إن كان للدول خطاب يعبر عن سياستها الخارجية وتوجهاتها تجاه جوارها ومحيطها الإقليمي والدولي، فهو ليس بالضرورة كل ما يتحدث به رؤساؤها. فالخطاب إن كان بقدر الدولة، كان خطاب الدولة، وإن كان بقدر قائله فهو خطابه هو. جاء خطاب الدولة المصرية مؤخرا فى مؤتمر عدم الانحياز غير مخذل لتوقعات العالم من مصر 2012 التى بدأت بثورة شعبها أولى خطى استعادة قدرها المستحق في التأثير الدولى الفاعل و القيادة الإقليمية. أحسن رئيس الدولة وفريقه بأن تلمسوا خطاب دولة يمثل القدر المبدئي المستحق للسياسة الخارجية لمصر الثورة من حيث مناصرة حق الشعب السوري و الفلسطيني وشعوب العالم، ومن حيث طي صفحة العداوة بالوكالة مع إيران أو غيرها، وإن أسرفوا فى تقرير الهوية السنية لمصر وجانبوا القدر التاريخي لمصر إذا تصوروا الهوية السنية مرتكزا في تقرير التحالفات و العداوات الإقليمية. حسُن الخطاب .. و نأمل أن تحسن سياسات التنفيذ. * * * * * الدولة "المدنية" هى ليست بالضرورة كل دولة لم تكن دينية أو عسكرية. الدولة المدنية هى كل دولة فارقت "القبلية الفكرية" و"العصبية السياسية".. فالمدنية للدولة هي "مدنية الفكر" فى مقابل "بداوة الفكر" للقبيلة. الدولة المدنية هي دولة "الإنسان" وليس الفرد. وهي دولة المجتمع الواعي بحقوقه والحارس لها وليس القبيلة (الجماعة) التابعة. وهى دولة الرعاية لا الجباية. "مدنية الفكر" لا تقبل بغير "العدل" المنبني على التساوي في الانسانية. بينما "بداوة الفكر" قد تؤصل ل"الظلم" المبرر بالحق التاريخي. * * * * * فتوات .. وأعيان .. وحرافيش! في زمن الفتوات الذي أرخ له بعبقرية عمنا نجيب محفوظ، نجد الفتوة والحرافيش والأعيان هم صنوف الناس. و كانت سنة تلك الأيام فى تداول السلطة هي إما انقلاب فتوة جديد على الفتوة القديم، وإما ثورة الحرافيش على الفتوة فيخلعوه. وفى الحالتين يبقى الحرافيش على أمل أن يجدوا العدل على يد الفتوة الجديد. ونادرا ما وجدوه إلا عندما كان التغيير بأيديهم وبقوا مراقبين محتسبين. وفى الحالتين يبقى الأعيان الأسرع إلى مبايعة الفتوة الجديد والأشرس في الانقلاب على من سبقه والأحرص على كنف الفتوة .. أي فتوة؟ لا يهم. هذا شأن الحرافيش .. وهذا شأن الأعيان .. لم يتغيرا وربما لن يتغيروا. وهذه عبرة التاريخ للفتوات علّهم يتعظون، وهي أن الحرافيش أأمن وأبقى .. وأن الأعيان أخون. يقولون أن التاريخ لا يعيد نفسه، لكنه يقفى .. وأنا أصدقهم. فكروا تصحوا.