من عماد عفت Emad Effat في 3 ديسمبر، 2011 في 11:55 صباحاً كتب الشبل الواعد النابغ ابننا/ علي نابغ–- وهو في بدايات المرحلة الثانوية--هذين السطرين في صفحته الخاصة: [البورصة تربح 13 مليار جنيه بسبب نجاح الانتخابات] يعنى دلوقتى لو الإخوان كانوا نزلوا التحرير و الانتخابات اتلغت كان الوضع ها يبقى عامل اية. يجب الاعتراف بأن الإخوان قد اتخذوا القرار الصعب الصحيح الذى فيه مصلحة مصر. ...................................................... فكتبت له أقول: أرجو ألا تضحك علينا يا سيد علي، فالبداية غير مسلمة، وبالتالي النتيجة باطلة: فحضرتك تريد أن (تكلفتنا) لنسلم لك أن الإخوان إذا كانوا نزلوا التحرير فإن الانتخابات كانت ستلغى، خير: هو حضرتك كنت مع المجلس العسكري وأخبروك بهذا! فهذا وَهمٌ لا يصح أن يبنى عليه نتيجة. هذه واحدة. الثانية أن مسألة البورصة هذه مسألة يضحكون بها على الناس؛ لأن البورصة تتأثر بعوامل لا تكاد تحصر، حتى إنها تتأثر بالحالة الصحية لرئيس البورصة. والسبب في سقوط البورصة ليس في الثورة ولا في الميادين، وإنما فيمن سبب الثورة وأفسد الحياة السياسية، فإن كان لا بد من توجيه سهام النقد والعتب واللوم على من جعلها تهبط فإنما هم المجلس العسكري وتابعه قفة (المجلس الوزاري) الذين هم ذيول النظام المخلوع وقادة الثورة المضادة. ولو مشينا مع هذا المنطق المغلوط لكنا استجبنا لإعلام أنس الفقي وعبيد النظام السابق الذين كانوا يخوفون الناس من الثورة بهبوط البورصة وبالبوارج الأمريكية في البحر الأحمر والمتوسط وبالحشود الصهيونية على الحدود، وبغياب الكباب والرِّيَش من الأسواق. ثم إن كلام حضرتك كان (يمكن قبوله) لو كان هذا هو الموقف الوحيد لغياب الإخوان عن العمل الوطني الجماعي، ولكن العكس هو الصحيح، فإذا تتبعت سعادتك مشاركة الإخوان في ذلك فستجد أن القاعدة هي عدم المشاركة، والعكس استثناء، والجُمَع التي تلت تنحي المخلوع خير شاهدة على ذلك. فهم لم يشاركوا الجماعة الوطنية والشارع الثائر [التي ما نجحت الثورة إلا بها] إلا في جمعة واحدة، ثم قاموا هم بجمعة مع بقية الإسلاميين فقط ونقضوا فيها عهودا وخانوا مواثيق، ثم جمعة 18 نوفمبر التي كانت ضد الوثيقة، لا لما هو أهم من مطالب الشارع يومها وهو تحديد مواعيد لتسليم السلطة، والتي ما جاء بها إلا الميدان الذي تخلوا عنه كالعادة، بدليل أنهم علقوا نزولهم هذه الجمعة على تعديل الوثيقة، فلما لم يحصل نزلوا. يا سيد علي، حتى تستطيع الحكم على الأشياء أو الأشخاص تحتاج إلى دراسة الموقف في ظل المواقف المتعددة والمتكررة الشبيهة للموقف محل الدراسة وغيرها، وتحتاج إلى التجرد، ومن التجرد السماع والقراءة من كل الجهات. وتحتاج إلى الإلمام بكل ما يقوله المتخصصون والخبراء؛ وهذا داخل تحت عموم قوله تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، وبخاصة المباشرين للأحداث محل البحث، ومن أحكم ما قيل في ذلك ما هو منسوب إلى عبد الله بن المبارك (وبعضهم نسبه لابن عيينة): إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغور. وأنا لم أقرأ تقريرا ولا تحليلا للصحافة العالمية أو للداخليين المحايدين إلا وهم يقولون إن الإخوان