في أتون الحصار على غزة عام 2007 انطلقت أول حملة أمريكية للمقاطعة الأكاديمية لإسرائيل والتي حملت اسم "USCACBI" وهي حملة تبناها مجموعة من الأكاديميين الأمريكيين استلهموا في حملتهم –وفقاً لبيانهم الأول—مبادئ حملة المقاطعة ضد نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا ( الأبارتيد) دعماً في تقويض العنصرية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. حيث دعت الحملة إلى اتخاذ إجراءات عقابية غير عنيفة ضد إسرائيل على غرار تلك التي اتخذت ضد جنوب أفريقيا إبان حقبة نظام التفرقة العنصرية. كان أقوي رد فعل لهذه الحملة هو قيام مجلس أمناء جامعة " هامبشير " بسحب استثمارات الجامعة من الشركات التي يعرف عنها إنها تنتفع من الاحتلال الإسرائيلي، مثل شركات " كاتربيلر" و"موتورولا" و"يونايتد تكنولوجيز" و"جنرال إلكتريك "و"أي.تي.تي كوربوريشن"، وكانت المفارقة أن جامعة " هامبشير " كانت هي نفسها أول جامعة تسحب استثماراتها من جنوب أفريقيا خلال حكم التفرقة العنصرية وذلك عام 1977م. هذه الحملة وغيرها من حملات المقاطعة الغربية، تطرح العديد من الأسئلة حول جدوى وأهمية المقاطعة الأكاديمية للكيان الصهيوني، ومدي تأثر الكيان والمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية بهذا النوع من المقاطعة، ورد فعلها اتجاه مثل هذه الدعوات. المقاطعة الأكاديمية الأولي يرجع تاريخ انطلاق أول حملة مقاطعة أكاديمية لإسرائيل في بريطانيا - مع أوج الاجتياحات الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية صيف عام 2002- حين بادر أكاديميان يهوديان بريطانيان هما ستيفن وهيلاري روز بنشر رسالة مفتوحة في صحيفة " الجارديان " البريطانية تحمل 123 توقيعاً لأكاديميين بريطانيين دعوا مؤسسات الثقافة والأبحاث الأوروبية والقومية التي يمولها الإتحاد الأوروبي، ومؤسسات العلوم الأوروبية إلى فرض عقوبات على إسرائيل، من قبيل قطع التمويل عنها ما لم تلتزم إسرائيل بقرارات الأممالمتحدة، وتبدأ بالتحرك الجدي في المفاوضات السلمية مع الفلسطينيين. واكتسب هذا التحرك تأييداً كبيراً, إذ تحولت الرسالة إلى عريضة تحمل1000توقيع من بلدان متعددة، ضمت من بينها توقيع 10 أكاديميين إسرائيليين اثنان من الجامعة العبرية، وثلاثة من جامعة حيفا، وخمسة من جامعة تل أبيب، وأكدت العريضة رفض التعاون الأكاديمي مع المؤسسات الإسرائيلية الرسمية بما فيها الجامعات، كما أكدت عدم المشاركة في مؤتمرات علمية في إسرائيل أو التعاون البحثي أو إعطاء رأي استشاري, لكنها في الوقت نفسه أشارت إلى أن التعامل مع الأكاديميين الإسرائيليين سيتم على أساس فردي. ورافق هذا التحرك دعوة أطلقتها " الجمعية الوطنية لمؤسسات الدراسات العليا " في بريطانيا، دعت فيها كل مؤسساتها إلى إعادة النظر في علاقاتها الأكاديمية مع إسرائيل فورا، ولحقت بها جمعية " أساتذة الجامعات " في بريطانيا التي صوتت لمصلحة مقاطعة تمويل الجامعات الإسرائيلية. كما سجل انخفاض كبير في عدد الأكاديميين البريطانيين المشاركين في مؤتمرات في إسرائيل, في حين امتنع عدد منهم عن التعاطي مع أوراق بحثية لأكاديميين إسرائيليين. ثم توالت المقاطعات الأكاديمية لإسرائيل، وظهرت عدة مبادرات في جامعات أوربية وغربية أخري أبرزها نشاطات المقاطعة في الجامعة الأسترإلىة الوطنية، وجامعة سيدني، وجامعة باريس. الأكاديميين الإسرائيليين والاحتلال معروف في إسرائيل أن جدارُ الفصل العنصري من بنات أفكار علماء الجغرافيا في جامعة حيفا، وخَطَّطَ له مهندسون معماريون بارزون في المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية، ونفّذه مهندسون من معهد " تخنيون ". لذا فإن الأكاديميين الإسرائيليين في غالبيتهم يلعبون دورا مباشراً أو ضمنياً في إدامة الاحتلال, فهم يشتركون في المشروع الاستعماري عبر عملهم مع إدارة الاحتلال أو