كنت أقوم بالتدريس في إحدي الجامعات بدولة عربية. فطرحت علي طالباتي سؤالا عن العقل الذي يخاطبه الإسلام وعن أهمية التفكير والتفكر كوسيلة للمعرفة ثم الابتكار والاختراع والتطوير؟.. وسألت عن دور العقل في التكليف؟ وكيف يكون الإنسان المسلم بصيرًا بكل ما يسمع ويري؟ ودار الحديث عن أن المسلم العاقل المدرك الواعي قد فرض الله عليه أن يفكر ويتفكر ويتدبر ويتبصر ولا ينقاد إلا إلي ما يراه حقا. وكنت أحثهن علي حرية الفكر والوعي. وأن حرية الفكر تظل محكومة بما شرعه الله. وأمر به. مبتعدا عما نهي الله. كما نبهت إلي خطورة جمود العقل وتوقفه عن التفكير وإعماله فيما لا ينفع البشرية. ذلك الجمود الذي يورث التخلف والجهل والتأخر. كما نبهت علي أن تعطيل العقل مرضاة لمخلوق. أو خوفا منه أمر لا يقبله الإسلام.. وانتهت المحاضرة وفي اليوم التالي إذا بولي أمر إحدي الطالبات أتي يشكوني. لأني أسعي لتفتيح عقول البنات. وقال إننا نريد بناتنا هكذا. يدرسن ويحفظن الدروس ولا يفكرن. لأن البنات لو فكرن سوف يتمردن علينا.. هكذا نظر الأب إلي دعوتي للتفكير وتفتيح العقول. كان هذا الموقف دافعا لكي أقوم بعمل محاضرة عامة في الكلية أدافع عن العقل الذي خاطبه الله سبحانه وتعالي ذلك العقل الوازع والعقل المدرك والعقل الحكيم. والعقل الرشيد. وذلك العقل الذي يعصم الضمير ويدرك الحقائق ويميز بين الأشياء. فقد أمر الله سبحانه وتعالي المسلم أن يعمل بالعقل. لأن من خصائص العقل أنه يتأمل فيما يدركه ويقلبه علي وجوهه ويستخرج من بواطنه وأسراره ويبني عليها نتائجه وأحكامه وآيات القرآن الكريم دائما ما تخاطب العقل وتؤكد علي أن المؤمنين هم من يعقلون نتذكر قوله تعالي من سورة المؤمنين "وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون". وقوله "كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون" وغير ذلك من آيات يخاطب الله سبحانه وتعالي العقل الوازع. كما يوجد العديد من الآيات القرآنية التي تبتديء بالزجر وتنتهي إلي التركيز بالعقل. لأنه موطن الهداية ومركز الضمير الإنساني يقول تعالي: "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون" هذا الخطاب المتكرر للعقل الوازع الرشيد. حيث لا نقص ولا اختلال. كما يتوجه الخطاب القرآني إلي ذوي الألباب فيخص "اللب" هذا العقل المدرك الفاهم الواعي. يقول تعالي "والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب" فإن أولي الألباب الراسخين في العلم هم الذين آمنوا بعد إدراكهم الحق. فإنهم هم "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب" فإن اللب الذي يخاطبه الله سبحانه هو ذلك العقل الذي يتلقي الآيات في الكون والمخلوقات فيتعظ. وتأتي الآيات بكلمات تحمل معاني متعددة تدور كلها حول: الفكر والنظر. والبصر. والتدبر. والاعتبار. والذكر. والعلم. وسائر الملكات الذهنية يقول الله تعالي: "قل هل يستوي الأعمي والبصير أفلا تتفكرون" وقوله تعالي: "قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون" فإذا كنا نحن المسلمين قد تركنا ساحة الفكر التي تدفع للابتكار والتطوير وجمدنا عقولنا زمنا طويلا. ظنا منا أن الوفاء لتراث الأجداد يستوجب أن نظل دائما نعمل بفكرهم وبعقولهم وأن تكون أعيننا دائما متحولة إلي الخلف. نتأمل ما قاموا به من أمجاد. ونكتفي بأن نحتفي بإبداعاتهم. إنها النظرة القاصرة. إن من حاولوا الإبداع بعد ذلك منذ عصر النهضة قاموا بخطوات حثيثة يعلون شأن العقل والتفكير في مجالات متواضعة للتطوير والتدحيث. ولكن نداءاتهم تلك قد ضاعت في خضم الجمود والتخلف والجهل الذي أصاب المجتمع الإسلامي. وإذا بكوكبة جديدة من المفكرين تحاول الآن في هذا العصر أن تعيد للإسلام مجده التليد تعيد للمسلم حقه في التفكير والتطوير والتحديث نستطيع القول إننا نبدأ الآن العصر الذهبي للفكر الإسلامي الرشيد ورغم وجود كثير من المعوقات والمؤامرات الخارجية التي تستهدف الإسلام فإن العزم معقود بإذن الله علي تخطي الصعاب وتحقيق الآمال إذا اتجهت خطواتنا نحو العمل الجاد المخلص في مجتمع يؤمن ولاة الأمر فيه بأهمية الأخذ بأساليب العلم الحديثة والتوسع في استخدام تكنولوجيا المعرفة في جميع المجالات إن العالم يتطور أمام أعيننا في كل ثانية تمر من الزمن وكتابنا العزيز يحثنا علي العمل وإعمال العمل ولا ينقصنا سوي الامتثال لأمر الله.