادثة. «الوفد» استطلعت آراء عدد من الخبراء في هذا الموضوع، وقد أكدوا أن الحكومة المصرية يجب أن تتعامل بجدية مع الانتهاكات التي يتعرض لها المصريون في الخارج، وألا تفرق في المعاملة بينهم وبين الأجانب، موضحين ان الدم المصري أصبح رخيصًا وبلا ثمن، ولا أحد يهتم بالمصريين العاملين بالخارج، ولا يتحرك أحد فى تلك الجرائم التى ترتكب بحقهم إلا بعد ضغط كبير من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. من جانبه، يري أحمد فؤاد أنور، المحلل السياسي، أن تخاذل الحكومة المصرية في حماية مواطنيها في الخارج وعدم التعامل بشكل جدي مع الانتهاكات التي يتعرضون لها، أمر مستفز بالنسبة للكثير من المصريين وأصبح غير مقبول. وأشار أنور، إلى أن العدالة يجب أن تكون متوفرة مع كافة المواطنين سواء كانوا مصريين أو غيرهم من الأجانب، بل إن المصريين هم الأولى بالاهتمام والبحث عن حقوقهم الضائعة في مصر وخارجها. وبين أنور، أن اهتمامات وزارة الخارجية يجب أن تكون منصبة فى المقام الأول على حماية حقوق المصريين بالخارج، موضحًا أنها عليها السعي لوضع الآليات اللازمة لذلك، من خلال التوقيع على بروتوكولات مع مجالس القومية للحقوق الانسان ووزارات الخارجية لدول العالم خاصة الذي يتعرض المصريين فيها لاعتداء متكرر. وقال «المحلل السياسي» إن الحكومة المصرية يجب أن تضبط الجناة الذين تورطوا في قتل الشاب الايطالي للحفاظ على صورة مصر في الخارج، ومنع تكرار هذه الحوادث مرة أخرى، ولكن هذا لا يتعارض مع محاولة الدفاع عن المصريين واخذ حقوقهم. ولفت أنور أن المصريين يشعرون بالظلم داخل وطنهم وخارجها، حيث إنهم اكتووا بنار الأسر في الغربة دون قريب يخفف عنه، أو دولة تقوم بواجباتها تجاه رعاياها الذين أجبرهم واقع الحياة المر على السعي وراء لقمة العيش وراء الحدود. وأشار عادل الصفتي، مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى أن الحكومة المصرية متخاذلة في حماية حقوق المصريين في الخارج ، وتتخلى عن واجبها المنوط بها اتجاه مواطنيها. وأكد «الصفتي»، أن حادثة مقتل الشاب الايطالي في مصر، وتعامل الحكومة الايطالية مع هذه الحادثة من قطع الوزيرة الايطالية زيارتها لمصر، والمطالبة بالقبض على الجناة واجراء التحقيقات بشفافية يجب أن يعطي درسا للحكومة المصرية في التعامل وجلب حقوق المواطنين في الخارج. وأشار «الصفتي»، إلى أن تخاذل الحكومة المصرية في الحفاظ على مواطنيها يعد سببا رئيسيا في حوادث الاعتداء المتكررة عليهم في الخارج، موضحًا أنه يجب اتخاذ اجراءات حاسمة للحد من هذه الحوادث. وبين الصفتي، أنه على الرغم من أن الصورة قاتمة إلا أن هناك بعض الحالات تعاملت فيها الحكومة المصرية بجدية، وذلك كحادث إهانة العامل المصري في الأردن. وأفادت سكينة فؤاد، الكاتبة الصحفية، بأن ثورة 30 يونية التي قام بها الشعب، وطالبت بحماية المصريين وتحقيق العدالة تقتضي من الحكومة المصرية أن تحترمهم ولا تسمح بانتهاك حقوقهم. وبينت فؤاد، أن دم المصري أصبح رخيصًا وبلا ثمن، ولا أحد يهتم بالمصريين العاملين بالخارج، ولم يتحرك أحد فى تلك الجرائم التى ترتكب بحقهم إلا بعد ضغط كبير من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وأشادت فؤاد، بأن المصريين لديهم عقدة من التعامل مع الأجانب ويشعرون بالأفضلية لهم وبإعطائهم المزيد من الحقوق في الداخل.