يرتبون مع المجلس، ويحاولون الحصول على مغنم منه، وأنهم في سبيل ذلك يأخذون مواقف أحادية، وهذا ما قاله حتى بعض مشايخ الإخوان وكثير من شبابهم. وقد ذكرت لوالدك الكريم نقد الشيخ القرضاوي لموقفهم في التحرير، وتبرؤ الأستاذ الهلباوي المتحدث باسم التنظيم الدولي للإخوان من فعلهم، واعتذار الدكتور البلتاجي عن خذلانهم للثوار، وغير ذلك كثير سمعته بأذني في الميدان وفي غيره من شبابهم، يضجون بالتبرم منهم والسب فيهم وفي مواقفهم المتكررة الفاشلة حتى من الناحية النفعية المحضة. يا سيد علي، لقد قاموا مبكرا جدا بما يحترفونه، وهو المساومة على حساب غيرهم للحصول على مصالحهم الشخصية، فعلوا ذلك أثناء ثورة يناير عندما قبلوا الجلوس مع عمر سليمان دون ترتيب مع الجماعة الوطنية والثوار، وفي النهاية لا حصلوا على شيء منه، ولا اكتسبوا احترام الثوار والشارع، بل ولا حتى أبنائهم، فقد خرج الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ينتقدهم علنا لهذا الموقف قبل عدة أشهر من ترشيح نفسه للرياسة وفَصلِهم له، ونفس الشيء فعلوه في الجلوس مع سامي عنان عقب جمعة ثورية لم يشاركوا فيها فأخذهم سامي عنان مع الأحزاب غير المحترمة كلها (لم يحضر حزب الوسط وبعض المحترمين) ووقعوا جميعا على ورقة هزيلة، فما طالوا شيئا ومرة أخرى اكتسبوا بغباء لا يحسدون عليه سخط الشارع واحتقاره، وعادوا مرة أخرى وتراجعوا عما وقعوا عليه، بعد شرب شاي الياسمين، لأنهم لا حصلوا على شيء من المجلس ولا من الشارع. يا ابن أخي، الغريب في الأمر أن المجلس كانت تصريحاته في غاية الوضوح والقوة من مختلف أعضائه بأن الانتخابات ستجري في موعدها، وأن أحداث التحرير لن تؤثر على الانتخابات. وصدرت هذه التصريحات مبكرا في أثناء الأحداث وبعدها وقبل الانتخابات، ولم يصدر منهم أي إيحاء بأن الانتخابات معلقة على نهاية معينة لأحداث التحرير، فهم حريصون جدا على الانتخابات. وعليك وعلى غيرك ممن يرى رأيك أن يتأمل في هذا الحرص الشديد منهم على الانتخابات، ألا يستدعي ذلك أن نترك البحث عن أعذار للإخوان وغيرهم، وأن نتفكر فيما يريده هؤلاء بنا وبالثورة. لقد صرحوا قبل وأثناء الانتخابات بصلاحيات منقوصة لمجلس الشعب، وأنهم موجودون أثناء انتخاب مجلس وضع الدستور وإلى نهاية وضعه، وعليه فهم لا يضرهم من ستحمله الانتخابات إلى المجلس طالما أن نظرتهم الأولى والأخيرة هي السيطرة على وضع الدستور وعلى وثيقة السلمي وعلى وضعهم هم بعد تسليم السلطة. فهذا هو الذي تريد القوى الثورية الفصل فيه، وعدم تمييعه. وبعض المحترمين يقول إن الحكومة المنتخبة هي من سيحقق في المخالفات والانتهاكات، فهل يتوقع هؤلاء المحترمون أن يقوم هؤلاء بتسليم السلطة إلى من سيحاكمهم ويجرجرهم إلى السجون؛ حيث إنهم هم من أشرف على الداخلية التي انتهكت أعراض الناس واستباحت أجسادهم أحياء وأمواتا. بل والشرطة العسكرية نفسها هي من مارست أسوأ وأخس التصرفات التي لم يمارسها حتى نظام المخلوع، وهذا حصل مبكرا، بعد التنحي، وليس وليد أحداث مؤخرة. لأنهم بكل سهولة لا يعترفون بالثورة، وإنما فقط يعتبرون أن كل الغرض منها هو إسقاط التوريث. أما وقد تم فهم حريصون على كل النظام السابق ورجالاته؛ لأنهم جزء