45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الاثنين 26 مايو    استقالة رئيس مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة    إسبانيا تطالب بفرض حظر دولي على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل    اعتقال شخص أمريكي ألماني بزعم محاولته حرق السفارة الأمريكية في إسرائيل    الاتحاد الأوروبي يسعى لاتفاق تجاري مع واشنطن قبل 9 يوليو المقبل    أبطال فيلم "ريستارت" يدخلون على السجادة الحمراء ب " عربية ربع نقل"    السياحة: 17.6 ألف حاج يصل إلى الأراضي المقدسة حتى الآن لأداء مناسك الحج    أولى جلسات محاكمة ليلى الشبح بتهمة سب وقذف هند عاكف| اليوم    ساعر: أي اعتراف أحادي الجانب بدولة فلسطينية سيقابل بفرض السيادة على الضفة    ترتيب الدوري الإسباني والمتأهلون إلى دوري أبطال أوروبا رسميا    كلب شرس يصيب نجل الفنانة «زينة» بالشيخ زايد    تأجيل محاكمة سفاح الإسكندرية لجلسة الثلاثاء لمرافعة النيابة وسماع الشهود    التصريح بدفن جثة شخص ألقى بنفسه من الطابق السابع هربا من النيران ببنها    تحذير من البريد المصري.. حساباتك في خطر في هذه الحالة    تكريم أبطال وصناع مسلسل وتقابل حبيب في حفل «كأس إنرجي للدراما»    «بلاش تتابعني».. كيف ردت داليا البحيري على مطالبات متابعيها بارتدائها الحجاب؟    مع اقتراب يوم عرفة.. نصائح للحجاج لأداء المناسك    أفكار سفرة مميزة للعزومات في عيد الأضحى 2025    العيد الكبير على الأبواب.. قائمة التسوق الذهبية في عيد الأضحى    بعد قرار البنك المركزي.. الحد الأقصى للسحب اليومي من البنوك وماكينات الATM    وصول جثامين متفحمة لمجمع الشفاء جراء استهداف مدرسة في قطاع غزة بصاروخين    محمد صلاح يكشف الصعوبات التي واجهها في بداية مشواره الاحترافي    ملف يلا كورة.. تصريحات صلاح.. عودة حمدي فتحي.. وقرعة كأس العرب    هاني سعيد يهاجم رابطة الأندية: 90% من الفرق خارج حساباتهم وتأجيل مباراة سيراميكا "أصبح مملًا"    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الاثنين 26-5-2025    فرصة لا تفوت.. Sifu مجاناً على Epic Games Store حتى نهاية مايو    قبل أن تُغلق أبواب الخصام.. جنازة حفيد نوال الدجوي تُشيّع اليوم عقب صلاة الظهر (موعد ومكان دفنه)    تنفيذًا لحكم قضائي.. المحامي المتهم بتزوير توكيل عصام صاصا يسلم نفسه لقسم شرطة الجيزة    موعد مباراة النصر ضد الفتح اليوم الإثنين في الدوري السعودي للمحترفين    "ختام دوريات أوروبا".. نتائج مباريات يوم الأحد 25 مايو    الجيش الأردني يحبط محاولة تهريب مخدرات بواسطة مسيّرتين في جنوب البلاد    منها العائد المادي والاعتداء على الأطقم الطبية.. وزير الصحة الأسبق يكشف أسباب هجرة الأطباء    دار الإفتاء توضح حكم تحمل الزوج تكاليف حج زوجته    سعر الفراخ والبيض الأبيض والأحمر بالأسواق اليوم الإثنين 26 مايو 2025    حُسمت.. الفرق الإيطالية المتأهلة إلى دوري أبطال أوروبا 2025-2026    «تستحمى الصبح ولا بليل»؟ سبب علمي قوي يجنبك فعلها في هذا التوقيت    النائب أحمد السجيني: تحفظات كثيرة على مشروع قانون الإيجار المقدم من الحكومة    مجلس إدارة التعليم المدمج بالأقصر يناقش استعدادات امتحانات الترم الثاني خلال اجتماعه الدوري    لا تتمسك بما لا يخدمك.. برج الجدي اليوم 26 مايو    عمرو أديب عن إرث نوال الدجوي: «قصر واحد على النيل يعيش العيلة في نعيم مدى الحياة»    حدث بالفن | أزمة هيفاء وهبي والموسيقيين والعرض الخاص لفيلم "ريستارت"    عايدة الأيوبي: لم أسعَ إلى الشهرة وهذا سبب اعتزالي    محمد صلاح: «مكة بتحب التمثيل.. ومش عاوزها تمثل عشان بنتي»    التعليم تحسم الجدل: مدراء "المبادرة الرئاسية" مستمرون في مناصبهم -(مستند)    عيار 21 الآن بعد الزيادة الأخيرة.. سعر الذهب اليوم الإثنين 26 مايو في الصاغة (تفاصبل)    كلب شرس يطارد ابن زينة في الشيخ زايد    ممثلة شابة تتهم طليقها بمطاردتها أعلى المحور.. والشرطة تتدخل    الخارجية الروسية: سنُقدم مذكرة احتجاج إلى السويد بعد هجوم على سفارتنا    معجزة طبية في الفيوم: استخراج فرع شجرة من جسد طفل دون إصابات خطيرة    إنشاء كليات وجامعات جديدة.. أبرز قرارات مجلس الجامعات الخاصة مايو 2025    عاجل- وزارة الكهرباء تُطمئن المواطنين: لا تخفيف للأحمال في صيف 2025    أحكام الحج (1).. علي جمعة يوضح ما هو الحج وحكمه وفضل أدائه    المفتي: يوضح حكم التصرف في العربون قبل تسليم المبيع    دليلك لاختيار الأضحية في عيد الأضحى 2025 بطريقة صحيحة    «الإسماعيلية الأزهرية» تفوز بلقب «الأفضل» في مسابقة تحدي القراءة العربي    "عاشور ": يشهد إطلاق المرحلة التنفيذية لأضخم مشروع جينوم في الشرق الأوسط    النواب يوافق نهائيا على مشروع تعديل قانون مجلس الشيوخ    لخفض البطالة.. كلية الاقتصاد جامعة القاهرة تنظم ملتقى التوظيف 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسئلة أزليّة
نشر في التغيير يوم 30 - 01 - 2012

لا أدري بالضبط متى بدأ ذلك السؤال يراودني، ولا أعلم الأسباب التي دفعتني إلى هذا التساؤل، وما هي المقدمات التي أدت إليه، ولكن أول ما تسجله ذاكرتي في هذا الصدد هو حين كنت في العاشرة من العُمر، أو ربما أصغر أو أكبر ببضع سنين، إذ كنت جالسة على ذاك المقعد الأزرق الذي تعلوه لوحة معلقة على الحائط لشرفة عليها ورود، وكانت السماء الزرقاء تبدو من النافذة والسُحب تجوبها في ظهر يوم أذكر أنه كان حسن الجو، ثم قفز ذلك السؤال إلى رأسي. أخذني السؤال إلى أعماق أعماقي حتى أصابني الذهول من هول وقعه على عقلي ونفسي، شعرت أنه سؤالٌ كبيرٌ ومحيّر، ليس كالأسئلة التي يُجاب عليها بسرعة، أو يُمكن الإجابة عليها أصلاً! وفُتِح الباب يومها لعالم ما كان نائماً ومجهولاً في داخلي، تماماً كما كانت الأمريكتين مجهولتين قبل اكتشافهما، وتغيرت معالم تفكيري وإدراكي، تماماً كما تغير رسم الخرائط بعد كولومبوس! خرجت يومها وعقلي ليس كذي قبل، وهو على نفس الحالة إلى اليوم، وإن كَبر قليلاً وازداد وعياً، ولكن الوعي بالأساس، بالمعنى العميق للكلمة، يبدو وأنه قد وُلِد يومها.
