\r\n \r\n وتظل روسيا, ايضا, اوسع البلاد مساحة, وتحتل موقعا حيويا في الغرب وفي الشرق, وعلى تقاطع الطرق بين الحضارات المتشاحنة, وبقدرات استراتيجية تمتد من اوروبا وايران وغيرها من دول الشرق الاوسط, الى كوريا الشمالية والصين والهند وافغانستان, حتى امريكا اللاتينية. فان اخذت جميع هذه الامور بالاعتبار, فقد يعتمد الامن القومي للولايات المتحدة على روسيا اكثر من اعتماد الامن القومي الروسي على الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n ومع كل هذا, فان العلاقات الامريكية - الروسية الان اسوأ مما كانت عليه قبل 20 عاما, وتشتمل هذه العلاقة على العديد من النزاعات الخطيرة, مثلما كانت حالها ايام الحرب الباردة - منها كوسوفو وايران, والجمهوريتان السوفييتيتان السابقتان: اوكرانيا وجورجيا, وفنزويلا, وتوسع الناتو, وشبكة الدفاع الصاروخي, والحصول على النفط, والسياسات الداخلية للكرملين.. والمستوى المتدني الحقيقي, خاصة في قضايا جوهرية تتعلق بالاسلحة النووية. \r\n \r\n وفي الواقع, يتزايد عدد المراقبين على الجانبين, الذين يعتقدون بأن هذه العلاقة اصبحت على شفا حرب باردة جديدة, بما في ذلك سباق تسلح جديد. ذلك انه حتى قيام حرب باردة, او السلام البارد راهنا, يمكن ان تكون اكثر خطورة من سابقتها, لثلاثة اسباب. اولا, لان خطها الامامي لن يكون في برلين او العالم الثالث, بل على حدود روسيا, حيث يزداد اخفاء القوة العسكرية للولايات المتحدة والناتو. ثانيا, الاخطار المميتة الكامنة في ضعف سيطرة موسكو وتحكمها في مخزونها الهائل من مواد الدمار الشامل, والآلاف من الصواريخ المنصوبة على اهبة الاستعداد بانتظار لمسة اصبع, نتيجة تفكك الدولة في التسعينيات, الامر الذي يفوق كل ما سبقه من اخطار حقبة الماضي. ثالثا, وعلى العكس من حال الماضي كذلك, لا تتوافر معارضة فاعلة للسياسات المتشددة في واشنطن او في موسكو, بل هناك المؤيدون اصحاب النفوذ والزعماء المصفقون. \r\n \r\n فكيف وصلت الحال الى هذا الوضع? قبل اقل من 20 عاما, توصل الزعيمان السوفييتي ميخائيل غورباتشوف, والامريكي جورج بوش الاب, الى اكمال عملية كان قد بدأها غورباتشوف والرئيس رونالد ريغان, والاتفاق على انهاء الحرب الباردة \"من دون رابحين ولا خاسرين\", وتدشين عهد جديد من \"التعاون الصادق\". \r\n \r\n في سياسة النخبة, وفي وسائل الاعلام, الامريكية, تتمثل وجهة النظر شبه الاجتماعية في ان السياسات الداخلية المعادية للديمقراطية, والتي توصف \"بالامبريالية الجديدة\", التي ينتهجها الرئيس فلاديمير بوتين, فقد حطمت تلك الفرصة التاريخية, غير ان المرء ليس بحاجة لان يكون من انصار بوتين كي يفهم ان هذا ليس بالتفسير الملائم. فعلى مدى السنوات الثماني الماضية, كانت سياسة بوتين الخارجية رد فعل - والى حد بعيد - على اسلوب واشنطن لكسب موسكو كليا الى مدارها, المتمخض عن مراجعة الولاياتالمتحدة لوجهة نظرها المتعلقة بالكيفية التي انتهت بها الحرب الباردة. ففي هذه الرواية الانتصارية, تكون امريكا قد \"كسبت\" نزاعا استمر 40 عاما, وتكون روسيا ما بعد الحقبة السوفييتية دولة مهزومة, وشبيهة بدولتي المانيا واليابان في اعقاب الحرب العالمية الثانية.. اي دولة من دون سيادة وطنية كاملة على اراضيها, ومن دون استقلال ذاتي تام في مصالحها القومية في الخارج. ومن