وتملك الاولى في خزينتها أكثر من تريليون دولار، في حين يزدهر قطاع التكنولوجيا المتقدمة ازدهاراً كبيراً في الثانية. والحق ان المؤسسات العالمية، وهذه دعت إلى تحرير التجارة، وفتح الأسواق امام الاستثمارات والبضائع الاجنبية، والحد من انتشار السلاح النووي، لن تكون في منأى من تغير موازين القوى العالمية. فنفوذ واشنطن راجح في هذه المؤسسات، وقد يقوض بروز الصين والهند، قوتين كبيرتين، هذا النفوذ. \r\n \r\n ومن المتوقع ألا تجيد إدارة بوش، وهي انتهجت سياسة احادية في الأعوام الستة الماضية، التعامل مع هذه التحديات. فالحرب على العراق أظهرت ميل واشنطن الى تعديل سياساتها الخارجية، ودور المؤسسات الدولية، لتتماشى مع تغير موازين القوى العالمية. وهو يسعى الى إشراك القوى العالمية الصاعدة في المحافل الدولية، والى استيعابها في النظام العالمي، الاميركي المنشأ. وهذه المساعي هي دليل على بعث جورج بوش الابن دعوة والده الرئيس الأسبق الى «نظام عالمي جديد»، ومحاولته إنشاء «نظام عالمي أكثر جدة وملاءمة». \r\n \r\n وثمة عثرتان أساسيتان تعوقان المساعي الأميركية. فالقوى العظمى التقليدية الأوروبية ترفض تقليص تمثيلها في المؤسسات الدولية، وتوطيد نفوذ الدول العظمى الناشئة، على حسابها. والعثرة الثانية جنتها إدارة بوش على نفسها، وهي من ثمار سياستها الأحادية وتقويضها بنية النظام العالمي. فالدول تنظر بعين الريبة الى محاولة واشنطن تجديد بنية النظام العالمي وإصلاحه، وترى فيها محاولة للتفلت من قيود القانون الدولي. وأنشأت الارجنتين ونيجيريا وباكستان تحالفاً للرد على واشنطن. ومن شأن هذا التحالف أن يعوق خطط واشنطن الرامية الى إدراج الصين والهند في حصة الدول العظمى، من الهيئات الدولية. \r\n \r\n وجلي ان انتشار مشاعر معاداة أميركا عزز لحمة دول عدم الانحياز، وهذه معروفة بسياستها المناوئة للولايات المتحدة، وأسهم في تكتلها، ورفضها السياسات الاميركية. وعليه، بات على أميركا تقديم تنازلات فعلية. وقد تبادر الصين والهند، وغيرهما من الدول الناشئة، الى انشاء مؤسسات دولية جديدة بعيداً من نفوذ الولاياتالمتحدة، في حال شعرت هاتان الدولتان أن واشنطن لا ترحب بهما في المؤسسات الدولية. \r\n \r\n والحق أن تقسيم القوة (على نحو ما يقال تقسيم العمل)، اليوم، يختلف عما كان عليه في اواخر الاربعينات ابان إنشاء صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وحلف شمال الاطلسي وغيرها. وبعد انتهاء الحرب الباردة، أبقت الولاياتالمتحدة النظام العالمي على حاله، وثبتت ميزان القوى التقليدي، على رغم بهتان نفوذ دول أوروبية كبيرة. فضمت دول شرق اوروبا، وبعض دول البلقان، الى حلف شمال الأطلسي، ووسعت منظمة ال «غات» وحولتها الى منظمة التجارة العالمية. وأتت هذه السياسة ثمارها في عهد الرئيس بيل كلينتون. ويومها، نجح «الناتو» في التدخل في البوسنة وكوسوفو. وجددت المؤسسات الدولية العمل باتفاق الحد من انتشار السلاح النووي. ولكن محافظة واشنطن على هذا التوازن أثار