فما هو التفسير المقبول لوجود متشددين في ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش وفي مكتب نائبه ديك تشيني على وجه التحديد يدعون الى تبني نهج متشدد جديد ازاء موسكو يشابه ما كان الحال عليه اثناء الحرب الباردة? \r\n \r\n تفيد التقارير الصحافية ان هؤلاء المتشددين يدعون الى اقامة تحالفات عسكرية معادية لموسكو مع جيران روسيا وتقديم الدعم العلني لمعارضي الرئىس فلاديمير بوتين السياسيين في الداخل. \r\n \r\n ان بعض المواقف الامريكية المقترحة من روسيا تبدو استفزازية بشكل متعمد. لا شك ان على الولاياتالمتحدة ان تدعم الانظمة الديمقراطية في جورجيا واوكرانيا. ولكن هل من مصلحة الولاياتالمتحدة دعم الجورجيين في حربهم الاهلية العرقية ضد الانفصاليين المدعومين من قبل موسكو? ولماذا تجد الولاياتالمتحدة مصلحة في ادخال اوكرانيا في حلف الناتو قبل ان تصبح ديمقراطية مستقرة تتبنى الاقتصاد الحر وفي وقت يعارض فيه الكثير من الاوكرانيين بشدة مثل هذا الاجراء ويفضلون عليه التحالف مع روسيا? \r\n \r\n ان تشجيع النزاعات على حدود روسيا امر غير اخلاقي ولا يتصف بالحكمة وخصوصا وان الولاياتالمتحدة المنشغلة بحربها في العراق لا تملك ما يكفي من الجنود لدعم اية التزامات امنية يمكن ان تحتاج الى تقديمها للدول التي يمكن ان تنشق عن موسكو. \r\n \r\n صحيح ان الغرب محق في معارضة موسكو في بعض الشؤون مثل دعم روسيا لمحاولة تزوير الانتخابات الاخيرة في اوكرانيا, ولكن في حالات عديدة اخرى, يتوفر مجال للتراضي او سبب للتساؤل عن سلامة افتراضات واشنطن. \r\n \r\n لنسأل, مثلا, عن السبب الذي يدفع واشنطن الى لوم موسكو على التعامل مع الدكتاتوريات في وقت تقوم فيه واشنطن بالشيء نفسه منذ وقت طويل متساهلة وفاسحة المجال امام اية دكتاتورية تمتلك ما يكفي من النفط. ولماذا تمطر روسيا بالمحاضرات عن الحاجة الى تبني \"الممارسات العالمية في اقتصاد السوق\" في وقت تستنكر فيه بشدة قيام موسكو برفع اسعار الطاقة التي تزود بها جيرانها الى مستوى اسعار السوق? ولماذا تقدم واشنطن كميات كبيرة من المساعدات الامريكية للزعيم الجورجي اثر الاخر لمجرد كونهم مناوئين للروس وبغض النظر عن تحولهم الى طغاة فاسدين? \r\n \r\n ولواشنطن, بالطبع, الحق في انتقاد موسكو على بعض جوانب تعاملها مع حماس وايران. لكن القليل من الامانة في الموقف الامريكي يستدعي الاعتراف بان موسكو في هذه الشؤون اكثر تناغما مع الرأي العام العالمي من واشنطن. يضاف الى ذلك ان الموقف الامريكي المتشدد من ايران وحماس يمكن ان يواجه الاخفاق الامر الذي يجعل من روسيا وسيطا مفيدا للولايات المتحدة. \r\n \r\n هناك, ايضا, قضية موقف بوتين من الديمقراطية, وهي قضية شائكة حقا لان الرئيس الروسي يزداد تسلطا مع الايام. لكن هذا لا يمنع من القول بان التوقعات الامريكية بهذا الصدد غير واقعية. فالديمقراطية التي يدعي البعض ان الرئيس الروسي قد اطاح بها لم تكن, في الواقع, ديمقراطية حقيقية على الاطلاق, انما كانت ديمقراطية مزيفة تهيمن عليها الزمر الاوليغارشية المتسمة بالقسوة والفساد, فقد