"ثورة الأكاديميين الأحرار"، هوالوصف المنطقي الذي يمكن أن نطلقه علي مايجري حاليا في الجامعات الإسرائيلية،حيث برز تيار فكري وأكاديمي في إسرائيل، هو"ما بعد الصهيونية"، يعتبر أن الصهيونية ماتت مع قيام مشروعها (إسرائيل)، وحتي إنه يري أن قيام إسرائيل جريمة أخلاقية وسياسية وقانونية، ويحمل أحيانا اسم "المؤرخون الجدد" في إسرائيل، ويطالبون بإعادة النظر في التاريخ اليهودي وذلك من خلال قراءة نقدية تهدف إلي تعرية كل الأساطير والخرافات التي تحيط به بعيدا عن تمجيد الذات ونظريات المؤامرة ،ويتركز هذا التيار في جامعتي بن جوريون "كبري الجامعات الإسرائيلية" وجامعة حيفا، ويضم رموزا أكاديمية من وزن الأكاديمي الإسرائيلي إيلان بابي أستاذ العلوم السياسية والتاريخ بجامعة حيفا والذي اجبر علي التقاعد بسبب مواقفه المناهضة للصهيونية، ونيف جوردون، محاضر في العلوم السياسية في جامعة بن جوريون ،ثم البروفيسور شلومو زاند، مؤرخ ومحاضر في جامعة تل أبيب، أثار كتابه الأخير "متي وكيف تم اختراع الشعب اليهودي؟" الصادر في (2008)، جدلا واسعا في المجتمع الإسرائيلي علي المستويين الأكاديمي والشعبي،ويبرز في هذا السياق أيضا الدكتورهايو ماير"من أصل ألماني" وكتب رسالة مهمة إلي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يطالبها بوقف كل أشكال الدعم المخصصة لإسرائيل. وهذا التيار يطالب بتصحيح الوضع بقيام دولة المواطنين أو دولة ثنائية القومية،انطلاقا من أن "عهد الصهيونية كدين مجمع للإسرائيليين انتهي".. "النظرية الصهيونية والقيم المرتبطة بها، التي شكلت الصمغ للمجتمع الإسرائيلي تحديدا في سنواته الأولي، لم تعد كذلك".. ويدعو للتدخل لوقف بناء الجدار العازل. ولكي نتعرف أكثر علي تفاصيل هذا التيار وما يتعرض له من اضطهاد تعالوا نتوقف عند مايلي: أولا:تعرض الأكاديمي الإسرائيلي إيلان بابي إلي تهديدات بالقتل، وهو مؤرخ ينتمي إلي تيار المؤرخين الجدد الذين قاموا بإعادة كتابة التاريخ الإسرائيلي وتاريخ الصهيونية. يعتبر إيلان بابيه من أبرز دعاة حل الدولة الواحدة (للقضية الفلسطينية)، كما أنه من مؤيدي مقاطعة المؤسسات التعليمية الإسرائيلية. تعرض إيلان بابيه للكثير من النقد في إسرائيل بسبب تأييده للحقوق الفلسطينية في عودة اللاجئين وفي مقاومة الاحتلال وأضطر إلي الاستقالة كمحاضر رئيسي للعلوم السياسية بجامعة حيفا ومغادرة إسرائيل، بسبب دعوته لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية، وتأكيداته بأن إسرائيل مارست التطهير العرقي ضد العرب، وإدانته للأوساط الأكاديمية في بلاده لتبريرها احتلال فلسطين، مما جعل منه شخصا منبوذا في إسرائيل،ويعمل بابي كأستاذ تاريخ بجامعة "إكيستير" البريطانية،وقد التقته محطة "آي بي أس"في أثينا فقال"ما أزال أعتقد أن أسوأ لحظة كانت 1948 وعمليات التطهير العرقي، ومع ذلك فإنها (المرحلة الراهنة) سيئة جدا. إنها المراحل الأخيرة لمساعي إسرائيل الأحادية لتقسيم الضفة الغربية إلي جزئين: واحد يلحق بإسرائيل، والأخر يصبح معسكر اعتقال كبير أو "باتتوستان" في أفضل الأحوال،الوضع في غزه أسوأ، حيث "السجن" قائم بالفعل. وبسبب مقاومة الفلسطينيين لحالة السجن هذه، تشن إسرائيل سياسة قتل جماعي متصاعدة. يبدو أن العالم غير مبالي، والعالم العربي غير مكترث. وعندما سألته المحطة:في زيارته الأخيرة للمنطقة، وصف الرئيس الأمريكي جورج بوش إسرائيل بأنها مثال للتقدم والديمقراطية في الشرق الأوسط. إلي أي حد كان موضوعيا؟. رد بابي: مجتمع يبقي 40 عاما من إحتلال شعب آخر لا يمكن أن يكون مجتمعا ليبراليا. ومجتمع يمارس التمييز ضد 20 في المائة من