من قواعد العمل في مجال إرساء الأسس لعلاقات مدنية عسكرية سليمة في التحول الديمقراطي أنه لا يمكنك إبعاد العسكر عن الوصاية العسكرية على الدستور والدولة والنظام السياسي إذا كنت تفاوضهم كقوة سياسية منفردا، أو فشلت في تكوين جبهة وطنية. التجارب التي نجحت في بند التوافق الوطني تنجح في إرساء مسار قويم للعلاقات المدنية العسكرية بدون أي نوع من الوصاية، والتي عجزت عن بناء التوافق الوطني تفشل في إنجاز ذلك. لماذا؟ أولا: لأنه في حال الاستقطاب السياسي أو الأيديولوجي، تستطيع المؤسسة العسكرية أن تتنقل بين طرف وآخر في بناء تفاهمات وتحالفات مضادة، ويبقى هناك مبرر دائم عند النخبة السياسية وعند الشعب لتدخلها، بسبب الخوف من الفوضى وتغول طرف على طرف أو فقدان الثقة في المدنيين. ثانيا: إن مما تخشاه المؤسسة العسكرية— ويخشاه أنصار الديمقراطية وأي وطني كذلك— أن يتم تسليم الملفات السيادية لفصيل بعينه قبل إنضاج الجسد المهني للدولة، (والذي يكون عنده استعداد للتبعية بشكل تام للنظام السياسي أو السلطة السياسية في نظام الاستبداد)، وقبل تطوير نظام دستوري لايجعل للسلطة التنفيذية حرية مطلقة في إدارة الجيش وشئون الدفاع والأمن. طبعا في النظام الديمقراطي هذه المسئولية المشتركة لا يشترك فيها العسكر— لأنه مؤسسة مهنية وليس سلطة— لكن ينتج التقييد عبر صيغ توازن بين السلطات، وكذلك هذا لا يعفي المؤسسة العسكرية من المسئولية عن وضع سياسي غير مستقر ومتوازن. ثالثا: لأن المنتوج التفاوضي يعتمد على محصلة عاملين: الضغط الشعبي الخام على الأرض، والقدرة السياسية على ترجمته لأثر سياسي عبر التفاوض. والتوافق الوطني يقفز بالاثنين، وأن تتحرك لوحدك وتتفاوض بشكل ثنائي، وتغمّي على من بجوارك ومن معك، وتفقد ثقة شركائك في الوطن، فأنت تخسر الاثنين معا! ***** على هامش الفكرة هناك فارق جوهري بين المظاهرة الجماهيرية، والضغط الجماهيري. كما أن هناك فارق واضح بين الفلكلور الثوري والحالة الثورية. الفرق في الحالة الأولى هو بين التواجد المادي في الشارع وبين الضغط نحو أهداف سياسية واضحة، بحيث لا ينفك إلا بتحقيقها. والفرق في الثانية هو بين مجرد أن تتبنى شعارات الثورة والنزول في فعالياتها، وبين عدم الاعتراف بمفرزات النظام السياسي المستبد واستدامة الضغط وتصعيده والمناورة به والتفاوض (الوطني) عليه لتحقيق الأهداف الثورية العامة. مايمنع أن يتحول الشق الأول في كل معادلة للثاني أسباب عديدة منها: وجود كتل جماهيرية أو أقنية سياسية لا تتبنى حالة الضغط أو الثورة على الترتيب.