يزعم بعض المستشرقين ان الاسلام يصادم العقل ويحجر عليه ويمنعه من التفكير في كثير من أمور الدنيا والدين ويقول هؤلاء ان الاسلام يفرض سلطة كهنوتية مثل تلك التي كانت تفرضها الكنيسة في أوروبا في العصور الوسطي وهذه كلها مزاعم وادعاءات لا تصمد امام الرؤية الاسلامية لتلك القضية فالاسلام ينظر الي العقل كملكة فطرية في الانسان يستطيع بها ان يرتب محصول الحواس ويدرك ما وراءها من المعاني المجردة وان يميز بطرق ومناهج معينة بين ما هو حق وما هو باطل وفي ذلك يقول النبي - صلي الله عليه وسلم - العقل نور في القلب يفرق به بين الحق والباطل والعقل هو اساس التكليف فمن لا عقل له ليس مخاطبا بتعاليم الدين اصولا وفروعا وقد دعا الاسلام الناس جميعا لاستخدام عقولهم في تدبر آيات الله وخلقه فهناك كثير من آيات القرآن الكريم تختتم بقوله - تعالي - ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون أو "لعلكم تعقلون" أو "ان في ذلك آيات لأولي النهي" وهكذا. وروي أبوسعيد الخدري ان النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: لكل شيء دعامة ودعامة المؤمن عقله فبقدر عقله تكون عبادته واذا لم يستعمل الانسان عقله لم يستفد من ايمانه شيئا كثيرا ويلوم القرآن مثل هذا الانسان يقول تعالي "ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالانعام بل هم اضل أولئك هم الغافلون. والاسلام يعتمد علي العقل في جميع احكامه وكل توجيهاته ويفتح امامه افاقا بعيدة للتطلع والاستطلاع وقد استطاعت الشريعة الاسلامية ان تؤاخي بين الدين والعقل وان تجعل من هذه الفطرة فطرة سليمة مستقيمة. والعقل وسيلة للايمان بالله يقول بول كليرانس استاذ الطبيعة الحيوية لاشك ان اتجاه الانسان وتطلعه الي البحث عن عقل اكبر من عقله وتدبير احكم من تدبيره وأوسع لكي يستعين به علي تفسير هذا الكون يعد في ذاته دليلا علي وجود قوة اكبر وتدبير اعظم هو قوة الله وتدبيره. وكانت المعجزة الأساسية لرسول الله - صلي الله عليه وسلم - معجزة فكرة بمعني ان ادراكها لا يكون إلا بالعقل والاسلام هو دين التفكير وتنشئة العقول وتربيتها علي قوة المدارك من تعاليم الاسلام. وحفظ العقل من المقاصد الكلية للشريعة ولذلك حرم الله الخمر والمسكرات وكل ما يؤدي الي اذهاب العقل، والدين اذا جاء بشيء قد يعلو عن الفهم فلا يمكن ان يأتي بما يستحيل عند العقل، والعقول تتفاوت في الفهم ولذلك امر الله - سبحانه وتعالي - الانبياء والعلماء والدعاة ان يخاطبوا الناس علي قدر عقولهم وان ينزلوا الي الاسلوب الذي يستطيعون فهمه وفي هذا المعني يقول الامام علي بن ابي طالب "حدثوا الناس بما يفهمون اتحبون ان يكذب الله ورسوله". فالانسان اذا لم يفهم كلام الداعية يتزعزع ايمانه لانه يعتقد ويؤمن بصحة ما يقوله الداعية لكنه لا يفهمه وبالتالي فاما ان يحرف ما سمعه ليتوافق مع ما يعتقده ومايفهمه مسبقا واما ان يتجاهله تجاهلا تاما حتي يحدث التوازن ويتخلص من التوتر الداخلي وفي كلتا الحالتين يخسر الداعية.