أعرب الدكتور عاطف البنا الفقيه الدستوري عن اعتقاده بأنه لا يصلح أحوال مصر إلا النظام المختلط بين البرلماني والرئاسي، مشيرا إلى أن مصر عاشت 14 ألف سنة في ظل حكم فردي؛ هى 7000 سنة حكما فرديا منذ العهد الفرعوني، ثم كانت ال 60 سنة الأخيرة بمثابة 7000 أخرى من الحكم الفردي الديكتاتوري. جاء ذلك في سياق جلسة للجمعية التأسيسية لصياغة الدستور والتي يترأسها المستشار حسام الغرياني في مقر مجلس الشورى مساء الاثنين، حيث استعرض فيه بعض النماذج من النظم الفرنسية والأمريكية والإنجليزية. وأضاف الفقيه الدستوري في محاضرة ألقاها في جلسة للجمعية التأسيسية لصياغة الدستور برئاسة الدكتور حسام الغرياني :"أننا كنا من قبل نقول إنه لا يصلح أوضاعنا سوى النظام البرلماني، وكفى سلطات للرئيس، لكن رجال السياسة وغيرهم صاروا يوافقون على النظام المختلط حيث يحتاج النظام البرلماني لمتطلبات غير متوفرة من حيث وجود الأحزاب القوية التي تتبادل السلطة مدة أو أكثر، وفي النظام البرلماني وعند التحول من الحكم الفردي بأن يكون الحاكم رمزا فقط، فإن الظروف الاستثنائية جعلتنا نقبل أن يكون للرئيس بعض السلطات". ولفت البنا إلى أنه في النظم المختلطة يكون الشكل البرلماني موجودا ولكن يضاف إليه سلطات للرئيس، كما في المثال الفرنسي، مشيرا إلى أننا وفقا لدستور 71 بمصر، تحول نظام الحكم في مصر من النظام المختلط نظريا إلى نظام حكم فردي، بينما في فرنسا كانت سلطات الرئيس أقل ولم يتحول إلى سلطة مطلقة. واستعرض الدكتور عاطف البنا الفقيه الدستوري بعض خصائص النظام البرلماني، موضحا أنه يتسم بالفصل بين السلطات وفي نفس الوقت بالتعاون فيما بينها بحيث تتدخل السلطة التشريعية في مجال التنفيذ والعكس صحيح أيضا. وأوضح أنه ربما يقدم أعضاء الحكومة اقتراحات بقوانين، وهناك أيضا عملية التصديق على القانون الذي قد يكون تصديقا مطلقا بحيث لا يصدر القانون إلا بموافقة، أو تصديقا يمهد لإصدار القانون، كما أن رئيس الدولة يدعو لأدوار الانعقاد أو فضها، وأعضاء الحكومة يمكن أن يكونوا أعضاء برلمانيين. ولفت البنا إلى أن البرلمان له التدخل في الأعمال التنفيذية، فبعض الأمور التي ليست قانونا بالمعنى الموضوعي يجب أن تعرض على البرلمان لأهميتها السياسية وغيرها مثل إبرام العقود والاتفاقيات فيجب أن تعرض على البرلمان ويوافق عليها. وقال الفقيه الدستوري الدكتور عاطف البنا "إن هناك أيضا وسائل التأثير المتبادل مثل طلبات الإحاطة وتشكيل اللجان وطلب طرح موضوع عام للمناقشة وأقصى وسائل التأثير هي الاستجواب، أما السؤال فهو استيضاح وهو بين السائل والمسئول دون مناقشة عامة". وأضاف "أما الاستجواب فيحمل معنى الاتهام للوزير أو للحكومة كلها وإذا فشل الوزير في الرد على الاستجواب يمكن أن يعتذر الوزير أن يقدم الاستجواب للحكومة بالكامل ثم يمكن سحب الثقة منها ويقابل التعاون بين الحكومة والبرلمان فللحكومة أيضا أن تحل المجلس". وتابع قائلا "وفي ظل النظام البرلماني أيضا فإن رئيس الدولة هو رمزها، وليس له التصرف منفردا أو ربما ليس له التصرف أصلا مثلما في النظام الانجليزي فإن الملك له قراران فقط يمكنه التوقيع عليهما منفردا؛ أولهما قرار تكليف تشكيل الوزارة، ولكنه لا يستقل باتخاذه بل يرتبط بحزب الأغلبية، وقد تكون للرئيس بعض السلطة إذا لم يحصل حزب على الأغلبية فيلجأ لحزب الأكثرية لتأليف الوزارة مع حزب آخر، والقرار الثاني المنفرد هو توقيع استقالته". وأوضح الفقيه الدستوري الدكتور عاطف البنا أن مجلس الوزراء في ظل النظام البرلماني يملك السلطة الفعلية وهو المسئول مسئولية فردية للوزير، وهناك مسئولية تضامنية للدولة كلها والتلازم بين السلطة والمسئولية، كما أن الحكومة ترسم السياسة العامة للدولة والمسئولية فردية وتضامنية، حيث كل وزير مسئول عن سياسة الحكومة كلها. وأضاف "ولمجلس الوزراء خصائص، الأصل أن يكون من حزب الأغلبية البرلمانية ويطلب منه تشكيل الوزارة وقد تحدث مشكلات وتشوهات في النظام مثلما حدث في فرنسا في ظل الجمهوريتين الثالثة والرابعة وعندها قال ديجول /كيف له أن يحكم حزبا يأكل أعضاؤه 200 صنف من الجبن/، وعند وقوع أي مشكلة ينفض الجمع، ثم تقال الحكومة ولا يحدث الاستقرار". وتابع "كما أن الوزارة تكون وحدة واحدة ترسم سياسة عامة للدولة وعليها مسئولة تضامنية، وتكون متجانسة من اتجاه واحد، وتمثل