تناقش هذه المساهمة قضية النضال السياسي باعتباره وسطا جدليا بين التربية والعنف. فقد طرحت الحركة الإسلامية أساليب عمل مختلفة منها: - الحض على مكارم الأخلاق عبر الدعوة إليها. - بناء الشخص المسلم في مجموعات داخل المساجد وبمعزل عن الجماهير. - دعوة الجماهير بوهم أنها قادرة على تنظيم كل الشعب أو 75 % منه كما جاء في بعض الكتابات وذلك لصنع الصف المسلم. - العمل كبديل للجماهير وليس كقيادة لها. وهكذا وبصرف النظر عن مدى انطباق ذلك بالكامل أو انطباقًا هندسيًا على واقع الحركة الإسلامية، وبصرف النظر عن ظروف الضربات القاسية والتصفيات الرهيبة والمعاملة الوحشية التي لاقاها أبناء الحركة الإسلامية. فإنه لابد من وقفة مع تلك المقولات والتي تجعل المرء المسلم في ممارسة للنقد والنقد الذاتي يقف بالكامل مع أسلوب النضال السياسي. أسلوب النضال السياسي بالمعنى الإسلامي إن الله سبحانه وتعالى حين خلق الأرض وجعل الإنسان خليفة لها، فإنه سبحانه قد صممها بشكل رباني مكتملة الحكمة وملبية حاجات الإنسان, وبالمقابل فإنه أعطى الإنسان العقل وجعله قادرًا على الخلافة في الأرض وزوده بكل ما يحتاج إليه في تلك الخلافة. لقد أبدع الخالق سبحانه الكون كله وسخره خدمة الإنسان من ناحية وليقود الإنسان بساطة شديدة إلى الله في كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون.. إن كل ما في هذا الكون يقود إلى الله. ووهب الإنسان عقله الذي يستطيع به وبسهولة تامة الوصول إلى الله ومعرفته. وهكذا فإن الكون والعقل معًا يقودان إلى الله. ولم تقتصر إرادة الحق سبحانه وتعالى على ذلك، بل إن الله قد أودع في فطرة الإنسان وجود الله، وأخذ عليه ميثاقًا قبل أن يستخلفه في الأرض [{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ]}. كما أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر الإنسان من فترة إلى أخرى بذلك الميثاق عبر الأنبياء والكتب السماوية والعلماء الذين يدعون إلى الله. وهكذا فإن الله سبحانه وتعالى قد أقام على الناس الحجة الكاملة، ولكن القوى الشيطانية وبالمقابل وضمن سنن الله سبحانه وتعالى كان عليها أن تحاول منع الإنسان من الوصول إلى الله. ولما كان العقل والكون وكل شيء يقود إلى الله، وأن التفكير الحر البسيط يقود إلى منهج الله ببساطة شديدة فإن القوى الشيطانية قد حددت دورها في: منع الإنسان من حرية التفكير— وحرية المناقشة ومختلف الحريات السياسية — حتى لا يسمع الإنسان إلا صوتًا واحدًا وهو صوت الضلال، ذلك أن تلك القوى تدرك أن إطلاق حرية الإنسان سوف يقود إلى اختيار الإنسان لطريق الله سبحانه وتعالى. بناء على ذلك، يترتب على القوى الإسلامية أن تقف مع إطلاق كافة الحريات السياسية، لأن ذلك يقود الجماهير إلى الله. من ناحية أخرى، يؤدي قمع الإنسان اقتصاديًا وحرمانه من حقوقه، ودعم الطبقات المستغلة التي تمنع الإنسان، بما أنه غارق في تأمين لقمة عيشه، إلى الحيلولة دون لوصول إلى الله. بالتالي فإن القوى الإسلامية تتصدى لكافة أشكال الظلم الاقتصادي مدركة أن تحقيق العدالة الاقتصادية يحرر الإنسان يدفعه في طريق الله. كما أن إغراق الإنسان في الضلالات الاجتماعية المختلفة يعوقه عن الوصول إلى الله مثل الدعوات القومية والعرقية والعنصرية والتعصب للوطن أو العائلة والقبيلة، ولذا فإن القوى الإسلامية عليها أن تسقط كل تلك الانتماءات وتحرر الجماهير منها. وبالتالي فإن فهم دور الحركة الإسلامية التي عليها أن تزيل كل تلك العقبات ثم تترك للناس حرية الاختيار. وهكذا فان أسلوب النضال السياسي، والتصدي مباشرة لمعالجة الجذور وبالتالي الوقوف بصلابة مع: إطلاق حق الجماهير في التفكير والمناقشة والحق الاجتماعي وحق التظاهر وحق إصدار الصحف وحق إقامة التنظيمات العلنية المستقلة، الوقوف بصلابة مع الفقراء والدعوة إلى العدالة الاقتصادية،وحق كل إنسان في المأكل والمشرب والمسكن والمواصلات. االنضال ضد كل أساليب التجهيل من دعوات وطنية أو قومية أو قبلية أنه بإسقاط الاستبداد السياسي والظلم الاقتصادي والتجهيل الاجتماعي فنحن في الحقيقة ندعو الناس إلى الإيمان بالإسلام بيسر وسهولة، مع الأخذ في الاعتبار أن انحدار الأخلاق ما هي إلا نتائج، وأن الإصلاح الصحيح يبدأ من الجذور فالإسلام أصلاً تحرير الإنسان من كافة القيود السياسية والاجتماعية وتركه يختار بحرية. والحقيقة أن الدعوة الإسلامية موجهة أساسًا لكل الناس وعلى الجميع أن يدركوا أنهم ليسوا فرقة جديدة بل عليهم أن يناضلوا مع الجماهير في مشاكلهم اليومية، وأن يلتحموا بها كأعمق ما يكون الالتحام، وأيضًا رفض مسألة تكفير الناس. فقبل أن نحكم على الناس.. علينا أن نحررهم من كل العوائق والسدود ثم نحكم عليهم.