منه، شاركوا في غيه وظلمه وبيعه للبلد. ولذلك فالثورة تريد استكمال مسيرتها، وتصحيح خطأ تسليم السلطة لهذا الوكيل الخائن، ولا يكون ذلك إلا بالضغط الشعبي وشبه الإجماع الوطني الذي أظهر الله تعالى فعله الساحر، وأقام علينا الحجة بما تكحلت به عيوننا وتشنفت به آذاننا في 11 فبراير. فهل بعد هذا نساعد في تضييع سلاحنا الماضي بتضييع الإجماع الوطني، الذي ما حصل أي شيء من مكاسب الثورة إلا به وبالنزول للميادين, فهل نترك المجرَّب الذي عندنا من الله تعالى فيه برهان إلى مجلس شعب لا ندري عنه شيئا حتى ولو كانت لنا فيه أغلبية، وبعد أن تكون الجماعة الوطنية قد تفتت. يا ولدي الغالي، قد يقول قائل: الحسابات والمصالح والمفاسد، ويتكلم عن عمومات ويلتمس معاذير حتى أصحابها لم يدعوها، لكن هناك أشياء أخلاقية لا يختلف عليها العقلاء فضلا عمن يعرفون دينَ الله تعالى، وهو أن أهل الخير هم الذين يكثرون عند الفزع ويقلون عند الطمع، والذين يضحون من أجل غيرهم. والذين ينكرون ذواتهم، والذين يعملون في الخفاء ولا يحبون الشهرة، بل ويحزنون إذا عُرِفُوا. فهذه نقاط وضيئة يمكن أن تقيس بها الأفراد والجماعات إلى حد ما. أما بخصوص الولايات (كمجلس الشعب) فقد وضحها الشرع الشريف أيما إيضاح، في مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من قام بحقها". وبمثل: "لا تسألِ الإمارة. فإن أُعطِيتَها عن مسألة وُكِلتَ إليها، وإن أُعطِيتَها عن غير مسألة أُعِنتَ عليها". والفرحة الحقيقية ليس بوصول الإسلاميين إلى السلطة، فهذا لا يفرح في شيء؛ بل الفرح الحقيقي في وصول الإسلام إلى السلطة. وعندي أن يتولى السلطة غير إسلامي فيصلح أو يفسد أخف في البلاء من تولي إسلامي يفسد أو يصد الناس عن الدين أو يضيع البلاد والعباد، أو يسبب تقسيم البلاد وضياعها –كما حصل في السودان مثلا- أو يكون عميلا للغرب ورجلهم في المنطقة –كأهل نجد مثلا-. ولا أخفيك يا سيد علي، إني أخشى أن تكون أخلاقيات وسلوكيات وسوابق مَن تدافع عنهم هي للأسف من هذا النوع، فهذا أخطر وأشد فسادا على البلاد والعباد من تولي غيرهم للحكم والسلطة. وللأسف هناك كثير من الشباب المخلص المتوهج حماسة ورغبة في نصرة الدين ضاعت وتضيع آماله مع قيادات معيبة وضعيفة سياسيا وعلميا وتربويا. فلا نريد أن نكرر أخطاء السابقين، والسعيد من وُعِظ بغيره. مجلس الشعب والحكم ليس إلا وسيلة، ولكن توصيل الإسلام النقي الحق وسعادة الناس به هو الهدف، ووسيلة ذلك قبل المجلس وكرسي الحكم هو اجتماع الناس قدر الإمكان. ولذلك لما قال موسى لهارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام: {يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعنِ أفعصيت أمري} رد عليه: {إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل}؛ فاجتماع الناس أدعى للوصول بهم إلى التوحيد المنشود ودين ربنا المعبود، والعكس صحيح. فالصواب هو جمع الكلمة قدر الإمكان والطاقة، لا أن يكون المجلس والكرسي هو القبلة؛ حتى صار لسان الحال: ومن حيث خرجت فول وجهك قبل المجلس والكرسي. لا أريد بعد كل هذا أن يفهم كلامي على غير ما عندي، من أني أطعن في عموم أشخاصهم، أو في نية سعيهم، فأنا لا أشك لحظة أن