سكانه لأنهم ليسوا يهودا، لا يمكن وصفه بأنه مجتمع تقدمي،المشكلة في إسرائيل ليست الدين أو التقاليد، وإنما دور الصهيونية وهي بوضوح إيديولوجية الاستبعاد والعنصرية والطرد رسالة الي ميركل ثانيا وجه الدكتورهايو ماير رسالة إلي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تكشف عن أفكاره المعادية لأهل الحكم في تل أبيب جاء فيها"السيدة المستشارة أنجيلا ميركل المحترمة:أكتب إليك هذه الرسالة كزميلة لي في المهنة لأنني أنا كذلك مثلك درست الفيزياء النظرية الحديثة وأنهيتها بشهادة الدكتوراه وعملت كمدير للبحوث في مختبرات شركة فيليبس الهولندية لمدة عشر سنوات وذلك إلي عام 1984 ولكن الفرق بيننا كبير جدا لأن حياتي تختلف كثيراً عن حياتك. فأنا يهودي ومن القلائل الذين نجوا من محرقة أوشفيتس النازية التي كنت معتقلا فيها لمدة عشرة أشهر. وبدون مبالغة أود أن أعلمك ,سيدتي المستشارة, بأنني عشت الاضطهاد والحقد العنصري بكل مرارتهما وأنني أعرف ما معني أن يكون الإنسان منبوذا ومذلولا ومحروما من التعليم ومن أبسط متطلبات العيش الكريم. هل تعلمين بأنني عندما كنت في سن الرابعة عشرة من عمري اضطررت إلي الهجرة إلي هولندا لأنني لم أستطع أن أكمل تعليمي الثانوي في ألمانيا كطالب يهودي. وهنالك في هولندا عشت خمس سنوات تحت الاحتلال النازي. تجربتي هذه تجعلني أشعر بما يشعر به الشعب الفلسطيني اليوم من معاناة واضطهاد وتنكيل ومجازر علي أيدي الصهاينة. وهنا تفترق طرقنا عن بعضها البعض وتختلف مواقفنا كليا بإتجاه الشعب الفلسطيني. هل تعلمين سيدة ميركل أن علاقة الصهيونية باليهودية تشبه علاقة النازية بألمانيا،حتي ولو ادعي الصهاينة بأنهم يهودا، فالديانة اليهودية بريئة منهم".وبطبيعة الحال فان المستشارة الألمانية لم تجرؤ في الرد علي الرسالة خشية اتهامها بمعاداة السامية. دولة الابارتهايد ثالثا:نيف جوردون، محاضر في العلوم السياسية في جامعة بن جوريون الإسرائيلية، يكتب في صحيفة لوس أنجلوس تايمز مقالا يصف فيه إسرائيل بدولة الفصل العنصري-الأبارتهايد- ويدعو إلي مقاطعتها دوليا. جوردون الذي كان قد ألف كتابا عن الاحتلال الإسرائيلي، بات مقتنعا اليوم أن الوسيلة الوحيدة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي هي زيادة الضغط علي إسرائيل ومقاطعتها دوليا وذلك بعد فشل كل المساعي الدولية الأخيرة في إنهاء الاحتلال. في بداية مقاله يكتب جوردون، "ليس من السهل علي كمواطن إسرائيلي دعوة حكومات أجنبية، سلطات إقليمية، حركات اجتماعية دولية، منظمات دينية، نقابات ومواطنين، لوقف تعاونهم مع إسرائيل. لكنَ إسرائيل قد وصلت إلي مفترق طرق تاريخي وأزمة حقيقية تستدعي اتخاذ خطوات أكثر جذرية. أقول ذلك كيهودي قرر تربية ابنيه في إسرائيل، كعضو في معسكر السلام منذ ثلاثين سنة وكمن يشعر بالجزع الشديد لمستقبل هذه الدولة." ويقترح جوردون وسيلتين لإنهاء نظام الأبارتهايد في إسرائيل: الأولي حل الدولة الواحدة، أي منح الجنسية لجميع الفلسطينيين من خلال إنشاء دولة ديمقراطية ثنائية القومية في كل المنطقة الخاضعة لإسرائيل، مما يعني إلغاء فكرة يهودية الدولة، وهي مسألة تبدو في نظر كثير من الإسرائيليين من المحرمات السياسية. الوسيلة الثانية، إنهاء سياسة التمييز العنصري التي تنتهجها الدولة عن طريق حل الدولتين وانسحاب إسرائيل إلي حدود ما قبل 1967، مع احتمال عملية تبادل في الأراضي، وتقسيم القدس والاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة. ويتابع جوردون، " ما دامت الجهود الدولية المتواصلة لم تجد نفعا بخصوص الانسحاب من الأراضي المحتلة ولا حتي تجميد المستوطنات، فإنه ليس من وسيلة أخري لتحقيق ذلك سوي مزيد من الضغط الدولي علي إسرائيل كي لا يضطر الجيل القادم من إسرائيليين وفلسطينيين، وابني كذلك، للعيش في ظل نظام أبارتهايد". ويضيف جوردون أن "ما دفعه علي التحرك في هذه الاتجاه هو قناعته بأن إسرائيل في طريقها إلي إقامة نظام أبارتهايد وليس إلي حل الدولتين". معركة داخل أسوار الجامعة وفي ردها علي تصريحات جوردون، شجبت رفقة كارمي رئيسة جامعة بن جوريون المقال بشدة بوصفه تعدي حدود حرية التعبير الأكاديمية وتجاوزا لكل الخطوط الحمراء. وأضافت أن جامعة بن جوريون هي جامعة صهيونية أُنشئت لتحقيق حلم دافيد بن جوريون بإنشاء الدولة اليهودية وتطوير منطقة النقب. وعلي من يحمل مثل هذه الأفكار (الواردة في مقال جوردون) أن يبحث لنفسه عن مكان آخر." واشتعلت المعركة الأكاديمية إذ انضم بروفيسور شلومو زاند، مؤرخ إسرائيلي ومحاضر في جامعة تل أبيب، أثار كتابه الأخير "متي وكيف تم اختراع الشعب اليهودي؟" الصادر في (2008)، جدلا واسعا في المجتمع الإسرائيلي علي المستويين الأكاديمي والشعبي. في هذا الكتاب أخذ زاند علي عاتقه مسئولية التصدي لأسئلة لا تزال تعتبر من المحرمات في المجتمع الإسرائيلي، أسئلة بالغة الحساسية حول أصل اليهود وجذورهم التاريخية، كتاب زاند أشبه بعملية "حفر" في المصادر اليهودية وغير اليهودية قادته إلي الاستنتاج بأن "التاريخ اليهودي" يقوم علي مجموعة من الأساطير المختلقة وفي مقدمتها تهجير اليهود بالقوة من أرض فلسطين بعد تدمير الهيكل الثاني علي أيدي الرومان. في مقال له علي موقع صحيفة يديعوت أحرونوت علي الإنترنت، بتاريخ 27 أغسطس2009 بعنوان "جامعة بن جوريون: جامعة صهيونية؟"، وجَه زاند نقدا لاذعا لموقف رئيسة الجامعة مؤكدا علي أن جامعة بن جوريون هي جامعة إسرائيلية وليست صهيونية كما تزعم رئيسة الجامعة. واعتبر زاند أن وصف جامعة بن جوريون بالصهيونية لا يختلف عن موقف رؤساء الجامعات في الاتحاد السوفييتي من حيث اعتبار جامعاتهم شيوعية. واستهجن زاند أن يصدر مثل هذا الموقف عن جامعة بن جوريون التي تضم نسبة عالية من الأكاديميين "غير الصهاينة"، واعتبر أن موقف رئيسة الجامعة يزيد من إقصاء هذه الفئة من الأكاديميين التي لا تعتبر نفسها "صهيونية"، كما ودعا رؤساء الجامعات في إسرائيل إلي شجب موقف زميلتهم من جامعة بن جوريون. مقاطعة فنية ويتفق زاند مع جوردون بأن إسرائيل هي دولة أبارتهايد، فذلك في رأيه هو الوصف الأكثر دقة للأساليب التي تتبعها إسرائيل في المناطق المحتلة. وجاء قرار جوردون بدعم المقاطعة احتجاجا علي نظام "الفصل العنصري" الذي تتبعه إسرائيل وتلبية للدعوة التي أطلقها نشطاء سياسيون فلسطينيون في يوليو 2005 والتي تلقي تأييدا واسعا علي مستوي العالم، والتي تدعو إسرائيل إلي احترام المواثيق الدولية، وحصول الفلسطينيون علي حقهم في تقرير المصير. وكان تجمع لمنظمات دولية في بلباو في إسبانيا قد تبني في عام 2008 حملة "العشر نقاط" ودعا إلي مقاطعة المؤسسات الإسرائيلية وكل من يساهم في بقاء الاحتلال، وتشجيع فنانين عالميين علي لفت أنظار العالم إلي بشاعة الاحتلال، وكان منهم الفنان العالمي ليونارد كوهين الذي أقام حفلا وخصص دخله لغزة والضفة فهاجت عليه الصحف العبرية لكنه كان شجاعا وأعرب عن رفضه الاستيطان في أراض تحت الاحتلال، وفي سياق متصل، قامت منظمة Oxfam العالمية لمحاربة الفقر والظلم بقطع علاقاتها مع بعض الفنانين بعد أن شاركوا في الدعاية لمنتجات تجميل صنعت في المناطق المحتلة الأمر الذي جعل الصحافة الاسرئيلية تطلق وصف"ثورة الأكاديميين الأحرار"، علي ما يحدث مؤخرا في الجامعات الإسرائيلية.