القضية الاولى محل الخلاف ليست قضية عادية بل مهمة وذات بعد مبدئي لا بد من مراعاته كونها تتعلق باستقلالية القضاء، الطريقة التي يتم تناولها بها من قبل النخبة السياسية الباكستانية تتسم بعدم المسؤولية كون كل طرف منهما يسعى لتحقيق مكاسب على حساب الطرف الآخر في الوقت الذي يتقدم المتطرفون ليحققوا المزيد من التقدم في مسعاهم لفرض احكام الشريعة وهو ما تم لهم مؤخرا وبموافقة الحكومة في وادي سوات. شريف امر انصاره بالتوجه الى اسلام اباد للمطالبة باعادة القضاة المفصولين الي وظائفهم التي فصلهم منها الجنرال مشرف وعلى وجه الخصوص افتخار شودري كبير قضاة المحكمة العليا الذي ادى تحرك حركته المدنية الى اسقاط مشرف في المقام الاول. \r\n \r\n انتخب زرداري كرئيس وسط اجواء تعاطف قوي ساد عقب اغتيال زوجته بناظير بوتو في عملية تفجير، وقد اضطر الآن الى الاستجابة لطلب المعارضة، والادهى من ذلك ان زرداري يستخدم القضاة الذين ورثهم عن مشرف في ممارسة نوع من الدكتاتورية الهادفة الى ابعاد نواز شريف وشقيقه حاكم ولاية البنجاب اكبر الاقاليم الباكستانية عن العمل السياسي، ويستخدم زرداري في سبيل تحقيق هذا الهدف السلطات التي ورثها ايضا عن مشرف من اجل قمع الاحتجاجات. \r\n \r\n وفي الوقت الذي ندرك ان باكستان ليست على وشك الوقوع فريسة في يد طالبان الا ان ذلك لا يعني ان الامور فيها هي على خير ما يرام، فهناك نزاع عرقي وطائفي بين السنة والشيعة، وهناك تمرد مشتعل ضد الحكومة في اقليم بلوشستان الغني بثرواته الطبيعية وبسكان هم الاكثر فقرا في باكستان، يضاف الى ما سبق تمرد ذو صفة اسلامية في شمال غرب باكستان يقوم به البشتون الذين يشكلون القاعدة الاصلية والاهم لحركة طالبان والذين يقدمون الملاذ الآمن للقاعدة. \r\n \r\n الولاياتالمتحدة وحلفاؤها ليسوا في موقف يمكنهم من التأثير على القادة الباكستانيين، فالولاياتالمتحدة وضعت كل ما لديها من بيض في سلة الجنرال مشرف الذي دخل معها حربها على ما اسمته الارهاب. الآن ذهب الجنرال مشرف وحكمه ولم تستطع واشنطن ان تطور صلات حقيقية مع اي مؤسسات باكستانية سوى الجيش. \r\n \r\n ان باكستان تواجه معضلة خطيرة للغاية ويتوجب على سياسييها التوقف عن اللعب بالنار من اجل مصلحتهم ومن اجل مصلحة البلاد ككل، واذا فشل الحكم المدني فان البديل له هو الوصاية العسكرية،ألا يستوعب الساسة الباكستانيون هذا الدرس رغم تكراره خلال العقود الماضية؟ \r\n \r\n ان على زرداري ألا يظن ان بإمكانه التلاعب بالنار والافلات من ألسنة اللهب. فلقد دخل مختارا في مواجهة مع القضاة الذين سبق لهم ان انهوا حكم مشرف وهاهو يتعامل مع هذه الأزمة بنفس الأسلوب الذي سبق لمشرف ان تعامل به حيث يحاول قمع الاحتجاجات باستخدام القوة. فزرداري يؤكد المرة تلو الأخرى انه رئيس شرعي منتخب في الوقت الذي يحاول ابعاد زعيم المعارضة عن العمل السياسي. هل يظن زرداري ان بإمكانه البقاء في السلطة وادعاء الدفاع عن المبادئ الديمقراطية كما سبق وفعل مشرف؟ \r\n \r\n إن من ينظر لسياسات وممارسات زرداري الكارثية على مدار الأشهر القليلة الماضية سيخرج بنتيجة تقول ان سياساته تقوم على حسابات خاطئة. فمرة يقدم لطالبان وادي سوات كهدية لها ويعفيها من تطبيق القوانين الوطنية لأنه لا يريد الدخول في معارك معها وفي نفس الوقت يهدد المحامين والقضاة باستخدام القوة المسلحة ضدهم. \r\n \r\n ان هذه السياسات لن يكتب لها النجاح. وسيصبح الرئيس اقل شعبية وهذا يعني النظر في بدائل أخرى يأتي على رأسها الجيش، رئيس الأركان الحالي الجنرال اشفق كياني قد يكون دكتاتورا مترددا لأنه يقود جيشا هبطت معنوياته للحضيض. \r\n \r\n الجيش لا يزال يبدي الانضباط والولاء لقيادته وبالتالي من غير المحتمل ان يتمرد قادة الجيش على قائدهم، ولكن الأكثر احتمالا هو ان يرمي هؤلاء الجنرالات بثقلهم وراء رئيس جديد. هل يكون نواز شريف؟ \r\n \r\n يحاول شريف حشد الشارع خلفه والجيش الذي اطاح به في 1999 لا يكن له الكثير من المحبة، ولكن مع ذلك يمكن ان يقدم له الدعم وهو أمر لن يسعد الأميركيين الذين يتهمونه بخلق علاقات دافئة مع الاحزاب الإسلامية بالاضافة الى ان همه الأول سيكون محاربة الفساد وليس الارهاب. \r\n \r\n ان اللعبة السياسية في باكستان لن تبقى للنهاية مقصورة على الاسماء المعروفة، فلقد ظهرت خلال العامين الماضيين اسماء جديدة في الحكومات الاقليمية، وفي اوساط المحامين، لا يتمتع أي واحد من هؤلاء بالدعم الكافي لشغل منصب الرئيس ولكن الطبقة السياسية قادرة على الخروج بشخصية مقبولة اذا ما اعطيت الفرصة لذلك. \r\n \r\n الدرس الذي يتوجب على أميركا وبريطانيا تعلمه هو التوقف عن مغازلة الرابحين كما سبق وان فعلتا ذلك مع مشرف وبوتو وزرداري. \r\n \r\n الأفضل الانتظار لرؤية القادم الجديد الذي سيظهر من هذه العاصفة التي تزأر والتعاون معه لإعادة بناء الديمقراطية التي يحطمها زرداري حاليا.