«يعني ليه بقيت بلطجي»؟ هذا السؤال الذي تحول لإفيه بين جيل الشباب الآن هو من حوار فيلم «اللي بالي بالك» والذي قدمه الفنان محمد سعد في بدايات نجوميته ككوميديان، وبعيدا عن إمكانية تأويل الفيلم والحكم علي مستواه وكل هذا إلا أن السؤال بصراحة عبقري.. يعني ليه بقيت بلطجي؟ وهو السؤال الذي أصبح يتردد علي ألسنة الكثيرين عندما يشاهدون بلطجيا بحق وحقيقي أو بلطجي «كده وكده»، والبلطجي اللي بحق وحقيقي هو البلطجي الذي يتكسب من ضربه للناس أو يستوقفهم ويقوم بسرقتهم أو اختلاق مشكلات بناء علي «مصلحة» فلوس يعني وعندك البلطجية المشهورين أيام ثورة يناير وخلال شهور المرحلة الانتقالية عندما أطلق البعض علي ثوار محمد محمود ومجلس الوزراء بلطجية – طبعا عارفين مين أطلق عليهم كده – وقال عليهم بيتعاطوا «ترامادول» ما علينا ربنا يزيدهم وبلاش إحنا..! نرجع للبلطجية الحقيقيين، وقد انتشروا في كثير من الأحياء أصبح أي شخص لديه قوة بدنية وخالي شغل «بلطجي يا سيدي» ممكن يهاجم معتصمي ميدان التحرير أو العباسية وفي غمضة عين «فص ملح وداب»، وللعلم فكرة البلطجي في الأصل جاءت من «الفتوة» مش فريد شوقي، فتوات الماضي كانوا مختلفين شوية أفضل من كتب عنهم كان نجيب محفوظ في رواياته «العظيمة» خاصة الحرافيش وقد تحدث محفوظ إلي الكثير من المقربين له حول رؤيته للفتوات خاصة في منطقة الحسين، فلكل حي أو حارة «فتوة» رأي محفوظ كما يروي بعينه الفتوات نوعين «الزفة» وكانت تبدأ بعد منتصف الليل فيستيقظ من النوم علي واحد بيغني والصهبجية يردوا وراه، وحملة الفوانيس يمرون من أمام قسم البوليس في ميدان بيت القاضي وخلال الزفة يعترضها الفتوات لوجود تارات قديمة وتصبح أحسن فرصة للثأر الفرح ينقلب نكدا أما النوع الثاني الذي رآه محفوظ فكان عندما يتفقون الفتوات علي الخروج إلي الخلاء فتوة العطوف مثلا مع فتوة قصر الشوق للخناق لكل فتوة رجالة يشيلوا مقاطف مليئة بالزجاج والطوب ويتجهوا لخلاء «أرض المماليك» وبعد أن يحطم كل منهم الآخر كان يري النتيجة والسيارات تحملهم إلي قسم الجمالية هكذا سرد محفوظ لجمال الغيطاني وسجله الغيطاني في كتابه «مجالس محفوظية». المهم أن الفتوات زمان كانوا جدعان لا يجورون علي مظلوم وعندما انتقل محفوظ للعباسية اشتبكت صورة الفتوة مع صورة شجيع السيما وسمع عن «عرابي» الفتوة الأشهر في تاريخ المنطقة وجاءت نهاية الفتوات في حادثة وقعت في 1930 حيث قام عرابي بضرب ضابط إنجليزي وجرده من ثيابه تماما وذهب الضابط عاريا إلي الداخلية وسرعان ما تم تجريد قوة لضبط عرابي وضرب ضربا مفزعا وانكسرت أسطورته للأبد.. حتي فتح عرابي مقهي في المنطقة ومات. أما اليوم في 2012 فلا تعرف إيه حكاية البلطجي دي، يعني ليه بقيت بلطجي؟، البلطجي الذي أصبح يستثمر في مسلسلات رمضان وفي صفحات الفيس بوك «أساحبي» وفي أداء المواطنين مع بعضهم أثناء أي مشاجرة «إيه يعني انت بلطجي؟». تسأل عن كلمة بلطجي بقي في اللغة العربية تلاقيها: أصلها تركي – سبحان الله يا أخي – في الأساس جاءت من فرقة جيش تركي مهمتها تنظيف ساحة المعركة بعد انتهاء الحرب وكان هؤلاء يحملون «بلطة» لقتل من تكون جراحهم لا يمكن شفاؤها وسلب ما يملكه الأعداء. ولأنني «شريرة» ولا أرغب في مجرد معلومة عن فتوة أو بلطجي والتطور الطبيعي للحاجة الساقعة ده شعرت أننا بالفعل في زمن البلطجية، عدم احترام القانون، القانون يا سادة الذي يجعل أي دولة تتحول لمجتمع متحضر وصحي ومتقدم، ليس مجتمعا صحراويا يعيش أهله علي لبن الماعز» و«قاعدة العرب» ويا بخت من سامح؟ وبغض النظر أنني لا أعرف «سامح مين ده» ولكن البلطجة ليست باليد فقط إنما هي ممارسة فعلية تجور بها علي حق مجتمع يريد أن يسير للأفضل، ممارسة تجعلني أحترم قواعد مجتمع ارتضي بها واحترم قانون الدولة.. ولو فهمتوا حاجة يبقي عليه «العوض»..!