بيد أن هذا الارتفاع الكبير في الأسعار والذي يضر بالغذاء اليومي ل 73 مليون شخص والذي يقدمه برنامج الغذاء العالمي ومئات الملايين من العاملين بأجور منخفضة ربما يؤدي من جهة أخرى إلى إيجاد فرصة لم تتح منذ سنوات للمزارعين الأكثر فقرا في العالم للخروج من الفقر. \r\n فهناك أكثر من مليار نسمة في أنحاء العالم يعيشون على أقل من دولار في اليوم . والغالبية العظمى من السكان هنا في رواندا يندرجون تحت تلك الفئة. ونظرا لأن هؤلاء السكان يعتمدون على أنفسهم في انتاج الغذاء كما ان الفقر المدقع الذي يعانون منه يجعلهم غير قادرين على توفير الأسمدة والجرارات والبذور الجيدة ومن ثم فهم معزولون عن فورة الأسعار. ولسنوات ظل المزارع الرواندي يعاني حالة من الموت البطئ غير أنه ومع القفزة التي شهدتها أسعار المواد الغذائية الى حد يفوق إمكانيات الشخص العادي أصبح الانتاج المحلي للغذاء أكثر جاذبية ما يعني أن المزارعين أكثر قدرة على توفير دخول لمعيشتهم. \r\n ومنذ عام 1850 شهدت أسعار السلع الأساسية انخفاضا مطردا. وحتى وقت قريب كانت أسعار البن والذرة وحتى الزيت تتجه الى الإنخفاض. والمفارقة أن الارتفاع في أسعار الوقود قد أدى الى زيادة الطلب على الإيثانول المصنوع من الذرة. وفي حين ان الوقود الحيوي لن يقلل من الحاجة للنفط الخام فإن النتيجة المترتبة على ذلك بنقص الذرة قد أدت الى ارتفاع اسعار المواد الغذائية. \r\n وفي أفريقيا نجد ان الأزمة قد تمخضت عن دروس صارخة. فالدول التي تتمتع بديموقراطية أفضل وتنهج سياسات اقتصادية جيدة تبدو أكثر قدرة على الوقوف في وجه ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وفي الوقت نفسه فالبلدان الأقل انفتاحا استخدمت سياسات عفا عليها الزمن من الإعانات والتعريفة الجمركية ما أدى الى تفاقم تقلبات السوق. وليس من قبيل المصادفة ان اثيوبيا ونيجيريا قد شهدتا أعمال شغب في حين أن أوغندا ورواندا وتنزانيا كانت هادئة نسبيا. \r\n اما البلدان الآسيوية التي أصبحت تعيش اقتصاديات صناعية فهي الأكثر توترا فنجد مؤسسات عمال المصانع ذوي الاجور المنخفضة أقل مرونة في ظل تعرض هؤلاء العمال لضغوط أكبر مع ارتفاع أسعار السلع المنزلية. إلا أن المزارعين الذين يعيشون على حد الكفاف بدون الاعتماد على الأسمدة المكلفة أو الماكينات التي تعمل بالوقود يمكنهم بيع فائض الانتاج بأسعار مرتفعة. كما أن المزارعين في المناطق الواقعة جنوب الصحراء الكبرى في افريقيا الذين يقومون بزراعة مساحات صغيرة تقل عن 2.5 فدان يستفيدون من النمو الاقتصادي المفاجئ حيث يستطيع هؤلاء المزارعين توسيع انتاجهم لمواجهة الطلب المتزايد. ومن الممكن ايضا أن تجتذب تلك النهضة الزراعية المحلية بعضا من سكان الحضر للعودة الى الريف مرة ثانية للعمل في الزراعة وتحقيق مكاسب لائقة. \r\n وأكد تقرير نشرته منظمة الاممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة في ابريل أن المزارعين في أنحاء العالم يمكن أن يستفيدوا من تقليص اعتمادهم على الوقود الاحفوري وينهجون ممارسات من شأنها ان تحمي بيئاتهم. ويعني ذلك أن تخفيض كمية الوقود الاحفوري المستخدم في الزراعة فضلا عن الأسمدة ومبيدات الآفات يصب في مصلحة الموارد المتوفرة محليا. والمؤكد أن مدخلات مثل الأسمدة يمكن أن تحدث دفعة كبيرة في انتاجية ومكاسب المزارعين الفقراء على المدى القصير. \r\n وقد كتب زميل لي من نيجيريا هذا الربيع يقول أنه في الوقت الذي زادت فيه تكلفة الاسمدة بنسبة 50% فقد زاد سعر بيع الذرة بنسبة 100% . وبعبارة اخرى فالمزارعين أصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة ممن تتوفر لهم امكانية الحصول على رأس المال اللازم لتوفير الأسمدة قد ضاعفوا دخولهم هذا العام. \r\n ومن المجالات الرئيسية الأخرى للاستثمار الانتاجي للمزارعين الفقراء والذي يمكن الحكومات المانحة أن تؤدي بشكل جيد للاستثمار فيها البذور الجيدة والمساعدة الفنية في الزراعة والتنويع بمحاصيل عالية القيمة تقل احتمالات تأثرها بالتقلبات في أسواق السلع الدولية. \r\n وقد استغرق الامر مع الأميركيين عقودا للوصول الى الحس السليم للانتاج والاستهلاك المحلي. ولحسن الحظ ربما يجذب هذا التوجه البلدان الأكثر فقرا في العالم بسرعة أكبر. وقد جادل كثيرون من أجل \" الثورة الخضراء في افريقيا\" المتمثلة في ممارسات زراعية أفضل وانتاج أكبر من خلال استثمار أوسع في مزارع صغار الملاك. بيد أن الوقت قد لا يكون جيدا للسير قدما في ذلك. ويجب علينا أن نقاوم اغراءات تطبيق الاستجابات التقليدية لمجابهة ارتفاع اسعار الغذاء بممارسات على شاكلة التوسع في الإعانات أو حماية الأسواق. \r\n والاستثمار من اجل الفقراء اليوم ربما يمكن كثيرين من الخروج من حالة الفقر المحكم منذ عقود. فإذا تمكن المزارعين أصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة من زيادة دخولهم بقيم حقيقية للمرة الاولى منذ 50 عاما مدعومة بالتحسينات التي شهدها قطاعي الصحة والتعليم فربما ينجحون في الخروج من براثن الفقر كما فعل كثيرون في جنوب شرق آسيا. \r\n وخلال الأشهر القادمة سيكون هناك كثيرون في حاجة الى إغاثات غذائية إلا أن أعداد أكبر سوف تستفيد من الاستثمارات في التعاونيات الزراعية والمزارع الصغيرة. وستساعد هذه الاستثمارات في الحفاظ على التقدم ودعم الاستقرار والأهم من ذلك أنها ستساعد فقراء العالم في اطعام أنفسهم وجيرانهم. \r\n \r\n جوش روكسين \r\n أستاذ مساعد في الصحة العامة بجامعة كولومبيا ومؤسس ومدير \"مشروع اكسس\" لمساعدة البلدان الافريقية والذي يوجد مقره في راوندا \r\n خدمة لوس انجلوس تايمز وواشنطن بوست خاص بالوطن