علاقاتهم مع الأحزاب السياسية أوالإعلام, أو تقديم استشارات وأبحاث للحكومة وأجهزتها العسكرية أو الأمنية أو الخدمة في جهازها القضائي العسكري، أو كأطباء سهلوا عمليات تعذيب السجناء، أو عبر الترويج للاحتلال في أبحاثهم أو محاضراتهم أو منشوراتهم . تقول كريستن شايد وهي باحثة أمريكية مهتمة بشأن المقاطعة، تترجم كل ما يتم نشره عن المقاطعة في مجلة الآداب التي يرأسها زوجها الأديب سماح إدريس رئيس لجنة المقاطعة اللبنانية :" الأكاديميين شأنهم شأن بقية أفراد مجتمعهم، يجلبون القوة البشرية والاعتبار (البرستيج) والدخل وغير ذلك إلى دولتهم، لكنهم أكثر من الأفراد الآخرين؛ غالبا ما يصوغون التبريرات والحجج التي تستند إلىها دولتهم، ويصوغون السياسات التي تتبعها، من خلال ارتباطاتها بالعسكر، وبالأحزاب السياسية، وبوسائل الإعلام، وبالاقتصاد، في بناء سياسة التفرقة العنصرية الإسرائيلية وإدامتها وتبريرها" . تضيف قائلة :" الجامعات الإسرائيلية في بعض الحالات تعزز من وضع المستوطنات، كما هي حالة جامعة بار - ايلان التي توافق على احتساب مواد جامعية ينالها الطالب من جامعات تقع في المستوطنات المخالفة لقرارات الشرعية الدولية، والأسوأ من ذلك كله هو ضلوع أكاديميين أطباء إسرائيليين في تعذيب الفلسطينيين.!! مجلة الآداب اللبنانية التي تتبنى قسماً كاملاً في موقعها على الإنترنت يحمل عنوان " مقاطعة إسرائيل" نشرت أيضاً مقالاً لإيلان پاپه المؤرخ الإسرائيلي الذي هاجر من إسرائيل، وقدم استقالته قبلها من جامعة " حيفا" بعد أن أعلن كفره بالدولة الإسرائيلية تحدث فيه عن أن المؤسسةُ الأكاديميةُ الإسرائيليةُ تتواطأ مع الاحتلال عبر العلوم الإنسانية التي تقدِّمها، فهذه المجموعة من المناهج توصَفُ عادةً بأنّها لُبُّ الحركة المعادية للاحتلال، والغالبيةَ الواسعةَ من أعضاء المجتمع الأكاديمي يصادق على الاحتلال من خلال بناء السرديّة التاريخية والسياسية التي تبرِّر ذلك الاحتلالَ: من الاستشراقيين الذين يَشْرحون أنّ الاحتلال هو أفضلُ طريقةٍ لإدارة "العرب" إلى المؤرِّخين الذي يستأصلون الفلسطينيين من وجود فلسطين، إلى علماء السياسة الذين يقدِّمون السِّقالاتِ البحثية لتدعيم نظامِ "الأپارتهايد العنصري " داخل الدولة إلىهودية. إسرائيل ومواجهة المقاطعة الباحث الإسرائيلي مانفريد جريستين فيلد، كتب مقالتين غاية في الأهمية علي موقع " مركز القدس للشؤون العامة " وهو مركز إسرائيلي للدراسات السياسية والإستراتيجية، المقالة الأولي عن تاريخ المقاطعة ضد إلىهود والكيان الصهيوني، والمقالة الثانية بعنوان " المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل وكيفية مواجهتها " والذي تحدث فيها عن أهمية المواجهة الإسرائيلية لمشروع المقاطعة الأكاديمية. تحدث مانفريد عن مبادرات عديدة وقفت ضد مشروع "المقاطعة الأكاديمية" مثل إنشاء الجامعة العبرية موقعاً علي الإنترنت يدعوا الأكاديميين في أنحاء العالم للوقوف ضد حملات المقاطعة الأكاديمية، وتعاون بعض أصدقاء إسرائيل الأكاديميين لتأسيس الأكاديمية الدولية لأصدقاء إسرائيل (IAFI)، وهي منظمة يرأسها أندرو ماركس، رئيس إدارة الفسيولوجي والبيولوجي في جامعة كولومبيا تسعى لدعم استضافة الاجتماعات العلمية الدولية في إسرائيل، أبرز فيلد دور اللوبي إلىهودي وأهميته في التأثير علي إفشال " مشروع المقاطعة" نتيجة تنفذه في العالم الغربي. كانت النقطة الأهم في مقال مانفريد إشارته إلى أن كبر حجم الدور الملعوب في العالم الغربي ضد إسرائيل يرجع لعدة أسباب أهمها، تعاظم تيار " معاداة السامية " والتي يتخفي وراءها - من وجهة نظره- أنصار مشروع المقاطعة الأكاديمية من أساتذة الجامعات، ثانيها إشارته للهجرة الواسعة للعرب والمسلمين إلى الغرب وتزايد تيار الكره ومعاداة السامية تحت تأثير تزايد أعداد المسلمين والعرب بالدول الأوروبية