\r\n ثمة قانون يرجع إلى أيام الثورة الفرنسية، وتم التأكيد عليه من جديد في العام ،1978 يحظر على المسؤولين في الحكومة الفرنسية جمع أي معلومات عن الأصل العرقي أو العنصري لأي مواطن، سواء كان حقيقياً أو مزعوماً، أثناء إجراء إحصاء عام للسكان أو جمع أي معلومات إحصائية خاصة بالسكان. \r\n \r\n ويرجع هذا الحظر إلى سببين. الأول يتلخص في المبدأ الجمهوري الذي أرساه وأقره الدستور، والذي يُعرِّف المواطن باعتباره مواطناً فقط ولا يقبل أي تمييز بين المواطنين على أساس الأصل أو العرق أو الدين. أما السبب الثاني فهو تاريخي: ومرجعه إلى الذكريات الأليمة التي لا تزال حية والتي خلفها نظام فيشي إبان الحرب العالمية الثانية، حين كان الأصل "العرقي" والديني للمواطن يُسَجَل بختم على أوراق هويته الوطنية. \r\n \r\n واليوم عادت القضية إلى البروز على السطح من جديد بسبب الكفاح الجديد ضد التفرقة العنصرية، والتي يبدو أنها باتت تتطلب المزيد من الإجراءات الدقيقة لعلاج التفاوت الاجتماعي. ويعتقد بعض المحللين أن الإحصاءات العامة المتوفرة بالفعل لا تقدم المعلومات الكافية لتحليل إمكانية وقوع حالات التمييز في التوظيف والإسكان. والحقيقة أن إثبات التمييز لن يكون بالأمر السهل من دون الإحصائيات الملائمة. \r\n \r\n ويؤكد بعض المحللين أن رفض اعتبار الاختلافات المرتبطة بالأصل العرقي والديني من شأنه أن يضفي الشرعية على مثل هذه الاختلافات. فقد قام أحد المحللين الاجتماعيين البريطانيين، طبقاً لرواية العالم الاجتماعي دومينيك شانابير، بالمقارنة بين الفرنسيين الرافضين للخوض في مسألة التمييز العرقي، وبين البريطانيين أثناء العصر الفيكتوري، والذين كانوا يرفضون أي حديث عن الجنس. \r\n \r\n إن مؤيدي جمع الإحصائيات عن العرق والدين يضعون في حسبانهم أيضاً تجارب وخبرات دول مثل الولاياتالمتحدة، وبريطانيا، وهولندا، حيث يتمتع القائمون على جمع المعلومات الخاصة بالتعداد السكاني بحرية السؤال عن الأصل العرقي للمواطن وحسه بالانتماء. فقد بدأت الولاياتالمتحدة في العام 1990 في جمع البيانات الخاصة بالأصول العرقية. وعلى الرغم من أن التعديل الأول لدستور الولاياتالمتحدة يحظر اعتبار الدين شرطاً للمواطنة أو الحصول على منصب سياسي، فمن الممكن باستبعاد أي أسئلة عن المعتقدات الدينية أن يتم جمع المعلومات عن الأصل العرقي، حتى في حالات معينة حيث تتعدد الأصول العرقية، مثل "أبيض"، و"أسود"، و"آسيوي"، و"أمريكي أصلي". \r\n \r\n وفي بريطانيا كان الاهتمام بترقية الأوضاع الاجتماعية للأقليات سبباً في إجراء إحصاء للسكان أشير فيه إلى الأصل العرقي. وفي هولندا كانت الشركات ملزمة بتقديم تقرير عن التركيبة العرقية للعاملين لديها، إلى أن تم تبديل هذا القانون في العام 2003. \r\n \r\n إلا أن التشريع الفرنسي القائم اليوم أقل صرامة مما قد يبدو. فهو يميز بين ملفات لأشخاص مجهولة الاسم من عينات عشوائية، جمعت لأغراض علمية، وقد تحتوى على بيانات عن الأصول العرقية لأصحابها، وبين ملفات لأشخاص معروفي الاسم، وتتصل اتصالاً مباشراً بالأشخاص المعنيين ولهذا السبب يحظر القانون تسجيل أي معلومات عن الأصول العرقية في النوع الثاني من الملفات. ويسمح القانون الصادر في العام 1978 للقائمين على الإحصاء السكاني في الحكومة بتوجيه أسئلة "دقيقة" بشرط اتصال هذه الأسئلة بموضوع دراسة المسح، وموافقة الشخص محل السؤال. \r\n \r\n إلا أن الجهات الحكومية المسؤولة عن الإحصائيات السكانية كانت تقوم بدراسة الأصول الوطنية للمهاجرين منذ مدة طويلة، ومن المسموح لها أن تشير إلى الجنسية السابقة للأشخاص الذين حصلوا على الجنسية الفرنسية. وعلى هذا فالتمييز هنا بين ذكر الجنسية الأصلية، وهو أمر مسموح به، وبين ذكر الأصول العرقية والعنصرية، وهو ما لم يسمح به التشريع. \r\n \r\n ولكن هل من الضروري أن نذهب إلى ما هو أبعد من هذا بدعوى أن المؤشرات المرتبطة بالأصول الوطنية لا تكفي للتعرف إلى حالات التمييز أو التفرقة وبصورة خاصة التفرقة غير المباشرة على أساس العرق؟ لقد أكدت بعض دراسات المسح أن المجموعات السكانية المعنية تساورها الشكوك في هذا الشأن. \r\n \r\n إن الإحصائيات لا تعكس الواقع فحسب، بل إنها تساعد في صياغة هذا الواقع. وكثيراً ما تميل الفئات الإحصائية إلى التحول إلى فئات اجتماعية. وإن المؤشرات العرقية (أبيض، أسود، عربي، آسيوي) لا تفتقر إلى الدقة فحسب في عالم حيث أصبح الاختلاط العرقي أمراً شائعاً، ولكن كما يؤكد فرانسوا هيران رئيس المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية في فرنسا، فإن هذه المؤشرات ضرورية أيضاً لإثبات أن الاختلاف يعني التفاوت وأن التفاوت يعني التمييز بالضرورة. الحقيقة أن الإحصاء على أساس العرق قد لا يسفر إلا عن تعزيز منطق الفصل المجتمعي. \r\n \r\n إذا ما وضعنا في اعتبارنا الرغبة في معاقبة التمييز العرقي، فقد نستطيع أن نتفهم سعي الحكومة إلى جمع مثل هذه المعلومات. إلا أن الدولة لديها من السبل الأخرى ما يمكنها من تشجيع المساواة استناداً إلى معايير وطنية، أو اجتماعية، أو اقتصادية. وفي ضوء الخطر المتمثل في احتمال التحريض على عداوات وخصومات جديدة، فإن جمع الإحصائيات عن العرق أو الدين قد لا يستحق كل هذا العناء. ولا ينبغي لنا أن نتنازل بسهولة عن الحظر المفروض على جمع البيانات العرقية والعنصرية، بل يتعين علينا أن نزن بدقة وحرص المخاطر والمجازفات المترتبة على هذا في مقابل السلام الاجتماعي. \r\n \r\n \r\n \r\n * مؤلف كتاب "مائة كلمة وكلمة عن الديمقراطية الفرنسية"، وهو عضو مجلس الدولة وأستاذ بمعهد العلوم السياسية بباريس. والمقال ينشر بترتيب \r\n \r\n مع "بروجيكت سنديكيت" \r\n