منهم من وضع رِحاله في الجنة، سواء منهم الأموات والأحياء، ولا يخامرني شك أن بالكثير منهم همة وإخلاصا وحبا للدين ولله تعالى ولرسوله وللوطن لو وُزِّعَ على أحياء لوسعتهم. فليس هذا منزع كلامي، ولا معرض حديثي إليك أستاذ علي. أنا أتكلم على منهج وتصرفات وسلوكيات ومواقف. وأخيرا -وهي نقطة علمية- المقاييس في البورصة لا تكون بالجنيهات ولا الدولارات، وإنما بالنقاط، وهذا أيضا مما يفعله الإعلام المجرم لتضليل الناس بالكلام على خسارة أو مكسب مليارات الجنيهات، وهذا ليس له دلالة عند الاقتصاديين؛ لأنهم يتعاملون مع نقاط لا مع مليارات؛ حيث إن المليارات لا بد أن تكون منسوبة لمجمل المال المتعامل فيه في البورصة حتى نعرف قدر الخسارة أو المكسب، وهو ما يُعرَف بالنقاط. يا سيد علي، كلمة في أذنك من عمك المحب لك: لا تتعجل بالحكم على الأشياء، وإذا وصلت بعد خطوات صحيحة ومنهجية إلى شيء أرجو ألا تتعجل في نشره، ولا يغرك هذا الفايس بوك الذي يجعل كلامنا ينشر على نطاق واسع، فهذا مفسدته في رأيي أكثر من مصلحته. فالإنسان في بداية طلبه للعلم وبحثه عن الحق لا يحسن به أن يتبنى رأيا أو مذهبا، وإنما يأخذ برأي يسمعه لأنه لا يعلم غيره، بسبب قلة علمه وخبرته، وهذا ليس له علاقة بالسن، وإنما ببداية طريق العلم أو نهايته، فمثلا إنسان كبير السن يُسلِمُ ثم يسأل عن الصلاة كيف يصلي لأن الوقت قد دخل ويخشى خروجه دون صلاة، فيقلد من يخبره، ويصلي على ما أخبره، ثم بعد أن يطول به زمن في الإسلام يتعرف أكثر فأكثر على الصلاة وأحكامها وينتقل من درجة عامي إلى درجة طالب علم له نوع فهم واختيار ما بين الأقوال، ويفهم من أين يأخذه غيرُه من العلماء والخبراء، ويفهم مصطلحاتهم، وإلى الآن ليس له رأي شخصي خاص به، وبالتالي لا يمكن ولا يصح أن ينشر الرأي الذي يعمل به ويتبناه عمليا، ولا يدافع عنه؛ لأنه لا زال مقلدا، ثم متى ما حصل له نضج كاف، وخبرة واجتهاد يصير له رأي خاص به، يحق له أن يبرزه، وأحيانا يجب عليه أن يفعل ذلك، ثم يبدأ في الدفاع عنه ضد منتقديه إذا كانت آراؤهم ضعيفة، أو يرجع عنه إذا كانت آراؤهم وجيهة. فأنا لا أعتب عليك أن يكون لك رأي في مسألة الإخوان أو التحرير أو غيرها، ولكن لو كنت منك لاحتفظت به لنفسي ولا أنشره، ولا أدعو إليه، حتى يكون عندي قدر من النضج والخبرة والإلمام بحيث لا أندم على التغرير بمن يسمعون أو يقرأون كلامي. بل أرجو أن تتحملني إذا قلت لك إن عليك أيضا ألا تعمل بهذا الرأي حتى في خاصة نفسك قبل نوع كاف من النضج؛ لأن في بعض المسائل –وهذه منها في رأيي- التأني وعدم العجلة أفضل بكثير من الإقدام والاقتحام؛ وسبب ذلك أن القلب أحيانا يتشرب أشياء يصعب عليه الخلاص منها، وتترتب عليها أشياء مصيرية، فرأيي أن التأني في مثل هذه الأمور والإحجام أكثر حصافة وحكمة من الإقدام، حتى وإن كان في الظاهر يضيع عليك بعض المكاسب المعنوية أو المادية. فمكسب البعد عن المزالق والمهلكات ومواضع الخطر أفضل بكثير من مكاسب مظنونة أسوأ ما في الأمر أن يتأخر تحقيقها قليلا، والأمر ليس من العجلة بحيث إنك لا بد أن تكون رأيا وتتخذ موقفا وتتبنى سلوكا ما. نَوَّر الله تعالى قلبك وبصيرتك، وهداك لم اختُلِفَ فيه من الحق.