وكان كابلان قد أكد في هذه المقالة على أن سيراليون، مثل معظم دول العالم النامي، محكوم عليها بالفوضى والفقر في المستقبل بسبب عوامل حتمية لا يمكن الفرار منها بشكل كبير مثل الضغوط السكانية والزحف الحضاري وندرة مصادر الغذاء والمياه. \r\n وكانت مذكرة كلينتون قد حملت عنوان \"هل هذا حقيقي\"؟. وما يدعو للأسى هو أن السنوات الثماني التي تلت هذا التاريخ أكدت على ذلك السيناريو المأساوي مع سقوط سيراليون بشكل إضافي في هوة الحرب الأهلية التي كانت بشاعتها لا مثيل لها في ظل الاستخدام الواسع للشبان المعزولين كجنود صغار ونهب موارد الماس والخشب على أيدى زعماء الحرب الإقليميين، ومن بينهم الرئيس الليبيري السابق تشارليز تايلور، وانتشار اللاجئين وعدم الاستقرار في معظم أنحاء غرب أفريقيا. \r\n \r\n ولكن هذا التوقع كان غير كاملاً، على المدى الطويل. ومثل طائر العنقاء، ظهرت دولة جديدة في سيراليون منذ التوقيع على اتفاقية السلام في عام 2002. وبالفعل، فقد تم اتخاذ العديد من الإجراءات الإيجابية في الوقت الحالي من قبل القيادة السيراليونية، المدعومة من قبل المجتمع الدولي. ويعد هذا الأمر مثالاً نموذجياً على كيفية إعادة بناء الدولة بعد الصراع؛ حيث شهدت سيراليون إجراء انتخابات حرة في شهر سبتمبر من العام الماضي، وقبل الحزب الحاكم الهزيمة وسلم السلطة إلى المعارضة بقيادة إرنست باي كوروما. وتحولت قوات الأمن السيراليونية، التي كان ينظر إليها لفترة طويلة كمصدر للفساد وانتهاك حقوق الإنسان بشكل بطيء إلى قوات أمن محترفة. وقد لبى المجتمع الدولي، الذي كان ينتقد في كثير من الأحيان لتبنيه طريقة عدم التدخل في أوقات الأزمات، التزاماته المنوطة به حيث اتخذ قرارات مهمة وتشمل قرار منح أولوية لجهود إحلال السلام في سيراليون تحت لواء مفوضية بناء السلام الجديدة التابعة للأمم المتحدة. \r\n ولكن التحدي الماثل أمامنا يبقى مروعاً؛ حيث يعيش معظم سكان سيراليون في فقر مدقع، وتدخل وفيات الأطفال في سيراليون ضمن قائمة أسوأ الدول التي تعاني من هذه المشكلة، وتصل نسبة البحث عن عمل بين الشبان في سيراليون إلى 80%. ويشيع انتشار الفساد داخل سيراليون حتى أن أكثر من نصف المسئولين الحكوميين الذين أجريت مقابلات معهم إعترفوا طواعيةً بأنهم شاركوا في ممارسات الخداع والإحتيال والفساد. ويبقى النظام السياسي في سيراليون ممزقاً ومنقسماً على طول الخطوط الإقليمية، مع استقطاب الحكومة لمعظم التأييد الذي تحصل عليه من الشمال، في الوقت الذي تنشط فيه قوى المعارضة بالأقاليم الجنوبية. وقد فاقم رئيس سيراليون الجديد من هذه الصراعات والمنافسات عبر طرد العديد من المسئولين من الجنوب واستبدالهم بمؤيديه من الشمال. وما زال معظم أفراد الشعب السيراليوني ينظر إلى الحكومة على أنها ليست مصدراً لتوفير الخدمات الاجتماعية والعدالة، ولكنها سلطة تهتم فقط بالعرقيات القوية أو المجموعة العرقية اليمينية، مع جشعها وانتهاكها لحقوق بقية الأقليات والجماعات العرقية. والآن تعاني