سكت طويلاً وعندما أراد أن يتحدث اختار «الوفد الأسبوعي» لم يكن أي شخص في مصر صغيراً أو كبيراً لا يعرفه في أواخر أيام السادات عندما ناصبه الرئيس الأسبق العداء بسبب موقفه من السفر إلي إسرائيل واتفاقية كامب ديفيد. إنه الشيخ أحمد المحلاوي الذي أعادته الثورة إلي منبر مسجد القائد إبراهيم والذي شهد أوج شهرته وأقوي خطبه في السياسة والدين.. «الوفد الأسبوعي» التقته لتعرف اراءه في الأحداث الجارية وصعود الإسلاميين علي المسرح بعد الثورة وكان هذا الحوار.. سألناه: ما رأيك في تصدر التيارات الإسلامية للمشهد السياسي في مصر الآن؟ أجاب: هذه التيارات كانت مقيدة أثناء الحكم الشمولي السابق، وكان أمن الدولة يضيق عليهم بينما لا يضغط علي السلفيين لأنهم كانوا لا يزاحمون سياسياً فكانت الحكومة تغض الطرف عنهم أو من وراء الستار بعكس الاخوان المسلمين الذين كانوا يزاحمون في السياسة حتي حصلوا علي عدد كبير من المقاعد بمجلسي الشعب والشوري، فلما أزال الله الكابوس كان من الطبيعي أن تخرج هذه الفئات لتأخذ دورها في السياسة لأنهم يعتبرون أن الدين لا يدرس فقط بالمساجد وإنما هو دين ودولة ولذلك خرجوا ليشاركوا في سياسة البلاد من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية. ما رأيك في الجدل الدائر حول قيام دولة مدنية أو الاستقرار علي دولة دينية إسلامية. هذه الاصطلاحات غريبة فالدولة الإسلامية لا هي مدنية ولا هي دينية لأن الكنيسة في اوروبا كانت تتحكم في كل شيء في عقول الناس أيضاً وعلومهم وحياتهم وتتخذ من الدين طريقاً لقهرهم بل أكثر من ذلك كانت الكنيسة تبيع لهم الجنة وصكوك الغفران، أما الدولة الإسلامية فلا تعترف بكل ذلك. وكيف تري محاولة الصوفيين والسلفيين المشاركة في اللعبة السياسية؟ من حقهم تماماً فهم مصريون وواجبهم أن يشاركوا في صناعة القرار. وما رأيك في تطورات أحداث ثورة يناير حتي الآن؟ مهما كانت التطورات فإنها لن تكون مشابهة للعهد الماضي رغم الانفلات الأمني وتعطيل الاقتصاد والبطء في محاكمة المسئولين عن الفساد ورغم هذا كله فإنني متفائل بشيء واحد بعد الله عز وجل هو أن هذا الشعب استيقظ ولا يمكن أن يعود للنوم ثانية ولن يقبل بأن يحكم بالصورة التي كانت في العقود السابقة. ما رأيك في دور المجلس العسكري؟ المجلس العسكري يحمد له وقوفه بجانب الثورة ونحن نعيش أحداث اليمن وليبيا وسوريا وشاهدنا فيها دور الجيش الذي لم يكن وطنياً فلابد أن نحتفظ للمجلس العسكري بهذا الصنيع الجميل، وفي الوقت نفسه نقول للمجلس: ان ثقة الشعب فيكم غالية فحاولوا ان تستجيبوا لمطالبه المشروعة واعلموا أن ثقة الشعب أبقي لكم من يناشينكم التي علي صدوركم. وكيف استقبلت نصيحة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للمصريين بأن يؤسسوا دولة علمانية؟ رئيس وزراء تركيا رجل فاضل ونهض ببلاده نهضة عظيمة لكن الوضع في تركيا يختلف عنه في مصر، فالمعروف أن تركيا في عهد الخلافة الاسلامية كانت زعيمة العالم وكان صوتها مسموعاً ولكن في ظل انتهاجها العلمانية تهاوت إلي درجة أنها تسولت الانضمام للاتحاد الاوروبي. فالعلمانية لا تصلح عندنا ولنأخذ من تركيا ما ينفعنا في مصر فيوم أن كانت تركيا مسلمة كانت الدولة الأولي في العالم ويوم فرضت العلمانية نزلت إلي الحضيض. ما رأيكم في المليونيات الكثيرة منذ بداية الثورة؟ بالنسبة للاعتصامات فإنها أدت دورها علي أكمل وجه وخاصة عندما أحبطت كيد الشرطة واضطرت رئيس الدولة الي التنازل أما المليونيات الكثيرة التي قامت بعد هذه الاحداث فقد قللت من قيمتها لذلك لم يستجب لها المصريون بقدر استجابتهم في بداية الثورة، وكذلك أري ان الاعتصامات الفئوية ليست علي صواب لأن الدولة منهارة اقتصادياً وكل الذين يطالبون بحقوق اصحاب حق فيما يطلبون ولكن عليهم أولاً ان يبذلوا من العمل ما يحقق طفرة في الانتاج لتلبية احتياجاتهم، أما أن يتظاهروا أو يعتصموا ويعطلوا العمل فهو شيء لا يليق. هل أنت مع مطالب احزاب المعارضة بتغيير النظام الانتخابي الي القائمة النسبية في تطبيق قانون الغدر؟ أنا موافق علي القائمة النسبية غير المشروطة حتي تكون فرصة جيدة لجموع الناخبين الشرفاء وهم علي حق فيما يطلبون ويجب علي المجلس العسكري أن ينفذ هذا المطلب حتي لا يجد الفلول فرصة للوصول الي البرلمان لأن الاغلبية من المعارضين يطلبون ذلك وهذا حق لهم. كنت أتمني أن يكون هناك حظر ولو مؤقتاً علي الذين شاركوا في إفساد الحياة السياسية في مصر ومن المستحيل ان يعود هؤلاء المفسدون صالحين بين عشية وضحاها، وقانون الغدر أرفض تسميته بهذا المسمي ولكنني افضل تطبيق الحجر السياسي عليهم لمدة ثلاث سنوات أو دورة برلمانية كاملة، ويجب ان نعترف بالواقع فمنذ تأسيس الحزب الوطني في عصر السادات لم يخرج منه إلا الفاسدون. بمناسبة السادات.. ما سبب توتر علاقتك به خلال فترة حكمه؟ بعد وفاة عبد الناصر ظهر السادات وكان اتجاهه اسلامياً لغرض في نفسه وهو محاربة اليساريين بالاسلاميين ووقفنا إلي جواره، وأتذكر ليلة زرت خلالها الجنود المصريين علي الجبهة ومعي طائفة من الشباب للتعرف علي احوال الجنود عام 1973 وفي أثناء الحرب كان لمسجد سيدي جابر دور كبير لدعوة المواطنين للوقوف خلف الجيش فضلاً عن قبول التبرعات لمساندتهم، ولكن عندما قام السادات بزيارة القدس وتوقيع معاهدة كامب ديفيد تحول تأييدي للسادات الي نقد شديد وحولت مسجد القائد ابراهيم إلي ميدان للمحاضرات والمؤتمرات للنظر في شئون البلاد وانتقدنا الكثير من القوانين التي كانت تفرض مثل قانون العيب.. أما معاهدة السلام فقد انتقدناها بشدة والحمد لله الذي أحياني حتي أدركت مصر رشدها وعرف الجميع أننا كنا علي حق وأن معاهدة السلام كانت خطأ كبيراً فضاق السادات بي ذرعاً وكان يسجل خطبي ومحاضراتي وحولني للمدعي الاشتراكي واعتقلني وحبسني بسجن يدعي «التجربة» وهو أخطر أنواع السجون بعد سجن العنابر والتأديب وأكثرها تعذيباً فهو سجن انفرادي طوله متران في متر ونصف المتر وله نافذة مرتفعة ضيقة فضلاً عن أن الارض مدببة عمداً والفراش عبارة عن «بورش» من الخوص ثم عزلوني عن الدنيا كلها ولا أخرج من هذا المكان إلا ربع ساعة يومياً لأقضي حاجتي ولا يوجد بهذا المكان إلا صفيحتان، صفحية لشرب الماء والاخري للتبول وهو شيء لا يصلح للحيوان رغم أنني لم اجرب السجن من قبل، ورغم انني لست من الأثرياء وأعتز بكوني فلاحاً وتعرفت علي شاب بالسجن حول عنبري الذي نقلت إليه الي سجن 15 نجمة وأعطاني كل ما احتاجه ولم يستطع مأمور السجن آنذاك أن يقوم بتعذيبي خوفاً من هذا الشاب الذي يدعي «المعلم حمامة» وهو أكبر مهرب «للحشيش» وقال لي وقتها طول ما أنا هنا والله لن يستطيع أحد أن يعذبك وقد كان وأتذكر أن هذا الرجل قال لي: اطلب يا شيخ اي حاجة من الخارج «عايز حشيش» ممكن أجبلك وخرجت عام 1982 من السجن بعد سنة واحدة من الاعتقال.