استياء الدول الصاعدة. فاستاء الآسيويون من «استبداد» صندوق النقد الدولي في معالجة الازمة المالية الآسيوية، في 1997 - 1998. ورأت الصين ان منظمة التجارة العالمية تماطل في قبول عضويتها. وضاقت نيودلهي ذرعاً بمعارضة واشنطن برنامجها النووي. \r\n \r\n ولا ريب في ان واشنطن تقوّم المؤسسات الدولية بناء على استعدادها (هذه المؤسسات) لتطبيق قرارات الإدارة الأميركية، والتزام معاييرها. فتلك المؤسسات لا تعود مفيدة عندما تخالف قراراتها التطلعات الأميركية. والدليل هو تهميش واشنطن مجلس أمن الأممالمتحدة و «مجموعة الدول السبع». ولا ريب، كذلك، في أن فريق بوش بذل جهوداً فعلية للتأقلم مع العالم المتغير. وكانت وزارة الدفاع سباقة الى تعديل نهجها ليتماشى مع «النظام العالمي المتجدد». وقررت الوزارة إعادة نشر جنودها في العالم، وسحب بعضهم من دول معينة. وفي كانون الثاني (يناير) 2006 أعلنت وزيرة الخارجية، كوندوليزا رايس من منبر جامعة جورج تاون، قرار نقل مئة موظف في وزارة الخارجية الاميركية من أوروبا إلى دول أخرى كالهند والصين. وحاولت واشنطن توطيد علاقاتها الثنائية بالهند والصين. وفي أيلول (سبتمبر) 2005، دعا نائب وزيرة الخارجية روبرت زوليك، الصين الى شراكة مسؤولة في النظام العالمي. ولم تحل شراكة واشنطن مع باكستان في الحرب على الإرهاب دون تحسن العلاقات الأميركية – الهندية، في السنوات الخمس الأخيرة. وفي العام الماضي، ابرمت الولاياتالمتحدة مع الهند اتفاق تعاون في مجال الطاقة النووية المدنية. واعترفت، ضمناً، بالهند قوة نووية. وحاولت الولاياتالمتحدة أيضاً تكييف المؤسسات الدولية مع القوى الصاعدة. وغداة انشاء كتلة الدول النامية الاقتصادية (G-20)، دعت واشنطن البرازيل والهند وجنوب أفريقيا الى غرفة المناقشات «الخضراء»، وهي غرفة اجتماعات دورة التجارة العالمية المعروفة ب «دورة الدوحة»، في أيلول (سبتمبر) 2003. وحثت اميركا الصين على المشاركة دورياً في اجتماعات وزراء المالية وحكام المصارف المركزية في مجموعة الدول الصناعية السبع. وسعت إدارة بوش في تغيير نظام كوتا التصويت في صندوق النقد الدولي. فحصة الصين من هذه الكوتا لا تتناسب وثقلها الجديد. وقد يحمل تحسين التمثيل في المنظمة الصين على الاقرار بأن سياستها المالية، وتسعير عملتها، ولجمها الاستهلاك المحلي، تسهم في اختلال موازين الاقتصاد العالمي. ومن المبكر القول ما إذا كانت خطوات واشنطن نحو ضم بكين ونيودلهي الى المنظومة الدولية، مثمرة. فتعديل كوتا التمثيل الصيني في صندوق النقد الدولي طفيف. وتتعثر الإصلاحات في مجلس الامن باقتراح الدول الأعضاء مناقشة مَنْ مِنَ الدول يستحق العضوية الدائمة. وتواجه إدارة بوش، معارضة داخلية. فبعض الديموقراطيين يرفضون زيادة صلاحيات الصين في صندوق النقد، ويرون أن الصلاحيات الجديدة هي في مثابة مكافأة لاعب غير نزيه في الاقتصاد العالمي. \r\n \r\n \r\n (أستاذ دراسات دولية، في جامعة تافت)، «فورين أفيرز» الاميركية، آذار (مارس)/ نيسان (أبريل) 2007