الحكومة وأفراد الشعب السيراليوني من صدمة الإرتفاع الهائل في أسعار الطاقة والتأثير المدمر لأزمة نقص الغذاء العالمي، الأمر الذي ضاعف من أسعار بعض السلع الأساسية مثل الأرز في النصف الأخير من عام 2007 وحده. \r\n وقد سعى كوروما وفريقه إلى تحقيق وعده الذي كان قد قطعه على نفسه قبل الانتخابات عندما قال بأن الحكومة السيراليونية سوف تهتم بتوفير المصالح الأساسية للشعب السيراليوني. وفي العام الأول من فترة حكمه، دشن كوروما قانون إصلاح الخدمة المدنية الذي تأخر لفترة طويلة وطلب من الوزراء التوقيع على عقود الأداء التي يجب أن يتم تلبيتها كشرط لاحتفاظهم بمناصبهم. وذَكّرَ كوروما الموظفين المدنيين بأنهم يجب أن يقنعوا المواطنين السيراليونيين المتشككين بأن الحكومة تتعامل مع أولوياتهم الخاصة. \r\n وكان قدرة كوروما على تحويل الأضواء مرة أخرى إلى فريتاون مثالاً على نجاحه. بينما تسبب إخفاق سلفه في ضمان توزيع إمدادات الكهرباء في حدوث موجة من الغضب الشعبي العارم. وقد وافقت الدول المانحة الأجنبية على دعم هذا المشروع من خلال السماح ل \"كوروما\" بتحقيق أولوياته الخاصة في التعامل مع المطالب الشعبية. وقد ساهم هذا الأمر الذي اقترن بمشروع بومبونا لتوليد الطاقة الكهربائية من مساقط المياه في زيادة التوقعات بأن الحكومة السيراليونية سوف تتمكن قريباً من تزويد كل الأقاليم السيراليونية بإمدادات الطاقة الكهربائية. ولكن، هل سيحافظ المانحون الدوليون على التزاماتهم، بالنظر إلى التقديرات التي تشير إلى أن هذه الخطوة سوف تكلف الحكومة السيراليونية 5 ملايين دولار شهرياً وهو المبلغ الذي لا تمتلكه، وهل سيكون مستخدمو مصادر الطاقة المحليون مستعدون لدفع فواتير الطاقة؟ إذا حدث هذا، يمكن أن تكون هذه الخطوة الشعبية نموذجاً لتمويل الخدمات الاجتماعية الضرورية الأخرى ومن بينها مشاريع توفير مياه الشرب النظيفة. وإذا لم يحدث ذلك، سوف تكون الديون الساحقة والتوقعات الشعبية غير المتحققة وصفة لسيناريو \"العودة إلى المستقبل المظلم\". \r\n وعند ردي على مذكرة كلينتون منذ 14 عاماً، استشهدت بردة فعل الشخصية الروائية (إيبينزر سكروج) التي أبدعها المؤلف البريطاني الشهير \"تشارليز ديكينز\" في قصة \"كريسماس كارول\" عندما أظهر رؤية مستقبلية جديرة بالشفقة على لسان شبح الكريسماس الذي سوف يأتي فيما بعد، وقال: \"سلوكيات الرجال سوف تلقي بظلالها على نهايات معينة، وسوف يحرز الأشخاص قصد السبق إذا ثابروا وأصروا على تحقيق أهدافهم. ولكن إذا تم التنازل عن سلوكيات معينة، سوف تتغير النهايات. لذا، يمكن القول أيضاً بأن سيراليون تحت حكم كوروما، والتي يدعمها المجتمع الدولي تمتلك الفرصة لكي تتجاوز ماضيها وأن تحبط رؤية كابلان عن فشلها المحتوم. \r\n \r\n دونالد شتاينبيرج* \r\n * مدير بارز للشئون الأفريقية بمجلس الأمن الوطني الأميركي في عقد التسعينيات من القرن الماضي ونائب رئيس مجموعة الكوارث الدولية. \r\n *خدمة انترناشيونال هيرالد تريبيون، خاص ب (الوطن) \r\n