قامت ادارة بوريس يلتسين في سنوات التسعينات وتحت ضغط النخب الاوليغارية والليبرالية بتزوير الانتخابات وقمع المعارضة واطلاق حرب دموية غير ضرورية في الشيشان. وقد حصل كل ذلك بدعم من واشنطن. \r\n \r\n وبالنسبة للمواطنين الروس العاديين, كانت الديمقراطية التي رعتها واشنطن تعني الوقوف بلا حول ولا قوة في الوقت الذي كانت النخب \"الليبرالية\" فيه تنهب البلاد وتحول الثروات الطائلة الى البنوك الغربية حيث تعود فوائدها على الاقتصادات الغربية. \r\n \r\n ولان المواطنين العاديين في روسيا يعتبرون بوتين الزعيم الذي انهى عقدا من الفوضى التي عمت فترة ما بعد انهيار النظام السوفييتي, ووضع حدا لعمليات النهب والاذلال الوطني, ولانه نجح في رفع مستويات المعيشة في فترة حكمه, اضافة الى كونه قد وقف بوجه الغرب فان الاغلبية الكبرى من الروس تمنحه دعمها وتأييدها. \r\n \r\n وبالمقابل, لا يتمتع \"الديمقراطيون\" الروس الذين تفضلهم واشنطن باية فرصة للفوز في انتخابات حرة. وكلما زاد اندفاعنا في تأييدهم, كلما تضاءلت شعبيتهم لدى الجماهير. ان الانتقاد المفرط الذي يوجهه الغرب الى بوتين لا يخدم في شيء قضية تعزيز الديمقراطية الروسية. بل انه يغضب المواطن الروسي العادي ويهدد بدفعه اكثر واكثر صوب القومية الشوفينية. \r\n \r\n ومع ذلك, فلا يبدو ان واشنطن تتفهم عواقب السياسات الكارثية التي انتهجتها ازاء روسيا في سنوات التسعينات. ان المواقف المنافقة والمفرطة في عدائيتها لروسيا ليست حكرا على محاربي الحرب الباردة من امثال ديك تشيني, انما هي منتشرة على نطاق واسع بين قيادات السياسة الخارجية الامريكية. وقد تجلت هذه المواقف في تقرير شاركت في وضعه لجنة من ممثلي الحزبين الديمقراطي والجمهوري عينها مجلس العلاقات الخارجية. في صفحاته الست والسبعين, يكيل التقرير الذي نشر مؤخرا الانتقادات الحادة لروسيا, ولا يضم اية اشارة الى احتمال ان يكون اي من الاجراءات الامريكية ازاء روسيا خاطئا او ضارا. \r\n \r\n لا شك ان روسيا تتحمل قسطا كبيرا من اللوم عن تدهور العلاقة بينها وبين الولاياتالمتحدة, لكنها ليست الجهة الوحيدة التي يقع عليها ذلك اللوم. ان ما جاء به التقرير يمثل ذلك النوع من الدعاية الغبية التي ينتظرها المرء من غلاة المعادين للاتحاد السوفييتي في فترة الحرب الباردة وليس من مثقفين يفترض ان يكونوا مستقلين في اكبر ديمقراطية في العالم. \r\n \r\n ومما يؤسف له ان نشاهد هذا النوع من الفشل الاخلاقي في مواقف المؤسسة الامريكية ازاء الكثير من الدول. وهو يعكس, ضمن ما يعكس, اخفاقا مزمنا من جانب المحللين الرسميين وشبه الرسميين في اداء واجبهم الفكري الاول وهو وضع انفسهم موضع المواطنين العاديين في الدول الاخرى وصولا الى التمكن من النظر الى العالم من خلال عيون اولئك المواطنين. \r\n \r\n ان هذا التحسس لمواقف الاخرين قد لا يقود الحكومة الامريكية بالضرورة الى الاتفاق مع بقية الدول, لكنه يمكن, على الاقل, ان يساعد واشنطن في تفادي تلك المواقف العدائية, والخطرة, وغير الواقعية التي يحث البعض على انتهاجها ازاء روسيا. \r\n