سألت السؤال، واحترت كثيراً، وبدا السؤال مُعجزاً حتى تاه عقلي فيه، فشعرت وكأنني أفقد اتصالي بما حولي وأعي فقط ما يدور بداخلي. لا زمان ولا مكان، فقط أنا والسؤال! لم يستغرق الإحساس لحظات حتى عُدت إلى اتصالي بالدنيا وقررت تأجيل السؤال، ليس خوفاً من أن أفقد عقلي أو طمعاً في أن أجيب عنه لاحقاً حين أكبُر، ولكن فقط لأن عجلة الدنيا تدور بما لا يسمح بأن أظل هكذا طويلاً! هناك الدراسة والطعام والنوم والصلاة ولعب الكرة غير ذلك، وهذا السؤال وما يواكبه لم يكن سهلاً استحضاره من أعماق العقل في دقائق، كما أنني كنت أعشق الذوبان فيه والتوهان في ما يعنيه، فكنت أفضل أن تكون له طقوسٌ خاصة، كالاستلقاء ومشاهدة السماء، أو التطلع عبر النافذة، أو غير ذلك مما يفيد التأمل والاختلاء بالنفس عن الزحام والواجبات والمرح والكُتُب، وكان صعباً للغاية المحافظة على تلك الحالة من التوهان فكانت تنقشع في دقائق، فكنت أعيد الكرة وأسترجعها حتى ينام السؤال، أو يدق الجرس، أو تنادي عليّ أمي، أو تبدأ مباراة كرة!
لا زلت أسأل نفس السؤال الأزلي، ولا زلت أسأله بنفس الطريقة الطفولية، ولا زلت أسأله لأتوه فيه لا لأجيب عنه، فالسؤال بالنسبة لي حالة أريدها، سؤال لا أريد أن أجيب عنه أبداً، أريده أن يظل معقداً ومعجزاً، لأنه إن أُجيب عنه فقد قيمته بالنسبة لي، فهو في عقلي ليظل مطروحاً ومعلقاً هكذا ويقودني إلى الغوص في المزيد من التساؤلات، لتظل علامة الاستفهام فيه تدفعني نحو علامات التعجب! ما هو ذلك السؤال إذن؟!
"ماذا لو لم نكن نحن هنا ولم يكن الخلق ولم يكن شيء، ماذا كان ليكون موجوداً بدلاً منا، وكيف يُجاب عن سؤال خرج من وعيي وهو يسأل عما إذا كان الوعي هذا غير موجود، كيف يمكن له أن يعمل ويجيب وفي ذات الوقت يتخيّل نفسه حالة عدم وجوده؟"، أصمت وأغمض عيني مجدداً، من نحن، لماذا هذا كله، هل هناك أحدٌ غيرنا، كيف، ماذا لو لم نكن هنا، ما الخلق، وما شكل الكون بدونه، أي كون إن كان الكون خلق، ماذا بدلاً منه إذن، فراغ، ولكن الفراغ هو أيضاً خلق، تلك المساحة المخلوقة الموجودة، بما ستُملأ، هل كانت لتوجد، أوليست المساحة خلق أيضاً، إذن تتخفي تلك الأمكنة كلها وينكمش ذلك الحيّز ويخلف وراءه ماذا، نقطة؟ صفر؟ لماذا أسأل ونحن هنا والخلق هنا، لماذا هذا الإرهاق؟! وماذا يعني أن يكون هناك صفراً بدلاً منا. وما هو معنى الدنيا بدوننا، أي دنيا؟ دنيانا؟ ولكنها لن تكون دنيانا إن لم نكن فيها، ستكون دنيا آخرين، من الآخرين؟ هل كانوا سيسألون ذات السؤال، لماذا هم في الدنيا وماذا لو كان هناك آخرين غيرهم، آخرين مثلنا نحن في تلك الحالة؟!
أي معنى للكون بدوننا، وأي إدراك يمكن أن يجيب عن هذا السؤال الإنساني وهو محدود بوجوده من الأصل، إن سألت عن كيفية إدراك الكون في غياب الإنسان لكان من المستحيل الإجابة لأن الإنسان محدود بقدرات إدراكه فهو لا يستطيع أن يدرك إلا في إطار ما يعرف، والسؤال يسأل عما إذا كان كل ما يعرف ليس موجوداً، فهو يتطلب إجابة خارج حدود الإطار الذي يستقي منه أي عقل الإجابات.
