إحدي مزايا القرآن الكريم الكثيرة والواضحة التي يقل فيها الخلاف بين المسلمين وغير المسلمين لأنها تثبت من الآيات ما تؤيده أرقام الحسابات ودلالات اللفظ قبل الرجوع إلي المناقشات والمذاهب التي تختلف فيها الآراء. .. وتلك المزية هي التنويه بالعقل والتعويل عليه والذي ذكره القرآن في مقام التعظيم والتنبيه إلي وجوب العمل به والعودة إليه وهذا ما تضمنه كتاب التفكير فريضة إسلامية للراحل عباس محمود العقاد وأكد فيه أن فريضة التفكير في القرآن الكريم تشمل العقل الانساني بكل ما احتواه من وظائف بجميع خصائصها ومدلولاتها وايدتها الآيات المتعددة ومنها قول الله تعالي وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون ومنها ما يخاطب العقل كقوله عز وجل وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ومن آيات القرآن ما يعد بيانا لأسباب الشقاق والتدابر بين الامم كما جاء في قول الله سبحانه تحسبهم جميعا وقلوبهم شتي ذلك بأنهم قوم لا يعقلون وهذا وغيره خلافا للآيات الكثيرة التي تبتدئ بالزجر وتنتهي إلي التذكير بالعقل باعتباره خير مرجع للهداية في ضمير الانسان كقوله تعالي أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون وبهذه الآيات وما جري مجراها تقررت فريضة التفكير في الإسلام وتبين منها كما يقول مؤلف الكتاب عباس العقاد أن العقل الذي يخاطبه الاسلام هو الذي يعصم الضمير ويدرك الحقائق ويميز بين الامور ويوازن بين الاضرار ويتبصر ويتدبر ويحسن الادراك والروية ويبدو فضل الحكمة والرشد علي مجرد العقل والفهم من آيات متعددة في كتاب الله يدل عليها قوله تعالي ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ويدل عليها أن الأنبياء يطلبون الرشد ويبتغون علما به من عباد الله الصالحين كما جاء في قصة موسي واستاذه عليهما السلام. والدين الاسلامي لا يعرف الكهانة ولا يفرض علي الانسان قربانا وخطابه يلزم كل إنسان طائره في عنقه ويحاسبه بعلمه فلا يؤخذ أحد بعمل غيره طبقا لقوله تعالي ولاتزر وازرة وزر أخري وحيث يكون العمل بالعقل من أوامر الخالق يمتنع علي المخلوق أن يعطل عقله مرضاة لمخلوق مثله أو خوفا منه. وقوام الأمور كلها في جميع التكاليف أن النفس تحاسب علي ما تستطيع ولا تؤمر بغير ما تطيق ولا خير للأفراد في عيشة يقف فيها خير الفرد وشره عند بابه, ولا يعمل فيها حساب شركائه في بيئته فلا تناقض بين أمر الفرد بالعقل والتفكير والعقل, كما يخاطب به أفرادها متفرقين.. وصفوة القول أن الاسلام لا يعذر العقل الذي يتخلي عن حق الإنسان وهبة للقوة أو استسلاما للخديعة.