لا يزال مسلسل تقسيم التيارات في مصر مستمراً، فبعد أن شهدت مصر في الآونة الأخيرة انقسام حاد في التيارات والتوجهات السياسية للعديد من الأحزاب، أطل علينا الدكتور عمرو خالد بحزب جديد يسطع في الأفق السياسي. المشهد "التفتتي" - إن جاز التعبير - ليس جديدا على السياسة المصرية فقد اعتادت الكتل السياسية على التشرذم والتحلل، ليظل الموقف السياسي دوماً للأحزاب المصرية ضعيفاً وبلا أي تأثير على الرأي العام وبلا أي هيبة على الحكومات المتلاحقة، ويبدو أن الوضع لم يتحسن كثيرا في أعقاب الثورة، فبدلاً من تجمع التيارات السياسية في كتل موحدة تخدم التعددية الحزبية والفكرية، أصبح الانقسام هو السمة الرئيسية .. لتتحول الأحزاب إلى عبء أكثر ثقلاً من ذي قبل على كاهل الحياة السياسية في مصر. الكتلة الإشتراكية .. انقسام ثم انقسام يليه انقسام بعد أن رفعت الحقبة الناصرية شعار "حرية .. اشتراكية .. وحدة" واستمر هذا الشعار لفترة تجاوزت العقد من الزمن، تحول أنصار الاشتراكية وأنصار عبد الناصر إلى عبء على الوحدة التي نادوا بتحقيقها. أعاد الرئيس الراحل أنور السادات عام 1978 إنشاء الأحزاب وكان من بينها "حزب التجمع" اليساري الذي ضم في طياته الاشتراكيين والشيوعيين والناصريين .. وكانت تلك هي آخر مرة يجتمع فيها "أنصار اليسار" تحت مظلة واحدة. انقسمت الكتلة اليسارية بعد ذلك إلى أحزاب وتيارات فما بين أحزاب (التجمع ، العربي الناصري، الكرامة، الأمة، الوفاق، العمل، مصر العربي الاشتراكي، وحزب الأحرار الاشتراكيين) .. ضاعت الاشتراكية أو أوشكت .. لتخسر مصر كتلة ثورية يمكن أن تحقق باتحادها زخماً سياسياً قوياً. الليبرالية .. هدف واحد وألف ألف طريق على الرغم من أن التيار الليبرالي يحمل منهاجاً سياسياً واحداً إلا أن الانفصالات توالت على رأس الليبرالية المصرية. ويعتبر حزب الوفد أقدم حزب ليبرالي في مصر، وبدلا من اتحاد الليبراليين تحت راية واحدة - أيا كانت الخلافات والاختلافات - إلا أن ما حدث كان العكس، فقد تم إنشاء العديد من الأحزاب التي تحمل ذات المنهج .. فعلى سبيل المثال أنشيء حزب مصر الحرية وحزب المصريين الأحرار، حزب الغد، حزب الغد الجديد، حزب الجبهة الديمقراطي وأخيراً حزب الدستور (تحت التأسيس) .. لتبدو رئاسة الأحزاب كمهنة لمن لا مهنة له وبابا للرزق والشهرة .. لا بابا لخدمة العمل العام في مصر. الإسلاميون .. وتتوالى الانقسامات عقب ثورة 25 يناير، انجرف التيار الإسلامي إلى العديد من الانقسامات .. الحرية والعدالة، النور، الوسط، الفضيلة، الأصالة، الإصلاح والنهضة، التغيير والتنمية، كلها أحزاب ذات مرجعية إسلامية قد تختلف في نقاط تفصيلية إلا أن المرجعية واحدة والهدف واحد ونقاط الاختلاف طفيفة. ولم يكتف انقسام التيار عند هذا الحد فقد خرج علينا الداعية الإسلامي عمرو خالد - الذي لم يعمل بالسياسية شهرا ولم يتحدث بها يوما - بحزب "سياسي" تحت اسم "مصر المستقبل" لن يبتعد كثيراً عن نفس بذرة المرجعية الإسلامية لكنه سيبتعد بلا شك عن ثقافة لم الشمل وتقريب وجهات النظر. ورغم أحقية أي شخص في مصر في إنشاء وتكوين الأحزاب، إلا أن الواقع المصري يؤكد عدم وجود فوارق واسعة بين الأحزاب الرئيسية في الكتل المختلفة (اشتراكي - ليبرالي - إسلامي)، فليس هناك خلافاً واسعاً في الأيدلوجية الفكرية .. فقط أحزاب متشابهة بل متماثلة، مريضة أو على وشك الموت. أيها السادة رؤساء الأحزاب وأصحاب الصوت القوي في تفرقة الصفوف .. كيف تعلمون أجيالاً من بعدكم أن في الاتحاد قوة وأنتم لم تتحدوا .. كيف نتعلم منكم إنكار الذات وأنتم لا تنكرون ذواتكم .. كيف تدفعون عجلة الديمقراطية إلى الأمام وكل منكم يبحث عن مصلحة شخصية ومكاسب نفعية.. كيف نتخذكم مثلا أعلى نحذو حذوه وأنتم تهدرون طاقتنا .. وتضيعون أصواتنا هباءً. أيها السادة .. ساووا الصفوف فإن في تسوية الصفوف تمام الصلاة .. واستغفروه يغفر لكم.