ماذا إذن؟ السؤال مطروح في إطار ما أدرك ولكنه يسأل عما يقع خارجه، ولكن لماذا إذن؟ لماذا لا تكون كل الأسئلة التي ندركها نستطيع الإجابة عليها، وكل الأسئلة التي تقع الإجابات عليها خارج إطار الممكن غير موجودة هي أيضاً، لماذا هذا الإعجاز في أن يكون هناك سؤالٌ مُدرك وممكن طرحه ولكن إجابته خارج المُدرك، أي تعجيز هذا، أنظل معلقون هكذا؟! ما هي طبيعة تلك الأسئلة والأشياء التي لا نعلم عنها شيئاً إذن، ما ندركه محدود ومعلوم أو سيُعلَم، ولكن ما لا ندركه لا نهاية له، ما هو إذن كيف يبدو؟! وكيف لنا أن نعلم ذلك ونحن إن علمناه لم يعد مجهولاً ولم يعد مما لا نهاية له من أشياء لا ندركها بل صار من حيزنا الضيق الذي نعرفه!
ما هذا الفخ إذن، لا نستطيع أن نعلم عن أي شيء من العوالم اللامنتهية إلا وصارت لحظة معرفتنا بها من عالمنا الفاني، ولكن كيف نحيط بهذه العوالم الخفية إذن، ماذا إن استطعنا أن نضع كل هذا اللامنتهي في وعاء واحد وأصبحت الإنسانية تحيط بكل شيء علماً، هل نصبح آلهة مثلاً؟! أم أن الألوهية ليست بالضرورة بالقدرة على إجابة الأسئلة. وكيف يمكن أن نضع شيء لا نهاية له في وعاء، مستحيل بكل الوسائل. أين يوجد أصلاً شيء لا نهاية له. ماء لا نهاية له مثلاً، سيجعل هذا من الوجود لا نهاية له لكي يستطيع استيعاب كل هذا الماء وسنغرق قطعاً وحينها لن تجدي سفينة نوح نفعاً! أي مخلوق لو كان بلا نهاية لأدى إلى نفس النتيجة، إذن الوجود كله يجب أن يكون له نهاية. جيد جداً، ولكن أين هذا الذي لا نهاية له، هو خارج الوجود وليس بموجود، كما استنتجنا، إذن هو على الورق فقط؟ فقط تلك العلامة (∞) لتعبر عنه؟!
مرة أخرى، من نحن إذن، نحن الموجودون، المحدودون، أي حال كانت لتكون عليه الدنيا لو كان هناك غيرنا أي وجود من خيارات لا نهاية لها عدا الإنسانية، كيف يمكن أن نتصور كون بدون إنسانية، وكيف يجيب عقلنا عن هذا السؤال وهو عقل إنساني متحيز لإجابات تضعه دائماً في المركز والسؤال يمحيه أساساً كمخلوق، لربما خُلِق غيره بدلاً منه، ولربما اختلفت تماماً فلسفة الخلق في هذا الحالة. ماذا لو لم يكن هناك خلق من الأساس، فقط الخالق! ماذا لو لم يكن هناك وجود، فقط الواجد!
ماذا إذن، يعود عقلي ويدرك في ثواني أنه يجب أن يستعيد مركزيته التي وهبه إياها الخالق ليفكر بها ويطرح تلك الأسئلة التعجيزية من الأساس فيسأل عني وعن الإنسانية، من نحن؟ ومجدداً يظل يتوه ويغوص حتى ينتبه ويعود إلى الإنسانية، إلى الحدود، إلى الوجود، ثم يأتي ميعاد الغذاء، أو وقت الواجب، أو يؤذّن للأذان، أو ينطلق مدفع الإفطار، فأنسحب تماماً إلى إنسانيتي وأترك السؤال، مرة أخرى، لأتوه فيه لاحقاً، مرة أخرى.
يُتبَع إن شاء الخالق..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.