اتجاها واحدا من حزبين متقاربين تآلفا وكونا وزارة، وقد تكون هناك وزارة إدارة أعمال لتسيير الأمور لحين إجراء الانتخابات، أو وزارة ائتلافية وهي ائتلاف حزبين أو أكثر ولا تكون مستقرة بصورة كافية، أو قد تؤلف الوزارة القومية أو وزارة الارتباط المقدس في فترة الأزمات الكبرى التي تتشكل من ائتلاف كل الأحزاب." وأشار البنا - في محاضرته أمام جلسة الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور - إلى أن القرارات الدستورية تكون باسم الرئيس مثلما في دستور 1923 بمصر حين كان الأصل أن النظام برلماني، وكانت الحكومات تأتي بقرارات لصالح الحكومة ولكن باسم الملك الذي يمارس سلطاته عن طريق وزرائه، كما أن أوامر الملك التحريرية والشفوية لا تعفي الوزراء من المسئولية. وقال: "رئيس دويلة، لا أريد ذكر اسمها، جاء لشرم الشيخ، في عهد الرئيس المخلوع، فتعرض بسبب ذلك ل" تأنيب " من برلمانه فكيف له أن يسافر وليس معه رئيس وزراء أو وزير يتحمل مسئولية أقواله أو أفعاله". وأضاف: "وفي بريطانيا عارض تشرشل الملك في الزواج بزوجة سبق لها الزواج عدة مرات، وكان تشرشل صديقا للملك، وقال تشرشل "إذا كان للملك الحق في اختيار قرينته، فللشعب الحق في اختيار ملكته". وأوضح الفقيه الدستوري عاطف البنا في محاضرته التي ألقاها في جلسة الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور- أنه كان هناك اتجاه لتقوية السلطة التنفيذية بسبب الأزمات، ثم بدأ اختلال التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأكثر فترات الاختلال كانت لصالح رئيس الدولة باكتساب السلطات وبأن يكون حكما بين الأحزاب والحكومة والبرلمان، ولكن تطور الأمر بسبب الأزمات وغيرها وتغير النظام ليزيد من دور رئيس الدولة، ويختل التوازن لصالح الرئيس. وأضاف: "وجاءت دساتير أوروبية كثيرة بعد الحرب العالمية الأولى اتجهت لتقوية دور رئيس الدولة وزيادة سلطاته، ويكون الاختلال أحيانا لرئيس الدولة وأحيانا أخرى للبرلمان عند الاتجاه الديمقراطي. وأشار إلى أن هذا يحدث في انجلترا نظريا بزيادة دور البرلمان الذي يوصف بأنه "يملك كل شيء ويفعل كل شيء إلا أن يحول الرجل لامرأة أو العكس"، وهو يمثل الشعب، ولكن في الناحية الواقعية رجحت السلطة التنفيذية بسبب نظام الحزبين الكبيرين، اللذين يتداولان السلطة، بحيث تكون الحكومة مكونة من قيادات الحزب صاحب الثقل البرلماني، كما يندر سحب الثقة من الوزير أو الحكومة كلها وأصبح حل البرلمان نادرا جدا حيث الحكومة من حزب الأغلبية. وتساءل البنا قائلا "عند سقوط حق الحل وسحب الثقة هل يظل النظام برلمانيا؟، ونقول يبقى كذلك طالما بقيت الخصائص الأخرى وهي ثنائية السلطة التنفيذية وأن يكون الرئيس مجرد رمز دون سلطات فعلية إلى حد كبير، أما رسم السياسة العامة للدولة والقرارات الكبرى تكون للحكومة وليس لرئيس الجمهورية، والخاصية الثانية الفصل المرن بين السلطات مع وجود روح تعاون. وقال الدكتور عاطف البنا الفقيه الدستوري أن النظام الرئاسي، عكس النظام البرلماني في الخاصيتين، فليست هناك ثنائية، الرئيس الذي يكون منتخبا من الشعب، يتولى السلطة التنفيذية كلها، والعلاقة بين البرلمان والحكومة ليست فصلا تاما ولا مطلقا للسلطات ولكن إلى حد كبير، لأن النظم القائمة على الفصل بين السلطات لا تقيم فصلا مطلقا، فالعلاقة في النظم الديمقراطية يجب أن تقوم على الفصل بين السلطات. وأشار إلى أن هناك هيئات أخرى تكون معاونة للرئيس فدورها سابق أو لاحق على قرارات الرئيس، أما الرئيس فهو الذي يتخذ القرار، وقد يكون هناك مجلس ويتسبب في ديكتاتورية مجلسه، وفي ظل نظم المجالس المنتخبة التي تتولى جميع السلطات، يقوم المجلس بالتشريع بأن يعين من يتولون التنفيذ والقضاء ويخضعون لأوامره، وهذه تتحول لديكتاتورية المجلس، مثلما حدث في تركيا الأتاتوركية الذي كان نظام حكم مجلسي. وقال أن النظام الرئاسي لا يوجه به مجلس وزراء، ففي أمريكا اعترض 7 وزراء ووافق الرئيس فقال إن سبعة لا وواحد نعم إذن ينتصر قرار الرئيس، كما أن النظام الرئاسي الرئيس يمثل الدولة في سياستها الخارجية وفي كل شيء، كما أن هناك فصلا جامدا بين السلطات، فالتشريعية تستقل بالتشريع ولا تتدخل الحكومة فيها، فلا تقدم اقتراحا ولا غيره، والاستقلال الجامد للبرلمان بالتشريع، ولكن حصل تطور في النصوص مع الواقع، عن طريق رسالة الرئيس للأمة.