إن عظمة الدين الإسلامي تكمن في احترامه المطلق للعقل وما كانت دعوة القرآن المتكررة لإعمال العقل إلا تأكيداً لهذا المعني «أفلا تعقلون» لقد جاءت آيات القرآن العظيم تحض علي التفكير والتدبير «أفلا تتدبرون» إنني علي يقين بأن الدين الإسلامي الحنيف وشريعته الغراء جاءت متوافقة مع صحيح العقل والمنطق، فالعقل السليم غير المعتل لابد أن يتوافق توافقاً تاماً مع كل ما جاء به هذا الدين العظيم، فديننا لا يعرف الكهنوت ولا الدروشة، ديننا دين فكر وعلم وعمل وقبل كل ذلك حسن الخلق، في هذا الإطار يأتي الحديث عن المشاركة السياسية.. عن الديمقراطية وأنظمة الحكم، وهنا لابد أن نسمي الأشياء بمسمياتها الحقيقية، فلن يفيدنا في هذا المقام أية مراوغة أو تخفي وراء العبارات والكلمات البراقة، علينا أن ننتهي إلي قول فصل ورأي يضع حداً لهذا اللغط الذي انتشر واستشري في كافة المجتمعات الإسلامية، خاصة في مصر، والآن سنفكر ونكتب ونتكلم وقد نخطئ وقد نصيب، لكنني أؤمن بأن أتكلم فأخطئ خير من أن أندمل علي نفاق وننطوي علي ضلالة.. إنني أعلم جماعات من المتدينين ذوي ضمائر مستنيرة يحبون أن يسمعوا ويريدون أن يفهموا كما أن جماعات أخري فيها تدين يحتاج إلي دين ولهم عقول ينقصها النور. يقول المفكر الكبير خالد محمد خالد: في تاريخ الإسلام عبرة لا أعرف لها نظيراً في الحث علي التزام الأناه والتروي أمام كل رأي يكون بالنسبة لنا جديداً، فهذا الإسلام كان يوماً ما سحراً وكان ضلالاً وكان كهانة وإفكاً وفي رأيي من كان ذلك في رأي رجال من طراز عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد، فما نراه أحياناً خطأ وضلالاً قد يكون في حقيقته وقد نراه فيما بعد حقاً وطاعة، إننا جميعاً وفي كل شيء متساوون في الميلاد، إننا جميعاً ننشق الهواء من الأنف، من هنا رأينا الإسلام يبايع العقل ويستودعه شرائعه جميعاً ليتصرف فيها علي النحو التالي الذي لا يجعلها نفعاً لا إصراً، نعم وإن إدراك هذه المسألة لما يزيد ثقتنا بالعقل ويهيئ وعينا لفهم «ديمقراطية التشريع» وتقدير آثارها وجدواها، لذلك يجدر بنا أن نعلم كيف بايع الإسلام العقل وكيف استودعه مصالح الناس ومصايرهم ونبدأ هذا الحديث بالتفريق بين الدين والشريعة أو بين الدين والفقه، وحتي لا نتهم بالكفر وحدنا من جراء هذا التفريق - يقول خالد محمد خالد - ننقل رأي رجل فاضل مؤمن هو السيد رشيد رضا الذي يقول في «تفسير المنار»: إن الدين شيء والشريعة شيء آخر، فالدين هو الأصول الثابتة أما الشريعة فهي الأحكام العملية التي تختلف باختلاف أحوال المجتمع واستعداد البشر.. ثم قال: والدين ثابت والشريعة قائمة علي أساس العقل والاجتهاد فمن منع الاجتهاد فقد أبطل ميزتها ومنع حجتها، إذن فالدين غير الفكر والدين هو تلك المسائل العبادية التي شرعت الناس كي تصل بنفوسهم واستعدادهم الروحي إلي المستوي الميسور من النقاوة والطهر كالصلاة والصيام وكالإيمان بالله والغيب ونحسب أن هذا هو المقصود بقول الله سبحانه «اليوم أكملت لكم دينكم».. ويزكي هذا التفسير ما سنراه من تصرف الرسول وأصحابه تصرفاً ينم عن اعتقادهم بأن الشريعة أعم من الدين وأنها تعتمد علي العقل والمقتضيات الطارئة والابتعاثات المستجدة، بينما الدين يعتمد علي الغيب فأنا لا أدري لماذا أصلي الصبح ركعتين ولا أصليه أربعة ولماذا أصلي الظهر أربعاً ولا أصليه ركعتين ومع هذا فإن عليّ أن أصلي دون أن أتصرف في عدد الركعات بعقلي واجتهادي ولن يأتي يوم تتشامخ فيه أمام الصلاة علي وضعها الديني ضرورات تستدعي تحويرها ما دام اليوم سيظل أربع وعشرين ساعة، ولكن الطلاق مثلاً هو مسألة تتعلق بنظام المجتمع وهناك من الضرورات الاجتماعية ما يكفيه وبلونه لا يمكن اعتباره ديناً. ولنبدأ بما بدأ به الإسلام لترويض الناس علي احترام كلمة العقل لقد بدأ بإقناعهم بأن الجمود ضد طبائع الشرائع وأن كل شيء لا سيما الأحكام المنظمة لشئون البشر تفقد ذاتها إذا هي استعصت علي التعديل والتحوير والتطوير وكان لابد أن يجيء المثل لذلك كاسحاً قوياً يجرف المخاوف والأوهام وهو لا يكون كذلك إلا إذا جاء من الله فكان النسخ. [email protected]