أدى الرئيس السيراليونى أرنست كوروما الجمعة الماضية اليمين الدستورية فى فريتاون لولاية ثانية لمدة خمس سنوات، واعدا بتثبيت السلام فى بلاده التى خرجت قبل عقد من حرب أهلية استمرت 11 عاما. وقال كوروما -الذى أعيد انتخابه فى نوفمبر 2012 خلال احتفال أداء اليمين الدستورية فى المدرج الكبير فى العاصمة الجمعة الماضية-: "أوصلنى القدر، كرئيس لسيراليون، إلى أن أكون هنا اليوم للمرة الثانية.. أشكر بصدق شعب هذه الأمة العظيمة لإعطائى فرصة خدمته والحفاظ على إرث السلام، التقدم والتطور". وأشار إلى أن سيراليون اجتازت منذ انتهاء الحرب الأهلية "طريقا طويلا، واليوم ننتصر للديمقراطية"، داعيا السيراليونيين إلى التحلى بالتسامح الدينى والسياسى. وشهد مراسم أداء اليمين الدستورية التى استمرت قرابة سبع ساعات، الرئيس السابق للبلاد أحمد تيجان كباه (1996-1997 و1998-2002) ونائب الرئيس السابق سولومون بيريوا (1998-2007)، كما شارك ممثلون رفيعو المستوى من 17 بلدا بينها الولاياتالمتحدة. وكان رئيس الدولة الوحيد المشارك فى المراسم هى الليبيرية إيلين جونسون سيرليف، وهى أيضا الرئيسة الحالية لاتحاد نهر مانو الذى يضم غينيا وليبيريا وسيراليون وساحل العاج. وفى بيان تلته باسم هذه المنظمة، رحبت سيرليف بإعادة انتخاب كوروما، داعية إلى "اندماج إقليمى" أفضل لسيراليون. وأعيد انتخاب أرنست كوروما بعد انتخابات رئاسية أجريت فى 17 نوفمبر 2012، فى نفس الوقت الذى أجريت فيه انتخابات تشريعية، وحصل على قرابة 59% من الأصوات، متقدما على أبرز منافسيه يوليوس مادا بيو الذى حل ثانيا مع 37.4% من الأصوات. تحديات أمام كوروما وتعد سيراليون من أكثر الدول الإفريقية فقرا؛ حيث يبلغ معدل النمو السنوى بها حوالى 04% فقط، بالإضافة إلى ارتفاع معدل التضخم فيها إلى نسبة 673%؛ مما أسهم فى ارتفاع ثمن معظم السلع الأساسية فوق طاقة المواطن العادى، كما أن متوسط دخل المواطن منخفض؛ حيث يبلغ ما يعادل 160 دولارا أمريكيا سنويا، بينما يبلغ العجز فى الموازنة حوالى 61% من الناتج القومى وتبلغ المديونية الخارجية على سيراليون حوالى 1392 مليون دولار. وعلى الرغم من أن سيراليون تعد من الدول الإفريقية الغنية بالمعادن مثل الألماس وبعض المعادن الأخرى، التى تصدر إلى الخارج، إلا أن انخفاض أسعار هذا المعدن –بفعل الميليشيات العسكرية وجماعات المصالح الغربية- أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، كما تزايدت معدلات الفساد، خصوصا بين صفوف ضباط الجيش، نتيجة لاستغلالهم امتيازات استخراج الألماس وتهريبه إلى الخارج. وتعانى سيراليون مثل كثير من الدول الإفريقية من الاختلافات العرقية، نتيجة للسياسات الاستعمارية التى قامت بها بريطانيا فى فترة الاستعمار، فعندما أوقفت العمل بتجارة الرقيق قامت بتوطين عدد كبير منهم فى سيراليون دون مراعاة للاختلافات الإثنية والعرقية لهم؛ مما أدى إلى وجود عشرين قبيلة تتصارع فيما بينها.. ومن أبرز تلك القبائل؛ المندى التى تمثل حوالى 30% من السكان البالغ عددهم 53 مليون نسمة، وفق تقديرات 2008، وقبيلة النمنى التى تمثل حوالى 31% من جملة السكان، بالإضافة إلى أقلية الكريول، التى قامت بريطانيا برعايتها مباشرة، التى اتخذت لغة تخاطب خاصة بما تسمى "الكريو"، وهى تختلف عن لغة تخاطب سكان الداخل السيراليونى، بل إنها أصبحت لغة التخاطب فى الغرب الساحلى. وأدى التمايز الثقافى والعرقى إلى ضعف الانتماء والولاء للدولة وزيادة الانتماء للقبيلة على حساب الدولة؛ مما أضعف من شعور المواطن السيراليونى بالانتماء إلى دولته، وزاد من شعور كل قبيلة بالتمايز عن القبائل الأخرى؛ مما أدى إلى ظهور الصراعات المسلحة بين هذه القبائل، خصوصا فى ظل ضعف الحكومات المختلفة لسيراليون، وفى ظل حصول هذه القبائل على إمدادات الأسلحة من الخارج. وعلى الصعيد السياسى، تعانى سيراليون من ظاهرة الانقلابات العسكرية المتكررة وعدم الاستقرار والصراع المستمر على السلطة؛ مما أدى إلى إضعاف الأنظمة الحاكمة وأعطى الفرصة لبعض الحركات المسلحة للظهور على سطح الأحداث مثل الجبهة الثورية المتحدة بقيادة فوداى سنكوح فى التسعينيات، وغيرها، تحت دعوات مختلفة مثل؛ إعادة الديمقراطية والاستقرار، تطبيق الديمقراطية، القتال من أجل إعلاء مكانة الإنسان الإفريقى. وأسهم الصراع الدولى فى تعميق أزمات سيراليون السياسية والاقتصادية؛ حيث انحازت بريطانيا ونيجيريا إلى الحكومات المتوالية، بينما وقفت ليبيريا وبوركينا فاسو إلى جانب المتمردين، بينما فشلت الأممالمتحدة فى لعب دور مؤثر فى تهدئة النزاعات فى سيراليون، وامتنعت أمريكا عن الدخول فى دائرة الصراعات فى سيراليون بعد فشلها فى الصومال. ويبقى مستقبل سيراليون مرهونا بقدرة الرئيس الجديد على إدارة التوازنات السياسية، وتحقيق معدلات تنموية تنقذ الشعب السيراليونى من الفقر.