المؤكد ان تداعيات هذه السياسة الانتصارية للحزبين, ما تزال تفرض نفسها اليوم, واضحة تماما, خاصة بالنسبة لموسكو. \r\n \r\n كانت هذه السياسة تعني ان للولايات المتحدة الحق في الاشراف على التطور السياسي والاقتصادي في روسيا ما بعد الشيوعية, مثلما حاولت ان تفعل ذلك في التسعينيات, بينما تطالب موسكو, في الوقت ذاته, الاذعان للمصالح الامريكية الدولية. كما كانت تعني احتمال قيام واشنطن بالحنث بوعودها الاستراتيجية لروسيا, مثل شروع ادارة كلينتون بتوسيع الناتو شرقا مع عدم الاكتراث بمبادرات الكرملين الاستثنائية, ومثل انسحاب ادارة بوش من جانب واحد من معاهدة الصواريخ البالستية, وتقريب منطقة الناتو اكثر من روسيا, بالرغم من المساعدة الحاسمة التي قدمها بوتين للجهد الحربي الامريكي في افغانستان بعد 11 ايلول. بل انها تعني ان امريكا كانت مخولة بالوصول الى المجال التاريخي والتقليدي للامن والطاقة لروسيا, ابتداءً من منطقة البلطيق واوكرانيا وجورجيا, الى آسيا الوسطى وبحر قزوين. \r\n \r\n كان لا بد لمثل هذا التصرف الامريكي ان يولد حركة ارتجاعية شديدة من جانب روسيا. وحدث ذلك في ظل حكم بوتين, لكنها كانت ستصدر عن اي زعيم قوي في الكرملين, بصرف النظر عن اسعار النفط العالمية, ولعلها لن تكون غير ذلك, وقد ساعدت هذه السياسات الامريكية, التي تعرف على نطاق واسع في موسكو, بانها سياسة \"تطويق\" ترمي الى ابقاء روسيا ضعيفة, والسيطرة على مواردها الطبيعية, وعلى احياء المشاعر القومية الروسية وترسيخ اقدامها, وتحطيم اللوبي الموالي لامريكا الذي ظهر في حقبة ماضية, واثارة اتهامات على نطاق واسع بأن التنازل امام واشنطن \"ابتزاز\" حتى \"خضوع\" ولربما كانت ردة فعل الكرملين مبالغا فيها, لكن السبب والتأثير بينان تماما في التهديد بوقوع حرب باردة جديدة. اما وان الخطوات الاولى في هذا الاتجاه اتخذت في واشنطن, فكذلك يجب ان تكون مبادرات الرجوع عنها وقلبها. \r\n \r\n وهناك ثلاث مبادرات اساسية وملحة, هي: دبلوماسية تتعامل مع روسيا كدولة عظمى ذات سيادة ومصالح قومية مكافئة; وانهاء توسيع الناتو قبل ان يمتد ويصل اوكرانيا, ما يخاطر بحدوث شيء اسوأ من الحرب الباردة, والاستئناف الكامل للمفاوضات الخاصة بتقليص المخزون النووي تقليصا حادا, والتأمين الشامل لسلامة الاسلحة النووية المكدسة, والحيلولة دون وقوع سباق التسلح البادي في الافق, الامر الذي يعني وقف شبكة الدفاع الصاروخية في اوروبا, او الاتفاق عليها, وفي هذا الخصوص, تفيد المباحثات الاخيرة التي جرت مع بعض النخب السياسية في موسكو, بان الوقت لم يفت بعد. \r\n \r\n يفترض في حملات انتخابات الرئاسة الامريكية ان تتناول هكذا قضايا جوهرية وحيوية, لكن اعضاء مجلس الشيوخ: جون ماكين وهيلاري كلينتون وباراك اوباما لم يفعلوا ذلك. وبدلا منه, تعهد كل واحد منهم بان يكون اقل \"لطفا ونعومة\" حيال الكرملين, وان يواصل تطويق روسيا, والضغط في مجال \"الترويج للديمقراطية\", وكلاهما لم يؤديا الا الى تقويض الامن الامريكي والديمقراطية الروسية منذ التسعينيات. \r\n \r\n وللانصاف نقول, انه ما من لاعبين مؤثرين في السياسة الامريكية, بما فيهم وسائل الاعلام, طالب مرشحو الرئاسة تناول هذه القضايا. وعليهم جميعا ان يفعلوا ذلك الان, قبل ان تضيع فرصة اخرى.. في واشنطن كما في موسكو. \r\n