واليوم يسعى الأميركيون الى قلب الأوضاع ورفع الضرر الذي وقع على شريحة عراقية واسعة من جراء سياسة «اجتثاث البعث» المتبعة. فحسب المحللين، ومن بينهم أميركيون، تسببت عملية ملاحقة «البعثيين» وطردهم من المؤسسات الحكومية، فضلاً عن تفكيك الجيش السابق في نشوء استقطاب حاد داخل المجتمع العراقي أدى الى تغذية التمرد السُّني ضد الأميركيين. لذا أصبحت مهمة اعادة ادماج أعضاء من حزب «البعث» السابق في العملية السياسية بهدف اضعاف شوكة التمرد احدى أولويات واشنطن الكبرى وحجر الزاوية في استراتيجيتها الجديدة. \r\n \r\n والواقع أن رغبة الولاياتالمتحدة في تغيير مسار عملية اجتثاث «البعث» وصلت الى مستوى دفع بالادارة الأميركية، حسب مصدر مطلع، الى استدعاء نائب الرئيس العراقي عادل عبدالمهدي الى واشنطن أواسط شهر مارس الماضي لمناقشة الموضوع. وعقب رجوعه الى بغداد، يقول المصدر، اجتمع نائب الرئيس مع السفير الأميركي زلماي خليل زاد لصياغة مشروع قانون يروم اصلاح السياسات المناهضة لحزب «البعث». وقد مارس «خليل زاد» قبل مغادرته للعراق ضغوطاً كبيرة لاقرار مشروع القانون، حيث حاول اقناع الرئيس العراقي جلال طالباني، ورئيس الحكومة نوري المالكي بالموافقة على القانون قبل انعقاد القمة العربية في السعودية كاشارة حسن نية لسُنة العراق، ولبعض دول الجوار التي تنتقد الحكومة الشيعية بسبب اقصائها لأبناء مذهبهم من السُّنة. وقال المصدر المقرب ان رئيس الحكومة العراقية «كان يتميز من الغيظ بسبب الضغوط التي تمارسها واشنطن، وتحول موضوع ادماج البعث الى أداة يوظفها البيت الأبيض لاقناع الكونغرس بالموافقة على تمويل الحرب». \r\n \r\n ويضيف المصدر أن عزاء المالكي الوحيد هو استبعاد موافقة حلفائه في البرلمان، الذين يضمون أتباع رجل الدين الشيعي المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر، على مشروع اصلاح قانون «اجتثاث البعث». ومازالت واشنطن رغم ضغوطها على النخبة السياسية العراقية لاقرار الاصلاحات تواجه صعوبات في هذا المجال. والأكثر من ذلك يقول بعض المسؤولين العراقيين ان البرلمان العراقي الذي يهيمن عليه الشيعة قرر سلفاً التخفيف من حدة مشروع قانون «اصلاح اجتثاث البعث» بعدما رفعه اليه في الشهر الماضي كل من جلال طالباني ونوري المالكي بهدف افراغه من مضمونه. ويرى البعض الآخر أنه حتى لو وافق البرلمان على تمرير قانون «الاصلاح» كما هو دون ادخال تعديلات، فانه من غير المرجح أن يؤثر على عملية المصالحة التي تسعى الى تكريسها الادارة الأميركية لأن الوقت متأخر جداً. وفي هذا السياق يقول محمود عثمان، وهو برلماني كردي مقرب من الرئيس طالباني: «يبدو أن الوقت متأخر بعدما تعقدت الأمور، فحتى بعد اعدام صدام حسين هناك من أصبح أكثر تشدداً ويرفض رفضاً تاماً عودة البعثيين». \r\n \r\n وفي زيارته الأخيرة الى العراق حث وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس نوري المالكي أثناء اجتماعه به على ضرورة اقرار البرلمان العراقي مجموعة من القوانين بما فيها قانون «اصلاح اجتثاث البعث» قبل الاجازة الصيفية. ويؤكد هذا التوجه الأميركي الساعي الى اقرار قانون جديد لاعادة ادماج «البعثيين» في السلطة السفير الأميركي الجديد في بغداد رايان كروكر الذي قال «لقد كان واضحاً منذ البداية أن احدى أهم الأولويات سواء بالنسبة للعراق، أو الولاياتالمتحدة، هي الشروع في عملية المصالحة الوطنية التي من شأنها أن تجمع العراقيين كافة ضمن بلد واحد يسعى الى تحقيق أهداف مشتركة»، مضيفاً «وأرى أن «اصلاح قانون اجتثاث البعث يندرج في هذا الاطار، وعلينا أن ندفع به الى الأمام». وبموجب مشروع القانون الجديد المعروض على البرلمان والذي حصلت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» على نسخة انجليزية منه، سيُسمح ل«بعثيين» سابقين من الذين لم يتورطوا في ارتكاب جرائم بالحصول على معاشات. كما تتيح لهؤلاء الذين عملوا مع النظام السابق في الأجهزة الأمنية فرصة الانضمام الى الشرطة، أو الجيش، أو الحصول على معاشات من الدولة. \r\n \r\n ويسعى مشروع القانون أيضاً الى تحجيم دور لجنة «اجتثاث البعث» التابعة للحكومة العراقية من خلال اعطاء صلاحيات أكبر لقضاة مستقلين للنظر في القضايا المعروضة عليهم، وانهاء عمل اللجنة كلية في ظرف ستة أشهر. هذا المسعى يعارضه بشدة المدير التنفيذي للجنة علي اللامي الذي يعتبر أن بعض عناصر القانون المقترح «مخالفة للدستور» العراقي مثل البند الذي ينص على حل اللجنة واقرار قانون لا تتجاوز مدته ثلاثة أشهر للبت في التهم الموجهة ل«بعثيين» سابقين. وفي لقاء أجري معه في مكتبه ببغداد صرح علي اللامي بأن عمل لجنته ينصب في الوقت الحاضر على دراسة مصير 21500 بعثي سابق من بين 12 مليون بعثي عراقي يتراوحون ما بين متعاطف وعضو نشط، لذا يتعين استمرار اللجنة في العمل لضمان ابعاد الأساليب الشمولية ل«البعث» من أجهزة الدولة، مؤكداً أن «عدو العراق الأول هو البعث وليس القاعدة». ويعيب المدير التنفيذي ل«لجنة اجتثاث البعث» على السياسيين العراقيين ربطهم للمصالحة الوطنية مع عمل اللجنة، مذكراً كتلة الائتلاف العراقي الموحد في البرلمان، الذي ينتمي اليه نوري المالكي، أنه ما كان بمقدورها اكتساح البرلمان لو لم تستند الى برنامج مناهض لحزب «البعث». \r\n \r\n ومع ذلك يعترف علي اللامي بأن لجنته تظل عاجزة عن مواجهة القوى المحلية في المحافظات البعيدة التي تأبى اتباع سياسات متوازنة ازاء عملية اجتثاث البعث وترفض اعادة موظفين بعثيين ممن لم يثبت تورطهم في جرائم الى وظائفهم السابقة. \r\n