والغربية. أرجع مانفريد أيضا سبب تزايد موجة العداء لإسرائيل، إلى نفاذ " الرواية الفلسطينية " داخل المجتمع الغربي خصوصاً عند العناصر إلىسارية، العامل الأخر من وجهة نظره هو تزايد " التطرف " في الأوساط الأكاديمية في محاولة لتقويض المجتمع بدلاً من الاتجاه للانفتاح المعرفي. رأي مانفريد أن وقف مشروع " المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل " يتأتي عن طريق تنظيم مظاهرات احتجاجية في الغرب ضد رموز ومؤسسات المقاطعة، واستخدام " اللوبيات الصهيونية " ما أسماها " العلاقات الشخصية " للضغط علي جامعات بها أساتذة " أعداء لإسرائيل " كما وصفهم وحث الأكاديميين للحضور إلى إسرائيل لإظهار دعمهم لها، إضافة لتشجيع محرري المجلات البحثية والعلمية لإدانة المقاطعة الأكاديمية، والضغط أيضاً بهذه " اللوبيات " علي شخصيات مؤثرة ونافذة لإعلان إدانتها لعمليات المقاطعة، من تلك الشخصيات روت إيفانز وهو أستاذ رياضيات بجامعة كإلىفورينا وأحد من يمثلون وجهة النظر الإسرائيلية و المدافعين عنها، والذي كتب مقالاً بموقع الجامعة عنوانه :" ضد المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل " ذكر فيه أن إسرائيل قامت بهجماتها علي الأراضي الفلسطينية كرد فعل للهجمات الانتحارية ضد المواطنين الإسرائيليين، وبالتإلى لا يجوز من وجهة نظره- معاقبة إسرائيل إزاء رد فعلها علي هذه الهجمات. ثم يأخذ إيفانز القارئ لزاوي أخري بعيدا عن إسرائيل، حينما يعاتب المقاطعين ويضع علامة استفهام علي دوافعهم من المقاطعة، ويتساءل لماذا يتم مقاطعة الجامعة العبرية فقط، ولا يتم مقاطعة جامعات صينية، والصين تحتل التبت منذ أكثر من 50 عاماً، أو يتم مقاطعة جامعات تركية وهي محتلة لقبرص، أو مؤسسات أكاديمية سورية ونظام الحكم فيها استبدادي ولديها من المعتقلين المئات والمئات. كما اعتبر ايفانز أن المقاطعة الأكاديمية للمؤسسات التعليمية الإسرائيلية هو شكل من أشكال التمييز علي أساس الجنسية مضيفاً :" هل من المعقول إذا أراد المعارضون لحركة حماس، أن يقاطعوا كل الفلسطينيين من طلبة وهيئة تدريس بجامعة بيرزيت مثلاً لمجرد أن هذه الجامعة فلسطينية، من وجهة نظر الذين يرون أن المقاطعة هي مقاطعة مؤسسات وليس أفراد". مقاطعة الثقافة ..وثقافة المقاطعة أحمد بهاء الدين شعبان عضو لجنة تنسيق الحركة الشعبية المصرية لمقاطعة السلع والشركات الأمريكية والصهيونية، والمقرر المؤقت للحركة الشعبية العربية للمقاطعة اعتبر في بحث له منشور بمجلة الآداب اللبنانية بعنوان " من مقاطعة الثقافة الصهيونية، إلى ثقافة المقاطعة العربية" أن اتفاقية كامب ديفيد أولت اهتماماً واضحاً بإدراج قضايا " التطبيع الثقافي " في مقدمة أشكال التطبيع التي سعت الدولة الصهيونية ومن خلفها وأمامها الولاياتالمتحدة إلى فرضها علي المؤسسات الرسمية المصرية، ومن ثم العربية، ويضيف:" الرئيس الإسرائيلي إسحق نافون أكد علي أهمية هذا العنصر محدداً أن :" تبادل الثقافة والمعرفة لا يقل عن أي ترتيبات سياسية وعسكرية ". وقد استشهد شعبان بمقال تم نشره بمجلة "المصور" المصرية عام 1997م عنوانه :" بنيامين نتنياهو : إعادة تثقيف العرب ضرورة من ضرورات السلام " جاء فيه أن بنيامين نتنياهو هو من صك " إعادة تثقيف العرب" كتوصيف لهذه العملية التي تستهدف إعادة هيكلة الذاكرة العربية لكي تصبح مهيأة للقبول بالمقولات الصهيونية بعد أن لاحظ أن " مصير العلاقات بين العرب وإلىهود سيتحدد في المدارس والجامعات، وفي قاعات تحرير الصحف وفي المساجد". ونبه شعبان إلى نقطة أخري وهي الانتباه إلى عناصر أسماها " الطابور الخامس الفكري" أو " المارينز الثقافي " لعبت دوراً هاماً في " القصف التمهيدي " العنيف والمركز من أجل تهيئة الأجواء الضرورية لتقدم المشروع الأمريكي – الصهيوني للهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية.