ساء كثيرا من المتابعين الصورة الغوغائية والعدمية (وربما العبثية أيضا) التي ظهر بها أمس الأستاذ خالد علي المرشح الرئاسي السابق والمناضل الواعد المدافع عن حقوق الفقراء والمستضعفين في الأرض، الذي كان قد أثار كثيرا من الانطباعات الإيجابية والتوقعات له بأن يفوز بأصوات الأغلبية في انتخابات الرئاسة في المستقبل (بافتراض أنها سوف تجرى مرة أخرى). فقد ظهر المرشح الفاضل في ميدان التحرير محمولا على أعناق أو أكتاف بعض الأفراد (ولا نقول الغوغاء) رغم غوغائية المشهد وديماغوجية الخطاب، الذي سمعناه منه ومن الهتّيفة تحته وحوله، ومفادها المطالبة بإلغاء الجولة الثانية من الانتخابات والعودة للتصعيد الثوري، وهو مطلب كان معقولا قبل استدراج الثوار إلى اللعبة الانتخابية القانونية التي تم العبث والتلاعب بها بمهارة. هذ المطالب العبثية—باعتبار لحظة وسياق المطالبة بها— ما كان له أن يطالب بها بعد أن دخل السباق الرئاسي واعترف بقواعد ونتائج لعبته سلفا، مما يجعل مطالباته ليلة الأمس غاية في الطفولية والعبثية. ثم تفاقم الأمر أكثر عندما أعلن بعض الحاضرين عن اعتصام مفتوح في ميدان التحرير بينما كانت تهاجمهم قطعان البلطجية، مما يعيد الحراك الثوري لحالة الانفرادية والطفولية اللاعقلانية التي شوهت الثورة وأحبطت العملية الثورية وعرّضت الثوار لانتكاسات لا ضرورة لها. من المحاذير التي يخشى منها على المرشح الواعد أن يتورط في سياق ما يسمى بتشكيل التيار المدني في الاصطفاف مع قوى لا تريد ثورة ولا تغييرا حقيقيا، بل تريد تحويل التناقض القائم بين الثورة وفلول النظام السابق إلى تناقض مصطنع بين قوى الثورة ذات المرجعية الإسلامية والقوى الثورية الوطنية الأخرى. فتصبح المعركة داخل معسكر الثورة، وبدأ التعبير عن هذا التوجه المغرض بالشعار الرافض لثنائية "الفاشية العسكرية" و"الفاشية الدينية"، مع أن استخدام مصطلح الفاشية في غير السياق الأوروبي افتئات على العلم والتفكير العلمي، لأن الفاشية تجربة وخبرة واستعداد أوروبي خالص، كما هي العلمانية أيضا. ينبغي أن يعِيَ المرشح الفاضل ومن يقف موقفه خطورة إثارة مسألة الهوية والانتماء وإضرارها بمن يثيرها، فلن تقبل الجماهير المصرية زعيما يحاول استعداءها على هويتها الحضارية الراسخة، وأن أي رؤية سياسية مفارقة لأسس وقيم ومثل الحضارة العربية الإسلامية (وهي لا تختلف جوهريا عن نظيراتها في المسيحية وحضارات التوحيد) لن يكون لها أفق في المستقبل القريب أو البعيد. آمل أن يعي المرشح الفاضل وأضرابه هذا الدرس قبل أن تهوي بهم وبالثورة الريح في مكان سحيق.